خبر : تحقيق:ما الذي يطعموننا إياه..!!

الإثنين 28 نوفمبر 2011 11:51 ص / بتوقيت القدس +2GMT
تحقيق:ما الذي يطعموننا إياه..!!



غزة / سمر الدريملي / سما / خيارْ بطعم الكوسا..! وخوخ بطعم التفاح..! وبطاطس تلسع في الحلق..! وطماطم ذاتُ لونٍ أحمرٍ مبهرٍ من الخارج وآخر مصفرٍ من الداخل..! ..في الشتاء تجدُ ما ينمو في الصيف.. وفي الصيف تجد ما يسقيه الشتاء.. أشكالٌ غريبةٌ ومسمياتٌ جديدةٌ لثمارٍ "مهجّنةٍ" فاقدةٍ للهوية..! في قطاع غزة يستخدم المزارعون المبيدات الكيميائية للقضاء على الحشرات والآفات الضارّة، وأحياناً لإنضاج الفاكهة قبل أوانها، وسط تزايد المخاوف من احتمال وجود علاقة بين هذه المبيدات وارتفاع معدلات الإصابة بأمراضٍ خطيرة، وتأثيرها السمّي التراكمي على الإنسان والحيوان، والخوف من تراجع جودة ونوعية المنتجات الزراعية وافتقارها إلى العناصر الغذائية اللازمة لنموٍ صحيٍ سليمٍ لحوالي مليوني نسمة يعيشون في قطاع غزة على مساحة من الأرض لا تتجاوز (365) كم مربع. تهمهم جيوبهم فقط..! "محمد البكري" (المدير العام لاتحاد لجان العمل الزراعي في قطاع غزة) صنّف المبيدات الكيميائية التي يستخدمها المزارعون في قطاع غزة إلى ثلاثة أنواع هي: "مبيدات خطيرة جداً وممنوعة دولياً لكن يُسمح باستخدامها في غزة، ومبيدات مسموحٌ بها؛ رغم خطورتها إذا أُسيء استخدامها، ومبيداتٌ مسموحٌ بها؛ وهي غير خطرة، حيث العمر الزمني لتحللها في التربة قصير؛ وينتهي قبل قطاف المنتج الزراعي". وأوضح "البكري" أن: "المزارعون في قطاع غزة يستخدمون الأصناف الثلاثة، والخطر يكمن في الصنفين الأول والثاني، حيث يستخدم بعض المزارعين أنواعاً من المبيدات محرمةً دولياً مثل مواد (البوب ماتريديال) وهي مادة سامة لا تتحلل بسهولة، وإنما تستقر في التربة وتجعلها غير صالحة للزراعة. كذلك يستخدمون غاز "بروميد الميثيل" (Methyl Bromide) وهو غاز مهيّج عديم اللون، وهو سامٌ وخطرٌ على البيئة والصحّة العامة؛ يستخدمه المزارعون لتعقيم وتبخير التربة. وتابع "البكري": "مجرد السير على تربةٍ محقونةٍ بهذا الغاز الميثيل؛ يؤدي إلى تلف الجهاز العصبي للإنسان، وقد أُصيب –بالفعل- بعض المزارعين بذلك؛ وقد قضواْ وقتاً طويلاً في العلاج". واستطرد قائلاً: " الدرجة المميتة عن طريق التنفس لغاز الميثيل عالية جداً، كما أنه يؤدي إلى تهيّج في العيون والجلد، ويتسبب في عتمةٍ في الرؤيا، علاوةً على الصداع والدوار، ومغصٍ معديٍ، وتلفٍ في المخ، وأخيراً موت المصاب". ونوّه "البكري" إلى أن "المزارع يقوم بغسل التربة بعد حقنها بهذا الغاز، مما يؤدي إلى تسرّب المياه المختلطة بالغاز إلى المياه الجوفية". يُذكر أن العالم تنادى داعياً للحدّ من استخدام هذا الغاز -الذي يؤثر على طبقة الأوزون أيضاً- حتى تمّ منع استخدامه في نهاية عام 2005 بناء