مشوق متابعة دبلوماسية الظلال للمواجهة المقتربة مع ايران. فهي تتراوح بين التصريحات الرسمية والاحاديث الى وسائل الاعلام، ومن هناك الى التظليل الاعلامي بل واحيانا الى زلات اللسان. بشكل عام، الولايات المتحدة واسرائيل اجتهدتا في السنة الاخيرة لخلق بنية تحتية لـ "تهديد عسكري مصداق" على طهران بحيث يفهم الايرانيون بشكل كامل الاثار المحتملة لاستمرار تطوير النووي العسكري. من "كل الخيارات على الطاولة" وحتى "لن تكون لايران قنبلة"، سلسلة من التصريحات (والخطوات أيضا) لايضاح مصداقية التهديد باستخدام القوة. هذا التكتيك موضع خلاف، كما ينبغي القول. مئير دغان، مثلا، يعتقد ان بالذات المبالغة في التهديدات العسكرية كفيلة بان تدفع طهران نحو الزاوية وتحثها على "تحطيم الاواني". موقفه لم يؤخذ به حتى الان. الولايات المتحدة واسرائيل تفعل كل شيء كي تدفع الايرانيين الى الزاوية، انطلاقا من الايمان بانه بدون ذلك لن يكون لها ما يدعوها الى المساومة. ولكن في اطار هذا التكتيك ايضا توجد نبرات حادة. مثلا قصة "واشنطن بوست". وزير الدفاع الامريكي، كما قضى الكاتب الكبير دافيد ايغناشيوس، يؤمن بان اسرائيل قررت ان تهاجم في الربيع القادم وستفعل ذلك. ايغناشيوس لم يأت باقتباس مباشر عن الوزير بانيتا، ولكن ما كان يحتاج لان يفعل ذلك؛ فقد رافق وزير الدفاع الامريكي في زيارته الى بروكسل. والنبأ لم ينفَ.الان توجد عدة احتمالات: إما ان يكون بانيتا قال ذلك لان يؤمن به ولم يقصد نشره، او أن يكون قال ذلك وهو لا يؤمن به – وبالذات قصد أن ينشر. العقد الذكي سيفترض على الفور بان الحديث يدور عن تسريب مرتب. الامريكيون يريدون للايرانيين أن يخافوا وبالتالي فانهم يهددون بالسوط الاسرائيلي وبالهجوم. أو ربما الامريكيون يعرفون موعدا آخر للهجوم ومعنيون بتضليل طهران، أو انهم يكشفون هذا التفصيل لاحباط النوايا الهجومية لاسرائيل. بالطبع يوجد المزيد من الاحتمالات: ان يكون بانيتا تحدث بحرية أكثر مما ينبغي. أو ربما الصحفي ايغناشيوس اعتقد ان ما يقال على سبيل الخلفية هو عمليا نوع من "لغير السجل"، للكتابة ولكن ليس للاقتباس. التخمينات لا نهاية لها، ولكن هذا الاقتباس كان في كل الاحوال سيئا: سيء للمساعي الدبلوماسية العالمية (اذا كانت اسرائيل قررت، فلماذا نبذل الجهد)، سيء للولايات المتحدة (التي لا يمكنها أن تؤثر على ما يبدو على القدس) وسيء لاسرائيل، اذا كانت هذه تخطط للهجوم في اذار. كل هذا لم يعد يغير في الامر من شيء، لانه في هذا الاسبوع جاء جواب البيت الابيض. الرئيس اوباما منح مقابلة لـ ان.بي.سي واضطر الى القول صراحة بانه لا يعتقد أن اسرائيل قررت. وقد ناقض ما نسب الى وزير دفاعه. ضربة شديدة الى العقول الذكية التي أبدا لا تفترض ان يحتمل لمن يأخذ القرار ان يزل اللسان.خريطة الطريق فشلت كانت هناك ضربات شديدة اخرى هذا الاسبوع. مثلا الضربة للمعتقد المتفائل بان الايرانيين سيلين موقفهم امام وكالة الطاقة الذرية فيقدموا لها المفتاح لبدء الحل. فقد فعلت طهران كل شيء كي تخلق هذا الانطباع في نظر بعثة المراقبين التي زارت هناك مؤخرا. وحسب الانباء ما قبل الزيارة، فلاول مرة يبدي الايرانيون الاستعداد للحديث عن الادعاءات الملموسة والتي بموجبها ينشغلون في محاولات ترمي الى اعداد منشأة عسكرية. هذا الاسبوع تبين أن الزيارة في طهران انتهت بفشل دراماتيكي. فبعد يومين ناجحين نسبيا من المباحثات، تقررت فيها خريطة طريق لمواصلة الطريق الدبلوماسي، جاءت الضربة. الايرانيون، يوم الثلاثاء، عرضوا على الفريق المفاوض نيابة عن الوكالة مغلفا وفيه اقتراحهم لمواصلة