خبر : استحقاق أيلول : الخلفيات.. الأهداف.. الآفاق ..ماجد عزام

الخميس 09 فبراير 2012 10:21 م / بتوقيت القدس +2GMT
استحقاق أيلول : الخلفيات.. الأهداف.. الآفاق ..ماجد عزام



  بداية يعنى استحقاق أيلول ذهاب القيادة الفلسطينية الرسمية السلطة الفلسطينية أو منظمة التحرير إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، تحديداً أيلول الماضي من أجل الحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس ضمن حدود حزيران يونيو 1967. استحقاق أيلول لماذا؟بدا الحديث عن استحقاق أيلول لأول مرة بشكل علني في مارس آذار الماضي، من خلال السيد صائب عريقات الذي قال في تصريح رسميأن القيادة الفلسطينية قررت الذهاب مباشرة إلى الأمم المتحدة لنيل اعتراف بالدولة الفلسطينية دون التحديد آنذاك إذا كان الأمر يتعلق بالحصول على عضوية دائمة عبر مجلس الأمن أو الحصول على مكانة دولة غير عضو - الخيار الفاتيكاني - عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة. أما لماذا أيلول تحديداً فمن الناحية التقنية لا يتعلق الأمر بشكل مباشر بالاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، وإنما بثلاث معطيات أساسية خطة سلام فياض لبناء المؤسسات الفلسطينية الضرورية للانتقال إلى مرحلة الدولة، والتي انتهت بنهاية آب أغسطس الماضي خطاب باراك أوباما أمام الجمعية العامة العام للأمم المتحدة، أيلول سبتمبر 2010، والذي قال فيه أنه يتمنى رؤية فلسطين كعضو جديد في المنظمة الدولية في الدورة السنوية 2011، والثالث يتمثل ببيان اللجنة الرباعية نهاية أيلول 2010، والذي دعا إلى مفاوضات حول القضايا النهائية بين السلطة وإسرائيل – حل الدولتين - على أن تنتهي خلال عام، وهذا ما أدى أساساً إلى اعتبار أيلول شهر الاستحقاق الذي يفترض أن تبصر فيه الدولة الفلسطينية المستقلة النور.استحقاق أيلول لماذا سياسياً؟ إذن في 21 آذار مارس الماضي كشف السيد صائب عريقات لأول مرة عن قرار رسمي للقيادة الفلسطينية - منظمة التحرير ومركزية فتح - بالذهاب إلى الأمم المتحدة لتقديم طلب الاعتراف بدولة فلسطينية ضمن حدود حزيران 67 وعاصمتها القدس الشرقية.وعندحديثه عن الأسباب السياسية، قال عريقات أننا أصبحنا مقتنعين بأن المفاوضات مع حكومة نتن ياهو غير ممكنة لأنها ترفض وقف الاستيطان ومرجعية المفاوضات على أساس حدود 67.لا يمكن التشكيك إذن في الحقيقة السابقة حيث قررت القيادة الفلسطينية الذهاب إلى الأمم المتحدة، بعدما تبلورت لديها القناعة التامة بأن الحكومة الإسرائلية غير جادة وغير راغبة في الانخراط في مفاوضات جدية تكفل التوصل إلى اتفاق سلام نهائي للصراع في فلسطين وقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس وفق حدود حزيران يونيو 67 مع تعديلات طفيفة متفق عليها وحل عادل لقضية اللاجئين وفق القرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة.القناعة السابقة تبلورت لدى السلطة بشكل تدريجي طوال العام 2010، خاصة بعد فشل مفاوضات التقريب – المفاوضات غير المباشرة -التي أشرف عليها وابتدعها المبعوث الأمريكيجورج ميتشل للتهرب من رفض حكومة نتن ياهو استئنافها من النقطة التي توقفت عندها مع حكومة أهود أولمرت وهي المفاوضات أى لم يتم توثيقها إسرائلياً أو حتى كتابة محاضر لها - جلس أبو مازن وأولمرت، ودخّنا السيجار ولم نعرف بالضبط ما جرى بينهما حسب العبارة الساخرة لأهود باراك - كما من رفض التجميد التام للاستيطان أو الاعتراف بمرجعيات التفاوض، وخاصة فيما يتعلق بحدود حزيران 67 كأساس لإقامة الدولة الفلسطينيةولحفظ وجه الإدارة الأمريكية تم الذهاب إلى المفاوضات غير المباشرة التي شهدت تنقل جورج ميتشل بين الطرفين للحصول على تصوراتهم، فيما يتعلق بقضيتي الحدود والأمن على أن يمثل النجاح والتقدم في ذلك فرصة أو وسيلة للانتقال إلى المفاوضات المباشرة، غير أن أى تقدم لم يتحقق لرفض نتن ياهو تقديم أى تصورات أو رؤى لقايا مهمة كهذه إلى بشكل مباشر وكالعادة قام ميتشل ولإدارة بشق طريق التفافي على التطرف والتعنت الإسرائيلي وجرى الضغط على الرئيس عباس للقاء نتن ياهو وجهاً لوجه، على أساس أنّ ما لم يتحقق في المفاوضات التقريبية قد يتحقق في المفاوضات المباشرة وهكذا كان. وجرى افتتاح المفاوضات في واشنطن أيلول 2010، ثم  في شرم الشيخ والقدس المحتلة وخلال الجولات الثلاث رفض نتن ياهو الخوض في أى ملفات جدية أو عرض مواقفه  الخاصة بملفي الأمن والحدود وجرى إغراق المفاوضات في قضايا وملفات إجرائية إلى أن تم أواخر الشهر نفسه وقف التجميد – الكبح المؤقت للاستيطان، الذي أقرته حكومة نتن ياهو في تشرين ثاني نوفمبر 2009 واستثنى المباني قيد الإنشاء والمؤسسات العامة وهو الكبح الذي أدى لزيادة  قدرها عشرة آلاف مستوطن  المستوطنين في الضفة  الغريية حسب تصريح أو تبجح الوزير بيني بيغن.