على "اتفاقية مونتريال" وهي معاهدة دولية هدفت إلى حماية طبقة الأوزون. أما فيما يتعلق بالصنف الثاني من المبيدات فهو المسموح والخطير في نفس الوقت إذا أسيء استخدامه فأكد "البكري" أن المزارعون يستخدمون أنواعاً مختلفةً من هذه المبيدات؛ وعلى رأسها مبيد النيماكور (Nemacur) وهو مبيد عالي السميّة، يستخدمه المزارعون لمكافحة آفة النيماتودا (كائنات دقيقة الحجم تصيب كل أنواع النباتات، وتؤدي لخسائر فادحة في المحصول كماً ونوعاً) حيث يستخدم كثيرٌ من المزارعين هذا المبيد بشكلٍ مفرطٍ ودون رقابةٍ كافيةٍ من المسؤولين، ودون معرفةٍ كافيةٍ بطرق الرشّ السليمة..". وتابع "البكري": "يستخدم المزارعون هذا المبيد لزيادة كمية المحصول وتسريع نضجه؛ لا سيّما البطيخ والخيار والملوخية والخسّ والكوسا والطماطم والعنب والبقدونس، وهي من أكثر أصناف الخضار والفاكهة التي تُرشّ بمادة "النيماكور" لتحقيق المزيد من الربح السريع والسهل، فما يهم المزارع هو جيبه وليس صحّة الناس". وأوضح أن هذه المادة تحتاج من (3-4) أشهر كي ينتهي مفعولها، لكن ما يحدث هو أن المزارع يرش الخضار والفاكهة بهذه المادة في موعد نضجها حتى تكبر بسرعة ويقطفها قبل مرور مدة انتهاء مفعول مادة "النيماكور"، والتي تُدعى بـ "فترة الأمان" مما يعني وصولها إلى أفواه الناس بما تحتويه من مادةٍ خطيرةٍ ومسرطنة". وطالب "البكري" بـضرورة الاتجاه بالزراعة في قطاع غزة إلى الزراعة الرأسية، نظراً للكثافة السكانيّة العالية في القطاع، ولقلة مساحة الأرض، وللعجز المائي، مع أهمية الاستخدام الأمثل للمبيدات؛ بحيث لا يترك أيّة متبقيات للمبيد داخل المحاصيل". وتابع: "ذلك يحتاج إلى تكاتف جميع الجهود ابتداءً بوزارة الزراعة ومؤسسات المجتمع المدني المختصة بالقطاع الزراعي، لتدريب وتأهيل المزارعين على الاستخدام الأمثل للمبيدات وطرق الوقاية منها، والطرق الطبيعية لتعقيم التربة والقضاء على الآفات والحشرات، وتقديم العون والدعم للمزارعين بحيث يتمُ تخفيف تكاليف الإنتاج الزراعي كي لا يخسر المزارع، وكذلك لتثقيف المستهلك بالمنتجات الزراعية ومواسمها، وكيفية المساهمة في إنعاش القطاع الزراعي باستثمار أسطح المنازل والحدائق المنزلية".  وأعرب عن أمله في: "الإسراع بتفعيل جهاز "قياس متبقيات المبيدات" الموجود بوزارة الزراعة، والذي كان من المفترض استخدامه منذ بضعة أعوام، لكن الانقسام الداخلي حال دون قدوم الخبراء الأسبان لتدريب الكوادر المحلية على استخدامه". إفراط وعشوائية في الاستخدام "م .