يصعب ان نفهم لماذا تعقدت قضية اعضاء المنظمات غير الربحية الـ 43 الذين عملوا الى ما قبل شهرين في مصر وكيف تضخمت هذه القصة تضخما مخيفا الى درجة أنها تهدد العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر الجديدة. توجد رواية امريكية، وتوجد رواية مصرية ونحن الآن ايضا نغرق في الوحل. اليكم ملخصا: في كانون الاول الاخير داهمت اجهزة الامن المصرية 17 مكتبا للمنظمات الاجنبية في القاهرة، وصادرت اموالا ووثائق واستولت على الحواسيب وأغلقت المباني بسلاسل حديدية. واستقر رأي الامريكيين في المجموعة على انه لم يعد لهم ما يبحثون عنه في مصر واستعدوا للمغادرة. بيد أنه أدهشهم في المطار ان يسمعوا بأنهم ممنوعون من الخروج من الدولة. ووصل 6 منهم في يأسهم الى مقر السفارة الامريكية التي تتمتع بحصانة دبلوماسية وابتُلعوا داخلها. وبعد اسبوع أعلن المدعي المصري العام أنه ينوي ان يحاكمهم على نشاط بلا ترخيص. ومر يومان آخران وعرض المدعي العام وثائق ترمي الى تأثيم نشطاء المنظمات وعلى رأسهم سام لحود ابن وزير النقل العام في ادارة اوباما – بسبب تآمر وتحريض وتدخل في شؤون مصر الداخلية. من وراء الستار وفي حين كان الغضب وخيبة الأمل يتغلغلان الى مجلسي النواب في واشنطن بدأ رشق التهديد بالغاء/ تعليق/ تقليص ميزانية المساعدة السنوية لمصر. وميزانية المساعدة التي تبلغ ملياري دولار تقريبا ليست أمرا تافها في الوقت الذي يُحتاج فيه الى حماية قناة السويس وفي الوقت الذي ينهار فيه الاقتصاد المصري وتهتز فيه البورصة ولا يوجد سياح وفي الوقت الذي يختفي فيه المستثمرون الاجانب. هاتف وزير الدفاع الامريكي ليئون بانيتا رئيس المجلس العسكري في مصر المشير حسين الطنطاوي وحاول ان يقنعه بانهاء هذه القصة الهاذية قبل ان يصبح الوقت متأخرا. وعقدت تلك المكالمة الهاتفية الامور فقط. ان وفدا من ضباط الجيش الكبار من مصر تناولهم الضرب على رؤوسهم في واشنطن. وقد زار رئيس مقر القيادة المشتركة الجنرال مارتن دامبسي أول أمس القاهرة زيارة خاطفة وخرج وفد من الشيوخ لتحذير مصر لتكف عن اللعب بالنار. وفي الاثناء لا توجد بشائر خير في شأن الستة العالقين في السفارة الامريكية. ويفخر اعضاء مجلس الشعب من الاحزاب الاسلامية بقولهم: "لدينا مصادر مساعدة اخرى". وعلى العموم "من الذي يحتاج الى تفضل من الامريكيين؟". منذ سقط مبارك تمتحن واشنطن القاهرة امتحانا شديدا. وقد اشترطت الادارة الامريكية ثلاثة شروط صارمة للموافقة على المساعدة السنوية وهي: الحفاظ على اتفاق السلام مع اسرائيل، وتنفيذ اصلاحات لتحسين مكانة المواطن ازاء السلطة وحرية العبادة لجميع أبناء الأديان. واليكم النتائج: ان مصر تحترم (في هذه الاثناء وبحسب تفسيرها في الحد الأدنى) اتفاقات السلام. وفي شأن حقوق المواطن فالامر بين بين. وفي شؤون حرية العبادة، يرتجف الأقباط خوفا. ليس عرضا ان ضايق المصريون نشطاء حقوق الانسان. ان النشطاء المحجوزين في السفارة الامريكية عملوا في الأساس مع شباب الثورة وهؤلاء خاصة تلقوا لطمة مجلجلة في انتخابات مجلس الشعب. والشباب الذين يصرون على الشغب في الشوارع، من وجهة نظر المجلس العسكري والحركات الاسلامية، يشوشون على رسم الخريطة السياسية الجديدة. من المهم ان نعاود التذكير بأن مصر يجري عليها تغيير حاد، ومصر الجديدة ليست هي مصر التي عرفناها. والتهديد بأنه يمكن تسوية الامور من غير الامريكيين ايضا يُسمع حتى في تل ابيب. وقد شهدت الوزيرة المصرية بالتعاون الدولي، فايزة أبو النجار، التي تعتبر القوة الدافعة في هذه القضية، شهدت أمس في المحكمة في القاهرة وقالت: "ان الثورة في مصر أفسدت على الامريكيين والاسرائيليين الخطط، ولهذا فانهم مستعدون لانفاق مال كثير وجهود للحفاظ على مصالحهم". اليكم العقدة المثلثة: اذا ألغت واشنطن المساعدة لمصر التي ولدت عن اتفاق السلام مع اسرائيل فان الساسة الاسلاميين سيتلقفون هذه اللقطة. وسيطلبون فورا فتح الاتفاقات والتغيير واعادة البناء والتشديد في كل ما يتعلق بالتعاون (والذي مُحي أصلا). كيف يتم الحفاظ على الاتفاق وتُنقل مليارات الى دولة دبرت ملفا جنائيا للباحثين عن الديمقراطية؟ ان المتفائلين مستعدون لأن يُقسموا ان القضية تميل الى الخفوت. ويحذر المتشائمون من ان هذا هو البداية فقط.