وقف الكبح المؤقت للاستيطان أدى مباشرة إلى وقف المفاوضات من قبل الرئيس محمود عباس وتبلور القناعة بأن لا فرصة أو احتمال للتفاوض، ناهيك عن الاتفاق النهائي مع حكومة نتن ياهو ليبرمان بيغن باراك، غير أن ثمة بصيص أمل كان ما زال لدى السلطة آنذاك بإمكانية قيام الرئيس باراك أوباما بالضغط على الحكومة الإسرائلية من أجل العودة إلى الطاولة، والسعي للتوصل إلى اتفاق خلال عام حسب خريطة اللجنة الرباعية غير أن انتخابات التجديد النصفي للكونغرس تشرين ثاني نوفمبر 2010، وأدّت هذا البصيص فقد مثّلت النتائج عقاب شعبي للرئيس أوباما وسيطرة الجمهوريين على مجلس النواب وتراجع الملفات الخارجية لصالح تلك الداخلية، والأهم أن أوباما لم يعد بوارد الضغط على نتن ياهو أو حتى مجرد الخلاف معه، وصولاً حتى إلى التبني التام للرواية الصهيونية للصراع والتسوية، كما رأينا في الخطاب أمام إيباك أيار مايو ثم أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أيلول الماضي، وقد سمع الفلسطينيين صراحة من جورج ميتشل منذ نهاية العام الماضينصائح بتفهم ما وصفه الوضع الجديد في واشنطن  والتأقلم معه وبالتالي قبول ما يعرض عليهم أمريكياً وإسرائلياً؛ بمعنى الموافقة على استئناف مفاوضات مباشرة دون تجميد الاستيطان ودون تحديد المرجعيات مع تقديم وعود غامضة وضبابية بدعم الموقف الفلسطيني، فيما يتعلق بالحدود والسقف الزمني للتفاوض. استحقاق أيلول نقطة الحسمنقطة الحسم النهائيةوالقطرة التي أفاضت الكيل فيما يتعلق باستحقاق أيلول حدثت في شباط فبراير من العام الجاري، عندما استخدمت واشنطن حق النقض الفيتو ضد مشروع قرار عربي - فلسطيني – يدين الاستيطان في الأراضي المحتلة عام 67، ويدعو الطرفين للعودة للمفاوضات وفق القرارات الدولية والخطط والمشاريع ذات الصلة - خريطة الطريق المبادرة العربية وبيان الرباعية - ورغم الضغط الأمريكي الشديد ومكالمة هاتفية استمرت خمسين دقيقة بين الرئيسن عباس وأوباما بمبادرة من الأخير، ثم مكالمة مطولة أخرى بين الأول ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، إلا أن الرئيس عباس خاصة بعد درس غولد ستون المر والقاسي رفض سحب القرار وتوصل إلى قناعة تامة أن إدارة أوباما باتت عاجزة  عرجاء وبتراء ولا يمكن التعويل عليها لانتشال عملية التسوية والمفاوضات من جمودها.شهد شهر فبراير أيضاً سقوط نظام حسني مبارك واكتساب الربيع العربي وميدان التحرير المتنقل من دولة إلى أخرى زخماً شديداً ومؤثراً، خاصة يعد سقوط النظام التونسي في شهر يناير الذى سبقه وهذا الأمر رغم أنه أضعف سياسياً السلطة في رام الله ساسياً إلا أنه حررها من الضغط المتواصل للنظام المصري من أجل البقاء في مسار التسوية الجامد والميت، كما أنه أي الربيع العربي شجعها على المضي قدماً في استحقاق أيلول في ظل الدعم الدولي الكبير للشعوب العربية في تقرير مصيرها وحكم نفسها بنفسها، بعد عقود من الاستبداد والتسلط والقمع ورأت السلطة أن الأمر نفسه ينطبق أيضاً على الشعب الفلسطيني، وأن المجتمع الدولي لن يكون بمقدوره رفض تطبيق نفس القاعدة عليه بعد عقود من الاحتلال، وبعد وصول عملية التسوية إلى الموت السريري واقتناعه - المجتمع الدولي - بمسؤولية إسرائيل عن ذلك كما تبدي في التصويت على القرار الشاجب للاستيطان في مجلس الأمن والذي حاز على موافقة أربعة عشرة عضو من أصل 15 هم أعضاء المجلس ورفض أو فيتو من قبل إدارة باراك أوباما وحدها.يمكن الإشارة كذلك إلى أن العزلة السياسية والديبلوماسية المتفاقمة التي تعاني منها إسرائيل على المستوى الإقليمي والدولي شعبياً ورسمياً – ظهرت في تصويت مجلس الأمن ثم اليونيسكو فيما بعد - كانت حكماً  أحد الدوافع التي شجعت القيادة الفلسطينية على استحقاق أيلول ورغم النفي المتواصل من قبل الرئيس محمود عباس، الذي يقول دائماً أن الأمر يتعلق بالحق الفلسطيني وليس بعزل إسرائيل كدولة وإنما عزل تصرفاتها تجاه الشعب الفلسطيني - الاحتلال والاستيطان - إلا أنه لا يمكن استبعاد الأمر لجهة البيئة الإقليمية والدولية المناسبة للاستحقاق، والتي تم تعزيزها فلسطينياً عبر اتفاق المصالحة ولو اقتصر الأمر حتى الآن على مشهد أيار، وهو ما كان يحتاجه الرئيس محمود عباس مرحلياً على الأقل من أجل  المضي قدماً في الاستحقاق بشكل أكثر راحة واطمئناناً. استحقاق أيلول قراءة نقدية لا يمكن التشكيك إذن في أن الاستحقاق أتى كنتيجة مباشرة لفشل التسوية والمفاوضات، غير أنني أعتقد أنه يمثل جزء من الأزمة وليس الحل بالنسبة للسلطة والقيادة الفلسطينية، بمعنى أن الرئيس محمود عباس  أمّن طوال عقدين على الأقل، وربما أكثر من ذلك أن التفاوض هو الخيار الوحيد والمنطقي والواقعي أمام الفلسطينيين من أجل انتزاع حقوقهم أو الحد الأدنى منها، وهو خاض الانتخابات