ع" (باحث مختص في المجال الزراعي، فضّل عدم ذكر اسمه) قال أن: "المشكلة لا تكمن في الإفراط في استخدام المبيدات الزراعية؛ وإنما في عشوائية الاستخدام، وفي استخدام مبيدات مهرّبة عبر الأنفاق قد تكون منتهية الصلاحية، أو غير مطابقةٍ للمواصفات الموصى بها عالمياً، وهو ما يؤدي إلى غياب الرقابة على عملية الاستخدام والرشّ من قبل المسئولين بشكلٍ دقيق، كذلك تكمن المشكلة في عدم التسجيل الدقيق لكل المبيدات التي تدخل لصالح الزراعة في قطاع غزة". وأضاف: "يدرك بعض المزارعين مدى خطورة ما يستخدمونه من المبيدات على الصحة العامة للمستهلكين؛ لكنه مع ذلك يواصل استخدامها؛ لأنها تعود عليه بمردودٍ ماديٍ وفير، ويعتبرها حلاً سهلاً وسريعاً وفعالاً، كما أقنعته شركات الكيماويات ووكلاؤها بذلك، فكثيرٌ من الشركات تُخفي عن المزارعين المعلومات الحقيقية المتعلّقة بمخاطر منتجاتها من المبيدات، والعواقب الوخيمة التي تتسبب بها. المبيدات والسرطان يٌذكر أنه وحسب آخر معطيات وزارة الصحة التابعة لحكومة غزة فإن عدد مرضى السرطان خلال سنة 2009 قد وصل إلى 1899 مريض؛ منهم (1050) حالة أورام، و(849) أمراض دم. وفي دراسةٍ علميةٍ محكّمةٍ بعنوان (العلاقة بين التعرّض المزمن للمبيدات وحالات السرطان المسجلة في محافظات غزة من 1990-1999) لـ "جمال صافي" (الأستاذ الدكتور في كيمياء المبيدات وعلم السموم بجامعة الأزهر بمدينة غزة) تبيّن أن "هناك علاقةٌ ذات دلالةٍ إحصائيةٍ معنوية بين التعرّض المزمن للمبيدات وحالات السرطان المسجّلة؛ حيث تمّ تسجيل (4735) حالة سرطان في السنوات العشر موضع الدراسة. وأشارت الدراسة إلى أن "..الإفراط وسوء استخدام المبيدات أدّى إلى ارتفاع حالات السرطان في القطاع.." مؤكدةً أن "..هناك مبيدات محرّمة دولياً تُستخدم في الدول النامية وفي قطاع غزة". وقالت الدراسة إن "..أكثر حالات السرطان انتشاراً  كانت سرطان الثدي لدى السيدات، وسرطان الرئتين عند الرجال، بينما كانت حالات سرطان الدم هي الأوسع انتشاراً بين الأطفال وصغار السن". وفي دراسةٍ حديثةٍ للباحث "أسعد عاشور" ستُنشر نتائجُها في الأسابيع القليلة المقبلة تبين أن "..هناك علاقةٌ وطيدةٌ بين المبيدات الزراعية وسرطان الثدي في قطاع غزة، والتي تُعتبر أحد عوامل الخطر البيئي". وحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) فإن "المبيدات الكيميائية تشكل خطورة على العاملين في تصنيعها والقائمين على نقلها وعلى المزارعين والمستهلكين، وكذلك على النحل والطيور والأسماك، لذلك يجب أخذ الحيطة والحذر تجاه ما تحدثه المبيدات من أذى للإنسان كالتسمم الجلدي أو التشوهات الخلقية أو المرض، كمرض السرطان والأورام، بالإضافة إلى التسمم المزمن نتيجة تراكم المبيدات في الجسم بكميات قليلة وعلى فترات طويلة". "شورة"..! ..الغريب أننا وخلال عملنا الميداني وجدنا أن بعض المزارعين -لاسيما في شمال قطاع غزة- لا يطعم أفراد أسرته من محاصيله التي يقوم بتسويقها، لكنه يقوم بعمل "شورة أو اثنتين" (كلمة عبرية بمعنى سطر) وهي مساحات يخصصها بعض المزارعين للزراعة العضوية والصحية تكون خاصةً بأسرته، يزرع فيها شتّى المحاصيل للاستهلاك الشخصي؟!. "محمد أبو حليمة" (24 عاماً وهو مزارع من مدينة بيت لاهيا شمال قطاع غزة) أكّدّ أن: "مبيد النيماكور أصبح الأكثر استخداماً من قبل المزارعين بعد منع دخول غاز بروميد الميثيل من قبل إسرائيل.." مشيراً إلى أن "..