الاتصالات. طريقة عرض الوثيقة كانت غريبة، على اقل تقدير. وقرأ المراقبون وذهلوا. وقال هذا الاسبوع مصدر دبلوماسي في فيينا "فهمنا انهم يريدون فقط كسب الوقت في هذه الاتصالات". ستكون هناك جولة اخرى من المحادثات. بعدها، اذا لم ترجع روسيا والصين برد مفاجيء، فان الامكانيات آخذة في التبلور. انتظروا لحظة للولايات المتحدة في النهاية، هذا موضوع ثقة. الولايات المتحدة تقول لاسرائيل: لا تهاجموا الان. اذا ما حطم الايرانيون فجأة اختام وكالة الطاقة الذرية، اذا ما ركضوا نحو القنبلة، فكلنا سنعرف. اذا ما حصل هذا، يقول الامريكيون، فاننا نتعهد بالعمل. هكذا قال اوباما، وهكذا قال بانيتا. وفي واقع الحال، يطرح السؤال: لماذا لا؟ اذا كانت القوة العظمى العسكرية الاقوى في العالم تعد بالعمل عندما تكون حاجة، فلماذا استباق الحدث؟ ماذا ترد اسرائيل؟ هذا يمكن تخمينه فقط. اذا ما حصل هذا، تقول ربما اسرائيل لامريكا، فسيكون هذا متأخرا. لن نعرف كم ستكون العملية ناجعة. سباق التسلح النووي في الشرق الاوسط يكون قد بدأ. كي يتوقف على الايرانيين ان يوقفوا قبل أن يركضوا نحو القنبلة وبالطبع ليس مجديا الاستخفاف بالاقتناع الذاتي السياسي لاصحاب القرار ممن خطبوا وروجوا على مدى السنين في موضوع التهديد الايراني. أين تدخل الثقة الى الصورة؟ في مسألة كم يثق باراك ونتنياهو بالامريكيين، والى أي حد ما يصدقونه بانهم عند الحاجة سيعملون وسيعملون بسرعة، وسيتجاهلون الاعتبارات الفورية للنفط وللسياسة الداخلية. اذا كانا يصدقان امريكا، فمن الصعب أن نفهم لماذا يجدي لاصحاب القرار عندنا أن يعملوا الان. وفي الحساب الشامل من الافضل الانتظار الى أن يقوم الامريكيون بالعمل، في حالة تحطيم الايرانيين للاواني. واذا لم تكن هناك ثقة، من جهة اخرى، فان هجوما اسرائيليا من جانب واحد يصبح سيناريو أكثر معقولية بكثير. مرة اخرى، مسألة ثقة.* * * في وابل الانباء عن سوريا ضاع هذا الاسبوع التقرير الذي نشرته منظمة "امنستي" عن الوضع في دارفور، ولا سيما توريد السلاح لهذا النزاع الدامي. في واقع الامر من سوريا وحتى السودان، هذه ذات القصة. سلاح روسي، صيني وبلروسي، كما تقول "امنستي" يشعل نار اعمال الحكومة والميليشيات العنيفة في دارفور. الصينيون والروس يزودون السلاح بمعرفة واضحة بانه سيستخدم للعمل في اقليم دارفور. وضمن امور اخرى يدور الحديث عن بنادق، صواريخ جو – أرض، مروحيات روسية، طائرات سوخوي – فخر الصناعة الروسية. وهي كلها تورد الى الدولة التي على رأسها يقف شخص مطلوب لمحكمة الجنايات الدولية بتهمة الجرائم ضد الانسانية. النظام البوتيني الذي يورد الاسلحة لعائلة الاسد، وكذا للايرانيين هو مورد مركزي لادوات القتل في اطار الحرب المستمرة في دارفور. في العام 2011 فقط فقد هناك نحو مائة الف شخص منازلهم، ولكن موسكو لا يهمها الامر، بالضبط مثلما لا يهمها سكان حمص او الطريقة التي تتخذ فيها الصورة في ارجاء العالم. عقل شكاك حتى كان كفيل بان يعتقد بان هذه ما تريده روسيا، في واقع الامر؛ حروب طويلة ودامية توفر الكثير من العمل لصناعاتها العسكرية، والتي خلافا لتلك الغربية ليست محصورة بقرارات الامم المتحدة وبالامور الاخلاقية. لقد فشل بوتين في محاولة اعادة روسيا الى مكانتها كقوة عظمى مثلما في عهد الاتحاد السوفييتي، ولكنه نجح في امر واحد: العثور على رؤيا جديدة بعد سقوط الايديولوجية السوفييتية. الرؤيا البوتينية لروسيا الجديدة هي على ما يبدو قوة عظمى لتجار سلاح. اذا استمرت الامور مثلما هي عليه، فان هذه رؤيا فتاكة بقدر لا يقل، وربما اكثر، من رؤيا الامبراطورية الشيوعية.