الرئاسية السابقة - على علاّتها - ونال الشرعية الديموقراطية على أساسه وبالتالي فإن فشله يقتضي حكماً العودة إلى الشعب ومصارحته بالحقيقة بشكل مباشر وصريح وشجاع، والقول أن الخيار وصل إلى طريق مسدود - بعد 28 عام من التفاوض يحتاج الرئيس إلى تصريح للذهاب من رام الله إلى عمان، وإن احتاج إلى تصريح مماثل للذهاب من أريحا إلى رام الله حسب النص الحرفي للتصريح الشهير لصائب عريقات - والشعب مطالب، بالتالي بالبحث عن خيار آخر وربما يساعده الرئيس في ذلك عبر الاستقالة والذهاب إلى البيت  وبناء عليه، فإنني أفهم ما جرى يشكل من أشكال الهروب إلى الأمام، والافتقاد إلى الإرادة أو القدرة - أو الاثنين معاً - اللازمة من أجل استخلاص الاستنتاجات والعبر السياسية والشخصية المناسبة من فشل المفاوضات وعملية التسوية بشكل عام وعجزها بعد عقدين من الزمن عن تحقيق نتائج جدية وملموسة للشعب الفلسطيني.غير أنني أعتقد أن ثمة أمر مهم آخر ينبغ التنبه له وأخذه بالحسبان، ويتمثل في أن فشل المفاوضات كان يقتضي الخروج من المسار كله، أي مسار أوسلو – السلطة - المفاوضات والبحث بالتالي عن مسار آخر  مختلف ويبدو أن الرئيس عباس يعتقد أن الظروف ليست مناسبة فلسطينياً، وإقليمياً، ودولياً، لذلك جرى البقاء فيه ولكن مع خطوة إضافية أخرى إلى الأمام علّها تؤدي إلى أي نتيجة، علماً أن الوصول إلى حائط مسدود مرة أخرى قد يكون مسألة وقت فقط. وفي كل الأحوال فإن البقاء في نفس المسار لا يمنع في الواقع التخلي عن النهج المتبع منذ سنوات، بمعنى التخلي عن المفاوضات عن الوساطة الأمريكية أو الرعاية الأمريكية الحصرية. كما العودة بالملف والقضية برمتها إلى الأمم المتحدة، وهي الفكرة التي سيتم شرحها بشكل مسهب في مكان آخر. المواقف الفلسطينية – الحزبية - من استحقاق أيلولربما يستغرب كثيرون أن هذه الخطوة على أهميتها لم تنل حظّها الوافي من النقاش الفحص والتمحيص داخل الهيئات الفلسطينية الحزبية والسياسية الرسمية المختلفة، فعلى المستوى الفتحاوي جرى التهرب من عقد جلسات خاصة بالاستحقاق كما كان الحال مثلاً مع قضية محمد دحلان - الذي حوسب على الجريمة الوحيدة التي لم يرتكبها أم تلك التي ارتكبها وله شركاء كبار كثر فيها فتم الاكتفاء بالثرثرة حولها والعنوان الأبرز في الواقع لما حدث معه هو الجريمة والعقاب - التي هدفت ليس فقط إلى إقصائه كمنافس وند سياسى، وإنما إلى منع أي معارضة جدية للرئيس محمود عباس داخل حركة فتح خارج إطار التعظيم والتفخيم والتهليل لدرجة أن خمسة من أعضاء اللجنة المركزية موظفين لديه أو مستشارين في ديوان الرئاسة. وهكذا فلا أحد يعلم أن القيادي الفتحاوى الديبلوماسى السابق وعضو اللجنة المركزية المنتخب ناصر القدوة عارض الاستحقاق ووصفه بأنه يأتي في سياق خطوات تجريبية حيث لا يجوز التجريب  أحمد قريع  يتبنى موقف مماثل كذلك دحلان – المنتخب هو الآخر في المركزية والتشريعي - الذي يعتبر أن الرئيس عباس مسؤول عن الوضع السياسي الفلسطيني الكارثي الحالي، ولا أحد من هؤلاء وجد الفرصة للتعبير عن آرائه وتصوراته ضمن نقاش ديموقراطي ومؤسساتي - قد يصل إلى حد التصويت - لا داخل فتح ولا داخل منظمة التحرير كون الرئيس عباس يلجأ عادة إلى ما كان يرفضه أيام الشهيد ياسر عرفات، ويعتبره خلط للأمور وتهرّب من العمل المؤسساتي الممنهج والمنظم عبر عقد اجتماعات فضفاضة  لما تسمى القيادة الفلسطينية والتي تضم أعضاء اللجنة المركزية لفتح واللجنة التنفذية لمنظمة التحرير، وشخصيات مستقلة أخرى وهي لقاءات موسعة جداً أشبه بالمهرجان لا تتيح مجالاً أمام أي نقاش  مدروس متأني وعميق لأي من القضايا محل البحث والاهتمام.ربما لا يعرف  كثيرون أيضاً أن رئيس الوزراء سلام فياض يرفض ما يسمى استحقاق أيلول وهو يرى أن الدولة التي قد تنتج عن هذا الاستحقاق في ظل الواقع الحالي للضفة الغربية - ستين بالمائة منها تحت سيطرة الاحتلال الكاملة - هي دولة كرتونية يصفها بدولة ميكي ماوس،كما أنه يعتقد أن الاستحقاق سيؤدي إلى مشاكل سياسية واقتصادية مع أمريكا إسرائيل وحتى أوروبا، وربما يؤدي إلى تردي الأوضاع على الأرض في ظل التوقعات العالية والنتائج غير المضمونة والغريب أنه لم يتم الاستماع إلى القدوة وفياض في لقاء مؤسساتي موسع، وإنما جرى طلبها أو دعواتهم إلى لقاء مغلق مع الرئيس للاستماع إلى وجهة نظرهم تموز الماضي، وبعدما وضعت عربة الاستحقاق على السكة فعلاً.إذن لم يجري نقاش جدي وممنهج داخل منظمة التحرير ما حال دون الاستماع إلى وجهة نظر أخرى أيدت الاستحقاق من حيث المبدأ، لكنها اعتبرته فرصة للخروج من نفق النفق المظلم ووسيلة لإنهاء الرعاية الأمريكية الحصرية للمفاوضات وعملية التسوية ومناسبة لإعادة القضية الفلسطينية إلى الشرعية الدولية والأمم المتحدة، بعدما همّشت هذه وأقصيت بشكل متعمد ومقصود طوال عقدي أوسلو.