انتهى الاضراب، لكن أكوام القمامة التي خلفها وراءه بقيت أمس في الشوارع رطبة من ماء المطر مسحوقة باطارات السيارات. وكانت الغربان مبتهجة وكذلك القطط. فاضرابات القمامة تفرحها دائما دونما صلة بنتائجها. لكن من ليس طائرا ولا قطا كان يجب ان يقف لحظة وان يسأل ماذا كانت جدوى ذلك. ان الاضراب الذي أعلنته الهستدروت ولد في خيام الاحتجاج في الصيف وقد أراد رئيس الهستدروت عوفر عيني ان يعيد بناء منزلته معتمدا على الاحتجاج الاجتماعي ورفضه المحتجون باحتقار. وأدرك عيني انه اذا كان يرغب في الحياة فيجب عليه ان يفتح قناة احتجاج له، فتبنى قضية عمال المقاول. ان اضرابات منظمات العمال لا تحظى في اسرائيل بتأييد واسع. فالاسرائيليون يشتكون من التشويش على رتابة حياتهم، فرحلاتهم الجوية الى الخارج يتم تأخيرها والاولاد يعبثون في البيت والعيادات مغلقة وغرف القمامة نتنة. ولذلك كانت مفاجأة ما في طريقة تقبل الجمهور لهذا الاضراب، فقد نُظر اليه على انه خطوة تعاطف: فالأقوياء يجندون أنفسهم من اجل الضعفاء، والمنظمون من اجل غير المنظمين، والاغنياء من اجل الفقراء. رفعت مظاهرات الصيف الراية وستهتم الهستدروت بأن تترجمها الى لغة الفعل، ولن يكون هنا عبيد بعد الآن – في عصر عيني. تبين بعد ثلاثة ايام ونصف يوم من الاضراب ان العبيد سيظلون موجودين. فالاتفاق يُحسن شيئا ما فقط مستوى أجور فريق من عمال المقاول لكنه لا يمس النظام الاجتماعي الذي ولّد الاعوجاج. وسيظل الناس يحصلون على أجر مختلف عن نفس العمل في نفس مكان العمل. والفرق بين شروط عمل العمال المنظمين وشروط عمل عمال المقاول سيظل موجودا. ومن كان محميا حتى الآن سيبقى محميا ومن كان مُضيّعا سيظل مُضيّعا أو بعبارة اخرى جعجعة ولا نرى طِحناً. وكما هي الحال في كل نزاع عمل انقضى، سارع الطرفان الى التعبير عن الرضى بيد أنهما قالا الحقيقة هذه المرة وهي ان المالية فازت وعيني فاز. فازت المالية لأن تصورها الاجتماعي العام حظي بالمصادقة من جديد بزيادة ختم حِل الهستدروت، وفاز عيني لأنه برهن للجميع على مبلغ قوته، فهو اذا أراد عطّل الجهاز الاقتصادي واذا أراد أعاده الى العمل. ان عيني هو رب البيت وهو على عيني وعلى راسي. ان عيني يعمل منذ ست سنين رئيسا للهستدروت. وسيرشح نفسه في شهر أيار لانتخاب من جديد. وفوزه مؤكد سلفا بحسب جميع الدلائل. ولا يتعلق سر سحره بالاضراب الذي انقضى من قريب أو بموجة طاغية من الموالاة العامة بل مصدره الاتفاقات بين مُشغلي العمال وليس لعيني الآن خصم داخل الهستدروت. لكن هذا لا يكفيه برغم ذلك. فهو محتاج الى فوز بمقياس شرق اوسطي. وكان هذا هو عمل عمال المقاول أي أن يوطئوا لفوز عيني في الانتخابات بوطاء اخلاقي، فليست لجان العمال وحدها من ورائه بل العدل والأخوة والتكافل الاجتماعي ايضا. ان سني عيني الاولى في الهستدروت أدخلت في علاقات العمل في الجهاز الاقتصادي ريحا منعشة. وأحل عيني محل خطابة عمير بيرتس توجها براغماتيا، وأحل محل التشاجر التقليدي مع القطاع الخاص تعاونا مخصبا وأحل محل الاضرابات المتقاربة تفاهمات مع المالية، فأجدى الهدوء في الجهاز الاقتصادي على الجميع. لكن حدث له ما حدث لكثيرين آخرين، فقد أثرت منزلته في رأسه فشعر بأنه يحل له ان يفعل في الهستدروت فعله فيما يملك. وكانت الامثلة التي نشرت في الوقت الاخير تعيين زوجته رئيسة لشبكة "عمل" وتعيين ضابط شرطة من معارفه لادارة دار نشر "عام عوفيد". وقد اختارت لجنة بحث من قبل دار النشر مرشحين آخرين لكن عيني استخف بهم. يمكن ان نسمي هذه الظاهرة "قذافيقراطية"، باسم حاكم ليبيا رحمه الله. ويمكن ان نسميها "مباركقراطية"، باسم رئيس مصر السابق أطال الله عمره. وفي الحالتين المذكورتين آنفا لم تكن النهاية جيدة، لكن كيف اتجرأ أنا على المقارنة لأنهما اذا قيسا بعيني فانهما كانا في الحاصل العام عاملي مقاول.