القدس المحتلة / سما / منذ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية قبل 44 عاماً، كانت طوابير الفلسطينيين المنتظرين على حواجز الجيش للتنقل من بلدة إلى أخرى أو للذهاب إلى أماكن عملهم أو مدارسهم خارج بلداتهم، مشهداً مألوفاً تعوّد عليه الفلسطينيون رغماً عنهم، فالحاكم ظالم ولا يوجد من يتوجهون إليه للشكوى. لكن الاحتلال المستمر عقوداً من الزمن أتاح للمحتلين التفنن في تعذيب الفلسطينيين والتنكيل بهم، ليس في المعتقلات فحسب وإنما أيضاً في حياتهم اليومية العادية، وأثناء ذهابهم للعمل أو إلى المستشفى للعلاج أو زيارة أقارب وأصدقاء وغيرها من المناسبات الاجتماعية اليومية، داخل الضفة الغربية أو في إسرائيل. وكشفت صحيفة «هآرتس» أن ذهن الاحتلال تفتق عن إصدار ما لا يقل عن 101 نوع من تصاريح التنقل للفلسطينيين تصدرها «مديرية التنسيق والارتباط»، ما يتسبب في الانتظار أياماً وأسابيع للحصول على التصريح، فضلاً عن أن جيش الاحتلال يستغل سلطته لمنح التصاريح من أجل تجنيد مخبرين من الفلسطينيين يرفض في العادة منحهم تصاريح التنقل والحركة، ثم يبدأ بمفاوضتهم لمقايضة التصاريح بالوشاية. وأشارت الصحيفة إلى أن استمرار الاحتلال فاقم من الإجراءات البيروقراطية التي تتبعها «الإدارة المدنية» لجيش الاحتلال، حتى بلغ عدد أنواع التصاريح رقماً غير معقول. وتابعت أن إقامة الجدار الفاصل في الضفة وبتر القرى عن بعضها البعض، وأحياناً بتر القرية ذاتها، زاد من أنواع التصاريح التي يصدرها جيش الاحتلال، ما يعني أنه من أجل قطع مسافة مئات أمتار من القسم الغربي للجدار إلى قسمه الشرقي، يتم انتظار التصاريح للتنقل أياماً، إضافة إلى ساعات من الانتظار اليومي للعبور من جهة إلى أخرى. وتميز المديرية بين تصاريح لـ «احتياجات خاصة» (البحث عن عمل، أو حفل زواج في مناطق الضفة، أو حفل زواج في إسرائيل، أو رحلة، أو جنازة في إسرائيل، أو لمعلمي وطلاب مدارس، أو لقاءات عمل، أو المبيت في إسرائيل)، وأخرى لـ «منطقة التماس»، أي للفلسطينيين المقيمين على جانبي الجدار الفاصل (مزارعون، وموظفو منظمات حقوقية دولية، ومعلمون وطلاب). وثمة أنواع من التصاريح لسكان «منطقة التماس»، فهناك تصاريح مختلفة للمزارعين للوصول إلى حقولهم، وهنا أيضاً يتم التمييز بين «مزارع في منطقة التماس» و «مزارع دائم في منطقة التماس». وفي المجال الديني أيضاً يوجد تقسيم داخلي متنوع: للمصلين في الأقصى المبارك في القدس أيام الجمعة فقط، ولموظفي الوقف الإسلامي، وللمسيحيين في أعيادهم، ولموظفي الكنائس. وهناك تصاريح «لأغراض طبية» (أطباء، وطواقم طوارئ طبية، وسائقو سيارات إسعاف)، وأخرى لـ «مؤتمرات طبية» (احتياجات خاصة، ودورات استكمال طبية) وأخرى لـ «مرافقة مرضى» (مرافقة مريض، وزيارة مريض، ومرافقة مريض في سيارة الإسعاف). وأشارت الصحيفة إلى أن عملية الحصول على تصريح مشروطة بتقديم طلب لمكاتب مديرية التنسيق والارتباط وتعبئة استمارات ومعايير منفصلة وانتظار الرد. وأفاد تقرير جديد لمنظمة تنسيق المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة «أوتشه»، اقتبسته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أمس، أن المنظمات الدولية الحقوقية تضيّع 20 في المئة من أيام عملها لتحصيل تصاريح عبور لموظفيها ولتعبئة استمارات أو حل مسائل أخرى تتعلق بتجديد التصاريح. وبحسب تقرير لمنظمة «هيومان رايتس ووتش» سيصدر قريباً، فإن الاستخبارات الإسرائيلية العامة (شاباك) تستغل منظومة التصاريح لتجنيد مصادر معلومات لها، وحصل مرات كثيرة أن رفضت سلطات الاحتلال منح فلسطيني تصريحاً «لأسباب أمنية» قبل أن تدعوه إلى مكاتب الجهاز الذي يقترح «مساعدته» للحصول على تصريح في مقابل توفير معلومات استخباراتية للجهاز.