هذا في السياق السياسي والمؤسساتي، أما  في السياق الوطني العام فجرى نوع من التعبئة والتجييش تجاه الاستحقاق - على الطريقة العالم ثالثية التقليدية - بدلاً من النقاش الحر والصريح والشفاف والمنظم  وحالت تلك الأجواء دون شرح الأمر للجمهور بشكل بسيط وواضح شفاف ومنظم وأعتقد أن ذلك كان متعمداً لخلق أوسع درجة ممكنة من التأييد للخطوة، ما أدى إلى فهم خاطىء لها كما نشرت الحياة -الثلاثاء 20 أيلول - في تقرير لها من غزة عن جهل كامل لدى المواطنين وتصور أن الاستحقاق سيؤدي إلى قيام دولة فلسطينية في صباح اليوم التالي وحل كل القضايا الصعبة مثل القدس واللاجئين وحتى رفع الحصار عن غزة نفسها، وأعتقد أنه يمكن الاستنتاج أن صورة مماثلة حدثت في الضفة الغربية والشتات في ظل تغليب التعبئة والتجييش على الشرح والتوضيح والإجابة على الأسئلة الصعبة المتعلقة مثلاً بمنظمة التحرير وحق العودة للاجئين وطبيعة العلاقة بين الدولة والمنظمة أو اللاجئين في مخيمات الشتات وأماكن اللجوء الأخرى.أعتقد أن هذهالنقطة الأخيرة مثلت أحد أهم ثغرات أو نواقص وعيوب الاستحقاق، باستثناء النقاش في الحلقة الضيقة من المستشارين المحيطة بالرئيس - معظمهم فاقدي للقدرة والكفاءة ورأس مالهم الولاء فقط-. لم يجري نقاش معمق يطال هذه الجوانب أى تأثير استحقاق وإعلان الدولة على مكانة منظمة التحرير  كما ثمة أمر مهم آخر يخص العلاقة بين الدولة واللاجئين وهل يتحول هؤلاء إلى جاليات تابعة للدولة ما يعني إلغاء لحق عودتهم إلى مدنهم وديارهم التي شردوا منها هذا عوضاً عن أسئلة أخرى تتعلق بالمقاومة. وهل ستتحمل الدولة المسؤولية عن أي عمل مقاوم ينطلق من غزة أو حتى من الضفة ضد الأراضي المحتلة عام 48، وإذا كان للدولة الوليدة الحق في مقاضاة إسرائيل عن الاستيطان أو نهب الثروات الفلسطينية. فماذا عن حق إسرائيل المقابل في مقاضاتها عن أي عمل قد تتعرض له وتعتبره إنهاك "لسيادتها وحدودها" كما قد يحصل مثلاً مع أي صورايخ تطلق من غزة باتجاه المستوطنات والتجمعات الأخرى المحيطة بالقطاع أو حتى البعيدة عنه هذه الأسئلة لم تطرح بشكل جدي على بساط البحث حتى يومنا هذا ناهيك طبعاً، عن السؤال الكبير المتعلق بصباح اليوم التالي للاستحقاق والذي تم التهرّب منه أيضاً بشكل متعمد، علماً أن الدراسة القانونية الوحيدة التي ناقشت هذه المسائل بشكل جزئي وضعت من أحد الباحثين البريطانيين، وحذّرت من أن إعلان الدولة ستكون له أثار سلبية سياسية وقانونية هائلة على منظمة التحرير بصفتها الكيان الاعتباري الممثل الشرعي الوحيد والجامع المعبر عن الفلسطينيين في أماكن تواجدهم المختلفة. موقف حماس من الاستحقاقمنذ البداية كان موقف حماس ضبابياً ومتناقضاً بعض الشيء تجاه الاستحقاق،حيث تم التعاطي بما يشبه الاستخفاف أو التجاهل مع لغة عامة تفيد بأن حماس لن تكون ضد أي خطوة تمثل مصلحة للشعب والقضية الفلسطينية، وبعد أن وصل خالد مشعل إلى حد الاستعداد للتعاون والتنسيق مع الرئيس محمود عباس بما يصب في المصلحة العامة تغيّرت الأجواء بعد خطاب أبي مازن في نيويورك وإصرراه على المضي قدماً في الخيار الأيلولي، رغم الضغوط والتهديدات الإسرائلية والأمريكية ما أدى إلى تحسين صورته وزيادة شعبيته في الشارع الفلسطيني، حيث مال خطاب حماس أكثر إلى انتقاد الخطوة والتقليل من أهميتتها وجدواها مع بعض التصريحات الأخرى اللافتة المرحبة بل والتي اعتبرت خطاب الرئيس تاريخي كما كان الحال مع محمد عوض أمين عام الحكومة المقالة السابق والقائم بأعمال وزارة الخارجية حالياً.أعتقد أن التخبط أو التناقض في مواقف حماس من الاستحقاق عائد أساساً إلى عوامل سياسية وتنظيمية  كون الحركة تعي حتماً أن من الصعب رفض هذا الخيار والبقاء في نفس الوقت ضمن المسار الذي تعتبر السلطة أحد أهم تجلياته، وأن الرفض القاطع ينبغي أن يكون ضمن استراتيجية بديلة متماسكة وصلبة تلحظ التخلي عن  المسار كله بما في ذلك أوسلو والسلطة وهو أمر لا تبدو حماس مستعدة له سياسية أو قانونياً أو حتى نفسياً. أما العامل الآخر فهو تنظيمي أو مؤسساتي ويتعلق بالخلافات الشخصية والسياسية الحادة بين بعض كبار رموزها والتي تحول بدورها دون نقاش هادىء وموضوعي للملف وبلورة موقف موحد منه، وهذا ما نراه أيضاً تجاه ملف المصالحة حيث المواقف والتصريحات المتضاربة وحتى المتناقضة.   المواقف العربية من استحقاق أيلولتناغمت المواقف العربية مع الموقف الفلسطيني خاصة بعد الربيع العربي، وبعدما كانت لجنة المتابعة للمبادرة العربية زمن نظام - حسني مبارك - وسيلة للضغط على الفلسطيين وإقناعهم الخشن بالعودة  للتفاوض، كما حصل  في المفاوضات التقريبية، ثم المباشرة صيف وخريف 2010، تبنت اللجنة هذه المرة الموقف الفلسطيني ودعمت قرار التوجه إلى الأمم المتحدة، مع الالتزام بالتفاوض أو عملية التسوية كوسيلة مفضلة للوصول إلى الدولة الفلسطينية ضمن شروط الحد الأدنى، وهو ما لم يتحقق طبعاً علماً أنها أي اللجنة أفسحت المجال أكثر من مرة أمام الجهود الأمريكية ومساعي الرباعية قبل أن تصل إلى الاستنتاج الصائب والمنطقي، حيث لا فرصة واقعية في استئناف التفاوض أو التوصل لاتفاق مع الحكومة الإسرائلية الأكثر تطرفاً في تاريخ الدولة العبرية.