مبيد النيماكور انخفضت جودته؛ لأنه يصلنا مغشوشاً؛ بعد أن أصبح الكثير من التجّار يخلطونه بزيت القلي، وبهذا الشكل يصبح أكثر سميةً وأقلّ نفعاً". وتابع "أبو حليمة": "..في الماضي كان هذا المبيد له لونٌ ورائحة، وكان يصيبنا بالدوار، وكنّا نرى الطيور تموت بسببه، لكن الآن؛ صار بلا لون أو رائحة، ولا يقضي على آفة الأرض بشكلٍ فعّال، ويؤثر سلباً على جودة التربة والمحصول". واستطرد قائلاً: "..غاز الميثيل سامٌ وغيرُ صحيّ؛ إلا أنه مازال يُستخدم بنسبٍ قليلة؛ حيث يتم تهريبه عبر الأنفاق من مصر وبأسعارٍ عاليةٍ جداً، حيث يصل سعر الأنبوبة الواحدة منه حوالي (1400) دولار، ولا تكفي سوى لتعقيم دونمٍ واحدٍ، فما بال المزارع الذي يملك عشرات الدونمات!". ونوّه إلى أن: "..هناك نوعٌ جديدٌ من المبيدات الزراعية يُسمى "الراجبي" ليس له آثارٌ على صحّة الإنسان، ولا يؤذي التربة، وقد بدأنا باستخدامه، وكان سعر اللتر الواحد منه (50) شيقلاً، لكن التجار رفعوا سعره إلى (180) شيقلاً؛ لذا وجدنا أن معظم المزارعين أعرضوا عنه وعادوا لمبيد النيماكور". وقال: "وزارة الزراعة تقوم بدور فعال لمراقبة الكميات التي يستخدمها المزارعون من هذا المبيد في الزراعة". ويملك "أبو حليمة" (7) دونمات قريبة من بيته، و(22) دونماً أخرى قريبة من الحدود الإسرائيلية شمال القطاع، وكما يقول: "..أُغامر بحياتي عندما أزرع تلك الدونمات وأجني المحصول، فلطالما هددتنا قوات الاحتلال الإسرائيلي وأطلقت علينا نيران رشاشاتها لإرهابنا". أما المزارع "سهيل . ك" (من منطقة الزوايدة وسط قطاع غزة) فقد تخلّى عن الزراعة واتجه إلى تربية النحل وإنتاج العسل؛ بعد أن تكبّد خسائر فادحةً بسبب اعتماده على الزراعة العضوية فقط، فعلى حدّ تعبيره: "غيلان الزراعة الكيماوية لم يتركوا لي ولأمثالي مجالاً؛ لأنهم يملئون السوق أولا بأول بمختلف الخضار والفاكهة وخلال وقتٍ قصير". تجدر الإشارة إلى أن حوالي (34)% من مساحة الأراضي الزراعية في قطاع غزة على طول الشريط الحدودي مع إسرائيل تضيق قوات الاحتلال الإسرائيلي الخناق على المزارع لزراعتها، ما يدفعه في بعض الأحيان للزراعة المكثفة والمتواصلة فيما يتاح له من الأرض، وهو ما أدّى إلى استنزاف التربة وفقدانها الكثير من المركّبات العضوية". (422) طناً م. "زياد حمادة" (مدير عام وقاية النبات والحجر الزراعي في وزارة الزراعة في حكومة غزة) قال إن "أيّ مركبٍ كيماويٍ لو تمّ استخدامه بالطريقة الصحيحة وحسب الخطوات التي نوصي بها فلن يتسبب بأضرار لا على النبات ولا على صحة الإنسان" مضيفاً أن "..