وبعدما بات الاستحقاق حقيقة واقعة الصيف الماضي، قدمت اللجنة مساعدة سياسية وديلوماسية وحتى قانونية، خاصة من الناحية الإجرائية والتقنية – صيغة وآلية وخطوات الاستحقاق - واستنفرت الجامعة سفرائها، وكذلك بعض الدول العربية - مصر – أساساً من أجل دعم المسعى الفلسطيني والحصول على تأييد أكبر عدد ممكن من الدول لفكرة حصول الدولة الفلسطينية على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة مع ضرورة لفت الانتباه إلى تغير ما حصل في نيويورك وفي الساعات الأخيرة قبل تقديم الطلب الفلسطيني الرسمي وباستثناء مصر ولبنان ضغطت دول أخرى بناء لطلب أمريكي على القيادة الفلسطينية من أجل عدم التوجه إلى مجلس الأمن من أجل إعفاء الولايات المتحدة من إحراج  الفيتو في مواجهة العرب والرأي العام العالمي والتوجه بدلاً من ذلك إلى الجمعية العامة وفق الخيار الفاتيكاني، تلك الضغوط لم تثمر نتيجة إصرار الرئيس محمود عباس كما لاستيعابه درس غولدستون وفهمه باستحالة تكرار الأمر مرة أخرى، وإلا لما كان بإمكانه العودة ومواجهة الجمهور الفلسطيني بعد الكم الكبير من التعبئة والتجييش وبعد خطاب وجهه إلى الشعب قبل سفره إلى نيويورك وأعلن فيه عن التوجه إلى مجلس الأمن من أجل إنجاز المطلب العادل والمحق بالحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة. الموقف الإسرائيلي   :تعاطت إسرائيل في البداية بنوع من التجاهل واللامبالاة تجاه الاستحقاق رغم التحذيرات المتواصلة من وزير الدفاع أهود باراك - المحلل الاستراتيجي البارع لشؤون الشرق الأوسط في الحكومة – من تسونامي سياسي، وديبلوماسي، في أيلول وضرورة مبادرة إسرائيل إلى استئناف مفاوضات التسوية مع السلطة الفلسطينية وفق خطة جدية تطرحها لقطع الطريق على أي مبادرات خارجية غير أن نتن ياهو وأركان حكومته من اليمين المتطرف تعاطوا باستخفاف مع الدعوة، وأصروا على موقفهم المعروف بالتفاوض دون شروط مسبقة ودون تجميد الاستيطان، كونه ليس لب المشكلة مع الفلسطينيين من وجهة نظرهم هذا تكتيكياً، أما استراتيجياً فيؤمن نتن ياهو في الحقيقة أن هذا صراع غير قابل للحل ويجب إدارته فقط بطريقة صحيحة وصلبة - وفقط في صيف العام الحالي، وبعدما أضحى الاستحقاق بمثابة الأمر الواقع لجأت الحكومة الإسرائلية إلى سلسلة من الخطوات بغرض إفشال المسعى الفلسطيني منها التهديد بعقوبات ضد السلطة تتضمن وقف تحويل الأموال إليها والتضييق على حركة مسؤوليها ومواطنيها وحتى القيام بخطوات أحادية تتراوح بين وقف العمل بالاتفاقيات وصول إلى إعادة فرض الحكم العسكري على الضفة وحتى ضمها إلى إسرائيل وفق بعض التصريحات المتطرفة من قادة المستوطنين وأعضاء من حزب الليكود الحاكم وفي منتصف تموز أيضاً شكلت وزارة الخارجية ما عرف بمنتدى أيلول برئاسة مدير عام  الوزارة اسحق هداس الذي أخذ على عاتقه القيام بحملة سياسية وديبلوماسية لإقناع أكبر عد ممكن برفض الخطوة الفلسطينية الأحادية، حتى أن الوازرة أعدت وثيقة قانونية تشير إلى أنها ذات طابع أحادي وتنتهك الاتفاقيات الموقّعة مع إسرائيل والتي تتحدث عن التوصل بشكل ثنائي ومشترك إلى حل نهائي للصراع ناهيك عن احتمال تسببها بموجة جديدة من العنف وعدم الاستقرار في المنطقة.لكن سرعان ما استوعبت الحكومة الإسرائلية أنها تخوض معركة  خاسرة  كون الخطوة الفلسطينية تتمتع بتأييد دولي كبير، خاصة مع  تضاؤل وحتى انعدام فرص العودة إلى التفاوض من جديد وهنا أخذ نتن ياهو في الحديث بعنصرية عنجهية وغطرسة عن بلورة أقلية نوعية مؤيدة لإسرائيل، تضم الدول المتحضّرة والديموقراطية في مواجهة الأكثرية الكمية المؤيدة للفلسطينيين وحتى هذه الفكرة بدت خيالية ومنقطعة عن الواقع في ظل العزلة التي تتعرض لها إسرائيل وتفهّم دول وديموقراطية كثيرة منها فرنسا، النرويج، اسبانيا، إيرلندا، اليونان، البرازيل، الأرجنتين، الهند، جنوب أفريقيا، للمطلب المحق وتقبّلهم للرواية الفلسطينية عن المفاوضات والتسوية وأيلول، فوصل نتن ياهو في النهاية إلى القناعة  الإسرائيلية التقليدية لا مفر من الاعتماد على الصديق الأمريكي الحليف الوحيد الذي بدونه لا يمكن لإسرائيل تقليص الضرر أو تحقيق أي مكاسب سياسية وديبلوماسية، وجاءت نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس. ثم تزامن الاستحقاق مع عام الانتخابات الأمريكي  لتصب في مصلحة نتن ياهو وتجبر الرئيس باراك أوباما على تغيير خطابه، وربما قناعاته أيضاً وصولاً إلى تبني الرواية الصهيونية بالكامل تجاه الصراع والمفاوضات. كما تبدي  جزئياً من خطابه أمام الإيباك - مايو أيار 2011 - وكلياً أمام الدورة السنوية للجمعية العام للأمم المتحدة أيلول الماضي. المواقف الدولية من استحقاق أيلول كما ذكر أعلاه حاز المطلب الفلسطيني بالحصول على عضوية الأمم المتحدة بعد وصول التسوية إلى طريق مسدود تأييد دوليكبير لم يقتصر الأمر على العالم الثالث، وإنما تعدّاه إلى القوى  الصاعدة في آسيا وأمريكا اللاتينية، مثل الهند، والبرازيل، والأرجنتين، وحتى من دول أوروبية عديدة مثل فرنسا، اسبانيا، إيرلندا، النرويج، اليونان، السويد، التي تفهّمت وأيّدت التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة مقابل معارضة من ألمانيا، وإيطاليا، ودول أخرى أقل تأثيراً هذا إلى جانب المعارضة الواضحة الصريحة والقوية من الولايات المحدة. وبدا لافتاً هنا أيضاً تأييد الدول المعارضة من حيث المبدأ لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني والحصول على دولة مستقلة، ولكن شرط أن يأتي ذلك كنتيجة لعملية تفاوضية  مع إسرائيل  دون توضيح التناقض أو حتى تفسير الرفض الإسرائيلي القاطع والفظّ لدعوات هذه الدول المستمرة لوقف الاستيطان والعودة للتفاوض ضمن سقف زمني محدّد ووفق خارطة الطريق والبيانات الأخرى ذات الصلة التي أصدرها الاتحاد الأوروبي واللجنة الرباعية أيضاً والتي ضربت بها حكومة نتن ياهو عرض الحائط. أيلول شهر الاستحقاقكان أيلول شهر الاستحقاق بالامتياز وعلى هامش الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، قدم الرئيس محمود عباس طلب انضمام فلسطين كدولة كاملة العضوية إلى الأمين العام بان كى مون وقبل مناقشة حيثيات الطلب ومحتواه السياسي القانوني يجب إلقاء نظرة معمّقة على الخطابات الرئيسة الثلاث ذات الصلة التي ألقيت من منبر الجمعية العامة ومقصود بالطبع خطابات الرئيس عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي  نتن ياهو والرئيس الأمريكي باراك أوباما.رغم أنه جاء متأخراً إلا أن أبو مازن ألقى أحد أفضل خطاباته على الإطلاق طبعاًضمن رؤيته السياسية السلمية لحل الصراع المتضمنة دولة مستقلة في حدود حزيران يونيو 67، عاصمتها القدس مع حل عادل لقضية اللاجئين وفق القرار 194، وهو شرح بإسهاب ما فعلته إسرائيل خلال عقدي التسوية - مشيراً إلى تطهير عرقي في القدس وتهويد ومصادرة للأراضي وتضييق على حرية الحركة للمواطنين الفلسطينية، طالت مناحي الحياة المختلفة - وتحدث عن رفض العودة إلى المفاوضات في ظل الاستيطان ودون مرجعيات واضحة أو سقف زمني محدّد، رغم أنه يتحمل المسؤولية الوطنية والسياسية والشخصية عن التفاوض لسنوات في ظل الاستيطان وضمن سقف زمني مفتوح وفي نهاية الخطاب الذي نال تصفيق شديد من الحضور في القاعة المكتظةعن آخرها طالب أبو مازن العالم بتأييد المطلب المحق والمشروع للشعب الفلسطيني في دولة مستقلة كاملة العضوية في الأمم المتحدة.ألقى نتن ياهو خطابه في قاعة شبه فارغة ورغم أنه جاء بالإنجليزية، إلا أنه كان موجه بشكل رئيس للشارع أو الجمهور الإسرائيلي وهو عرض – ببلاغة - الرواية الصهيونية التقليدية والعودة إلى أرض الأجداد والرغبة في العيش بسلام والانفتاح على المفاوضات، ولكن دون شروط مسبقة مع التأكيد على أن الاستيطان ليس هو جذر المشكلة كون العداء لإسرائيل سابق على الاستيطان واحتلال الضفة وغزة ويتعلق أساساً برفض وجود إسرائيل كدولة يهودية، وفي نهاية خطابه دعا الرئيس أبو مازن إلى الحديث مباشرة – دوغرى - دون ذرائع أو حجج وشروط.خطاب باراك أوباما جاء بائساً تبنى فيه الرواية الصهيونية بالكاملة عن الحق التاريخي والدولة الصغيرة المحاصرة بالأعداء الرافضين للاعتراف بها أو السلام معها، ومتجاهلاً تماماً معاناة الشعب الفلسطيني ورغم إقراره بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة، إلا أنه اعتبر أن هذا يتحقق حصراً عبر المفاوضات المباشرة والثنائية مع إسرائيل وليس بشكل منفرد وأحادي.ناحوم برنياع المعلق البارز والمخضرم في يديعوت، علق محقاً أن خطابي أبو مازن ونتن ياهو أعادا الأمور إلى نقطة الصفر إلى ما قبل أوسلو إلى مرحلة العداء والقطيعة واستنتج مصيباً ومحقاً أيضاً أن مجمل المشهد هدم أي أمل في استئناف المفاوضات في المدى المنظور. طلب العضويةالدائمة في الأمم المتحدةتضمن طلب العضوية الكاملة الذي قدمه الرئيس أبو مازنلبان كي مون برأيي  التناقض الجوهرى الذي طبع العمل السياسي الفلسطيني خلال العقود الثلاث الأخيرة،وبعدما أشار الـ ميثاق مونتيفيديو – 1933 - الذي حدّد المعايير التقليدية للدولة وهي سكان دائمون وأرض محددة وحكومة فاعلة واحترام القانون الدولي وامتلاك الشعب الفلسطيني لتلك المقومات استند إلى القرار 181، كأساس شرعي وقانوني للدولة التي ستكون ضمن حدود حزيران يونيو 1967، وهنا يتبدى التناقض في أوضح صورة كون القرار 181 يتحدث عن دولة عربية فلسطينية إلى جانب دولة يهودية على ما يقارب 45 بالمائة من مساحة فلسطين التاريخية مع وصاية دولية على المدينة المقدسة، بينما يتحدث الطلبعن دولة في حدود حزيران يونيو بما يتوافق مع قرار دولي آخر هو 242، علماً أن استحضار القرار 181، لا يعبر فقط عن التناقض وإنما عن إيحاء بالتعايش أو حتى قبول المطلب الإسرائيلى الأمريكي بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، ولكن على 78 بالمائة من أرض فلسطين وليس على نصفها  فقط.