التجار والموردون للمبيدات لا نسمح لهم باستيراد أيّ نوعٍ من المبيدات قبل أن نمنحهم إذناً خاصاً بإدخال هذه المواد بطريقةٍ شرعيةٍ عبر معبر كرم أبو سالم التجاري". وأكد أن هناك مهندسون زراعيون يقومون بالتردد المستمرّ على المزارعين والمحالّ التجارية الخاصة ببيع المبيدات؛ للرقابة والإرشاد ومتابعة إجراءات البيع والشراء". وبخصوص عمليات تهريب بعض أنواع المبيدات والأسمدة الخاصة بالمزروعات عبر الأنفاق على الحدود ما بين القطاع والأراضي المصرية قال م. "حمادة": "..عمليات التهريب عبر الأنفاق غيرُ خاضعةٍ للرقابة بنسبة 100%، لذا تعاونّا مع وزارة الداخلية كي تبلّغنا كلما أمكن لها ضبط أية مواد كيماوية أو أسمدة خاصة بالزراعة؛ كي نقوم بفحصها وتسجيلها، والتأكد فيما إذا كانت مطابقةً للمواصفات الموضوعة من قبل الوزارة، ولكي نقوم بإتلافها في حال كانت غير مطابقة". ونوّه إلى أن وزارة الزراعة تجتهد في تحويل النمط الزراعي التقليدي (الكيماوي) في قطاع غزة إلى العضوي، وقد بدأنا بتنفيذ العديد من المشاريع التي تعتمد على الزراعة العضوية الخالية من المواد الكيماوية، حيث أنها أفضل لصحة الإنسان وبقائه". من جهته أوضح "أحمد أبو مسامح" (نائب مدير دائرة المبيدات في الوزارة) أن إجمالي المبيدات التي دخلت قطاع غزة حتى أواخر شهر أكتوبر من العام الجاري 2011 بلغت حوالي (422) طناً، منها (24) طن و(136) لتراً من مادة النيماكور، فيما بلغ عام 2010 حوالي (487) طناً منها (13) طناً و(736) لتراً نيماكور. وعزا "أبو مسامح" الزيادة التي طرأت على استيراد مبيد "النيماكور إلى الضعف تقريباً لنقص غاز "بروميد الميثيل" المستخدم في تعقيم التربة، وخشية الكثير من التجار من انقطاع هذا المبيد بسبب الإغلاقات الإسرائيلية المتكررة والمفاجئة لمعابر القطاع. أما "م . ع" المختص بالمجال الزراعي فعزا ذلك إلى أن مبيد النيماكور وأنواع أخرى من المبيدات وجدت لها رواجاً في مصر، فبدأ بعض التجار من غزة بتهريبها وبيعها لتجار في مصر عبر الأنفاق وبأسعار باهظة، كما أن الكثير من التجار يجدون طرقاً مبتكرةً لتهريب هذه المادة وغيرها من المواد السامة، حيث كان آخرها اكتشاف أن بعض التجار الموردين لمادة النيماكور يقومون بالاتفاق مع تجّار داخل إسرائيل لوضع مادة النيماكور داخل كراتين تحمل مسميات لمواد أخرى، ويُغفل المراقب على المعبر ذلك بسبب زحمة السيارات والشاحنات على المعبر أو لضغط العمل، وهو ما يفاجئ الجهات الرسمية المسئولة بوجود كميات كبيرة غير مسجلة، مما يُحدث ارتباكاً في الإحصاءات الرسمية". يُذكر أن (100) محلاً تجارياً متخصصاً لبيع مختلف أنواع المبيدات والهرمونات الخاصة بالمحاصيل الزراعية موزعة في محافظات غزة الخمس، ويوجد (12) تاجر يقومون باستيرادها من داخل إسرائيل (5) منهم يُدخلون الكمية الأكبر منها. نسيطر على 80-90% المهندس "إيهاب الغصين" (الناطق باسم وزارة الداخلية والأمن الوطني) اعتبر أن "الأنفاق معابر غير رسمية، وهي ظاهرةٌ استثنائيةٌ ظهرت بسبب الحصار الإسرائيلي المشدّد على قطاع غزة، ونحن نسيطر على 80-90% منها" مضيفاً أنه: "..