مناقشة الطلب في مجلس الأمنحول بان كي مون الطلب الفلسطيني مباشرة دون تلكؤ إلى لجنة العضوية الفنية أو التقنية والتي تضم خبراء من الدول الـ15 الأعضاء - الدائمين وغير الدائمين في مجلس الأمن - ورغم بعض المماطلة الأمريكية، إلا أن اللجنة أصدرت قرار أو بالأحرى اللاقرار بعد شهرين تقريباً، وأشارت إلى أن الأعضاء فشلوا في التوصل إلى موقف موحد، فهناك أغلبية من ثمن أعضاء تؤيد المطلب الفلسطيني وأقليتين واحدة تؤيده من حيث المبدأ، ولكنها ترى التوقيت غير مناسب وأقلية أخرى تتزعمها أمريكا تؤيد المطلب الفلسطيني من حيث المبدأ، ولكنها تؤمن أنه لا بد أن ينتج عن مفاوضات مباشرة وثنائية مع إسرائيل.واضح طبعاً أن أمريكا نجحت في هدفها بعرقلة الطلب الفلسطيني ومنع حصوله على الأصوات التسعة اللازمة لعرض الأمر للتصويت وفق لوائح مجلس الأمن ما جنبها إحراج استخدام الفيتو الذي كان ليؤثر سلباً على هيبة صورة  ومصالح أمريكا، وحتى على أرواح جنودها ومواطنيها في المنطقة. الخيارت الأخرى  والبدائل أمام القيادة الفلسطينيةبإمكان  القيادة الفلسطينية نظرياً العودة إلى مجلس الأمن وقتما شاءت لتقديم طلب العضوية الدائمة مرة أخرى، ولكن لا يبدو أن موازين القوى في المجلس ستتغيّر في المدى المنظور، ما يعني أن هذا الخيار غير واقعي أو عملي، خلال الفترة المقبلة أقلّه حتى الانتخابات الأمريكية أواخر العام القادم.الخيارالثاني هو ما يوصف بالخيار الفاتيكاني ويعني الذهاب إلى الجمعية العامة للحصول على مكانة دولة غير عضو أو دولة مراقبة باستطاعتها الحصول على عضوية المنظمات والهيئات المختلفة التابعة للأمم المتحدة، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية وهو السيناريو الذي يثير قلق وتوجس إسرائيل والولايات المتحدة، كونه يعني نظرياً تجريمها بأثر رجعي عن كل ممارساتها ضد الشعب الفلسطيني حتى تلك التي  لا تسقط بالتقادم وهذا الخيار ممكن نظرياً في أي لحظة شاءت أو امتلكت القيادة الإرادة السياسية اللازمة  كونها تمتلك الأغلبية اللازمة – الثلثين - في الجمعية العامة ومعلوم طبعاً أن هذا الخيار مرفوض من قبل أمريكا وحتى دول أوروبية أخرى تربط موافقتها أو تصويتها بالعودة إلى التفاوض ضمن سقف زمني محدّد كما بتعهد فلسطيني رسمي بعدم الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية.الخيار الثالث  يتمثل بطلب القيادة الفلسطينية من الأمم المتحدة، فرض وصايتها على الأراضي المحتلة عام 67 وضمن فترة انتقالية محدّدة تسبق تأسيس أو قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وهو ممكن نظرياً فقط ولا يبدو أن الظرف الدولي أو حتى موازين القوى داخل المنظمة الأممية مؤاتية لقبول أو تنفيذ هذا السيناريو، فى ظل الرفض القاطع المتوقع من أمريكا وحتى من الاتحاد الأوروبي، ناهيك طبعاً عن رفض إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال للأمر واسحالة تنفيذه بالتالي دون موافقتها ومساعدتها.الخيار الرابع يمثل ربما الطلقة الأخيرة في جعبة القيادة الفلسطينية، ويتمثل بحل السلطة الفلسطينية أو وضع المفاتيح على الطاولة حسب التعبير الشائع للرئيس محمود عباس ورغم التصريحات المتناقضة  الصادرة عن مسؤولين فلسطينيين بهذا الخصوص، ثم النفي القاطع من قبل أبي مازن إلا أن الواقع قد يفرض نفسه في الأخير بمعنى أن السطة تنهار بشكل تدريجي نتيجة الممارسات الإسرائلية الأمنية والاستيطانية في الضفة والتي تنال من هيبتها وولايتها السياسية والقانونية، وإذا ما استمرت هذه السيرورة فستصل إلى الانهيار التام  دون الحاجة إلى أي قرار سياسي رسمي وعلى طريقة مكره أخاك لا بطل. خلاصة أعتقد أن كل الخيارات المتعلقة مباشرة بالاستحقاق تظل نظرية بمعنى أنه حتى لو  تم الحصول في أفضل الأحوال على العضوية الكاملة لفلسطين – وليس الخيار الفاتيكاني - فإن التحدي الأساس يتمثل في كيفية تطبيق ذلك على أرض الواقع، وإجبار إسرائيل على الانصياع  للقرارات الدولية خاصة إذا ما تذكرنا سابقة القرار 425، الذي صدر في العام 1978، ولم تنفذه إسرائيل وبشكل غير كامل أيضاً إلا في العام 2000، ونتيجة لضربات وفعل المقاومة على الأرض إضافة طبعاً إلى العمل السياسي والديبلوماسي الذي قامت به الدولة اللبنانية بالتنسيق التام مع سورية التي نجحت في نسج مظلة عربية ودولية، وحتى محلية ذات طابع مركب ومتعدد المستويات لتهيئة الظروف أمام المقاومة من أجل رفع كلفة الاحتلال وجعلها باهظة بشرياً ومادياً وسياسياً على الدولة العبرية. كما أعتقد أيضاً أن الواقع السياسي الفلسطيني الحالي لن يسمح بالمضي قدماً في أي من الخيارات الثلاث المتعلقة مباشرة بالاستحقاق لسبب بسيط يتمثل بعبء السطة الذي يثقل كاهل القيادة الفلسطينية ويكبل يديها في مواجهة إسرائيل على المستويات كافة، سياسياً، ميدانياً، وديبلوماسياً. كما اتضح من  تجربة العضوية الدائمة في اليونسكو التي اضطرت بعدها إلى تجميد أي تحرك مماثل نتيجة الضغط  والابتزاز الإسرائيلي ووقف تحويل الأموال للسلطة التي تمثل ثلث ميزانيتها تقريباً وبدونها خاصة مع شحّ  الموارد الناتج عن الأزمة المالية العالمية لن يكون بمقدورها البقاء لفترة طويلة، علماً أن القرار الكبير بحلها أو حتى السماح بانهيارها لم يتخذ بعد لا فلسطينياً ولا إسرائيلياً، ولا حتى دولياً مع الانتباه إلى أن حكومة التطرف والجنون لا تبدو مبالية أو جد مهمومة من هذ السيناريو ولا تعتبره نهاية العالم حسب تسريبات  متعمدة من مصادر في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي. بناء على ما سبق، وفي ظل التزامات السلطة ومئات آلاف الموظفين التابعة لها ومسؤولياتها الاقتصادية والاجتماعية تجاه الفلسطينيين في الداخل، وصعوبة بل ربما استحالة حلّها فإنني أعتقد أن أفضل الخيارات وحتى أكثرهاواقعيةيكمن في التخلي عن مسؤولياتها الأمنية ما يعني عملياً الخروج من مسار أوسلو العقيم وإجبار إسرائيل على  تولي مسؤولياتها كقوة احتلال دون أي أقنعة أو حواجز، ويسهل في السياق من الهمة الصعبة والشاقة في رفع كلفة الاحتلال الذي بات في السنوات الأخيرة الأرخص عبر التاريخ، سواء في نهبه للثروات أو في تحكمه التام بمقاليد الأمور في الضفة الغربية دون تحمل أي من الأعباءأو المسؤوليات التي ينص عليها القانون الدولي.التخلي عن مسؤوليات السلطة السياسية والأمنية، وإشرافها فقط على الأمور البلدية والحياتية للشعب الفلسطيني في الداخل، سيكون مجرد خطوة في الفراغ أو قفز نحو المجهول إذا لم يترافق ذلك مع إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير كمرجعية، وإطار قيادي أعلى للشعب ولكن بعد إعادة بنائها بشكل ديموقراطي شفاف نزيه ووطني، كي تعبر عن المزاج الشعبي. كما عن موازين القوى السياسية والحزبية الحالية في الشارع الفلسطيني، وهذا لا يمكن حدوثه دون إنهاء الانقسام وتكريس المصالحة عبر التنفيذ الأمين الصادق والشفاف للاتفاق الموقع في القاهرة أيار الماضي، والذي يتضمن خارطة طريق تنص على تشكيل حكومة وحدة وطنية ذات مهام محددة تشمل إعادة الإعمار وتهيئة الظروف لإجراء انتخابات للمجلس التشريعي ورئاسة السلطة، كما للمجلس الوطني وهي مهام صعبة ومركبة ولكنها ضررية وسيسهّلها حتما موت عملية التسوية سريرياً، والتهدئة شبه المعلنة والصريحة في غزة كما الانشغال الإقليمي والدولي بتداعيات وأثار الربيع العربي، إضافة إلى دخول الولايات المتحدة عام الانتخابات، ما يعني صعوبة وربما استحالة طرح أي أفكار جديدة من أجل الخروج من نفق التسوية المسدود. تخلي السلطة عن مسوؤلياتها الأمنية وإعادة الملف السياسي بكل تفاصيله لمنظمة يفرض حكماً انتقالها إلى الخارج أو حتى إلى غزة من أجل الاشتباك مع الاحتلال الإسرائيلي المباشر في الضفة الغربية، بنموذج أقرب إلى نموذج الانتفاضة الأولى بينما سيكون من الصعب على المقاومة في غزة في ظل الواقع  الميداني بعد تنفيذ خطة فك الارتباط  الشارونية الشيطانية، ومستوى القوة الذي وصلت إليه  خوض حرب استنزاف يومية مع الاحتلال غير المباشر، وهي تحولت بقوة الأمر الواقع إلى قوة ردعية ودفاعية تمنعه من العدوان وفي نفس الوقت جاهزة وحاضرة للمشاركة الفعالة والقوية، إذا ما اندلعت حرب إقليمية واسعة خلال السنوات القادمة.لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل التطورات الإقليمية العاصفة بعد الربيع العربي وميدان التحرير المتنقل من دولة إلى أخرى وأعتقد أن ثمة مساحة زمنية من عدة سنوات يجب على الشعب الفلسطيني أن يخوض فيها معركة استنزاف متواصلة  لرفع كلفة الاحتلال، خاصة في الضفة الغربية انتظاراً لتغيّر موازين القوى الإقليمية والدولية، علماً أن ذلك يحدث بكل تدريجي بطيء ولكن متوصل ضد مصلحة الدولة العبرية  غير أن خلق واقع جديد يستلزم  بالضرورة مرجعية أو عقل قيادي فلسطيني يدير المعركة  في عدة مستويات مركبة ومتداخلة من رفح إلى نيويورك مروراً بالقدس وبلعين ولاهاي وجنيف المهمة صعبة شاقة لكنها قطعاً ليست مستحيلة.