في حال ضبطنا شحنةً من الأسمدة والمواد الكيماوية نقوم باستدعاء المختصين من وزارة الزراعة لفحصها، وإن كانت غير مطابقة للمواصفات يتم إرجاعُها وأخذ تعهّد من التاجر بعدم توريدها مرةً أخرى، ومعاقبته وحبسه إن لزم الأمر". تجدر الإشارة إلى أن حركة التجارة عبر الأنفاق يتم التحكّم بها وفق ضوابط وضعتها وزارة الداخلية بالتعاون مع بلدية رفح وهيئة المعابر والحدود وكذلك التجار. وصرح م. "الغصين" بأن وزارة الزراعة إن "أوعزت إلينا بتعميم منع إدخال أية مبيدات كيماوية خاصة بالزراعة سنقوم بذلك". خير التربة وبركة السماء وعلى الرغم من أننا على أبواب الشتاء؛ إلا أننا وخلال جولةٍ لنا في بعض محالّ الخضار والفواكه وجدنا معظم خضار وفواكه الصيف والشتاء على حدٍ سواء، حتى أنّ بعض المواطنين قال لنا: "بطّلنا نعرف شو خضار وفاكهة الصيف وشو خضار وفاكهة الشتا..!". "سها الأشقر" (أمٌ لثلاثة أطفال) وبينما كانت تملأ الكيس بحبّات البندورة قالت: "بصراحة؛ أنا عارفة إنو إللي بيصير في الزراعة مصيبة بحقنا، بس شو بدنا نعمل، والواحد عندو صغار وما بقدر يحكمهم". وأضافت: "يقضوا على الدود في التربة فنجده يسبح داخل الفاكهة والخضار.. صرنا نشعر انو المبيدات تملأ ثلاجاتنا". وتابعت: "..المزارع لازم يعرف إنو صحّتنا أمانة في رقبته، والمسئولين لازم يكون لهم دور في توعية المزارع". وتوافقها الرأي صديقتُها "ريم ياغي" والتي اعتبرت أن: "..معظم الفواكه والخضار أصبحت بلا طعم ولا رائحة إلا ما ندر منها، مثل الجوّافة والتمور وبعض الحمضيات". وأضافت "ياغي": "..كنت أشتهي الخوخ، فهو فاكهتي المفضّلة؛ إلا أنني منذ أكثر من خمس سنوات لم أُدخله البيت لأني لا أجد خوخاً نضراً ولذيذاً كما في السابق إذ أصبح أقرب لقطعةٍ من الإسفنج". وتؤكد "ياغي" أنها "..تنتظر بفارغ الصبر قطف أسرتها لثمار وخضرة حديقتهم التي تنمو على خير التربة وبركة السماء". أما "أم مصطفى" (التي تعيل 8 أفراد) فوجدناها تشتري الخضرة والفاكهة من إحدى "بسطات" سوق فراس الشعبي وسط مدينة غزة، فأكّدت أنها تشعر بالقلق على صحّة أولادها؛ لاسيما طفلها المصاب بالتهابٍ رئويٍ حاد، عندما تسمع عن استخدام المزارعين لبعض المواد السامة في إنضاج البطيخ، والمواد الكيماوية المستخدمة بشكلٍ كبيرٍ في الكثير من أنواع الخضار والفاكهة، وكذلك استخدام الخميرة لإنضاج البطاطا، وبعض الهرمونات التي تلوّن الشكل الخارجي للمنتج الزراعي.وعند سؤالنا إياها: لماذا لا تتجه للمحال التي تبيع المنتجات العضوية؟ عبّرت عن تذمّرها بالقول: "الحياة غالية والواحد إيش ولا ايش بدو يلحّق مصاريف.. فرق المصاري إللي بأحطهم عشان أشتري مزروعات عضوية بأوفرهم وبأشتري إشي تاني لأولادي". يُذكر أن بعض المؤسسات المختصة بالقطاع الزراعي أصدرت قائمةً بأسماء وعناوين المحال التي تبيع الزراعة العضوية في مختلف أنحاء قطاع غزة، لمن يرغب في ذلك. بلدية.. ثلّاجات.. حمامات..! "بلدية.. ثلاجات.. حمامات".. ثلاثة تصنيفات لأنواع الخضار والفاكهة الموجودة في محل (النسمة للخضار والفاكهة والمرطبات) وجميعها تحظى برواجٍ جيّدٍ بين الزبائن. "رمضان شحادة" (صاحب المحل) أوضح أن: الخضار والفاكهة في محله خليطٌ بين المزروعات العضوية والكيماوية، مشيراً إلى "..إقبال الكثير من المواطنين مؤخراً على المزروعات العضوية، وإن كانت أعلى سعراً..". وأضاف: "..كل أنواع الخضار والفاكهة الصيفية والشتوية متوفرة على مدار العام، فأن يجدها الزبائن أفضل من ألا يجدوها". المواطن "عصام ساق الله" وفور دخوله المحل تساءل: "عندك بامية"؟ فبادره "شحادة": "..ها هي أمامك مخشّبة وقصيرة، موسمها خلّص، وهيْ الموجود". وعبّر "ساق الله" عن عدم اكتراثه إن كانت الخضار والفاكهة التي يشتريها عضوية أو كيماوية.لا يوجد مبيد يخلو من الخطر. د. "فؤاد الجماصي" (مدير دائرة صحّة البيئة بوزارة الصحة في حكومة غزة) أكدّ أنّ "أي مبيد حشري يُستخدم في الزراعة وفق كميات محددة من قبل منظمة الصحة العالمية، وإذا تمّ تجاوز هذه الكميات يُصاب الإنسان بتسمّم غذائي كيميائي؛ لاسيما إن تراكمت هذه المبيدات في الجسم.." ناصحاً بـ "..ضرورة الإسراع في توصيل المصاب بأقصى سرعة ممكنة لأقرب مستشفى..". من جهتها قالت"وفاء تمراز" (دكتورة صيدلانية أن "هناك قاعدةٌ علميةٌ تؤكد بأنه لا يوجد مبيد يخلو بشكل كامل من الخطورة على الإنسان والبيئة، بل إن الخطر عاملٌ مشتركٌ بين مختلف أنواع المبيدات مهما تنوّعت مجموعاتها الكيميائية، أو اختلفت صفاتها الفيزيائية، أو تباينت أسماؤها التجارية وأسماؤها الشائعة، أو تعددت مجالات استعمالها، إلا أن درجة الخطورة تبقى أمراً نسبياً، تشتد في بعضها وتخفُّ في البعض الآخر، لكنها لا تنعدم بأيّ حال". وأضافت: "..في حال عدم التقيّد بالأسس العلمية الصحية المنظِمة لاستخدام المبيدات؛ يصبح المزارع وأفراد عائلته معرّضين مباشرةً للمواد الكيماوية السامة الكامنة في المبيدات، والإصابة بأمراض السرطان والعقم والقلب والتشوّهات الخلقية وغيرها، ناهيك عن انخفاض متوسط الأعمار، كما أن المستهلكين الذين يشترون من السوق الخضار والفواكه المرشوشة بالكيماويات، خاصة المبيدات العصارية؛ التي تدخل في التركيب الداخلي لهذه الثمار وتمتزج بعصارتها الداخلية، وبالتالي؛ لن يفيد كثيراً غسلُها أو تقشيرُها، لا مناص من انتقال هذه المواد السامة إليهم". وذكرت "تمراز" أنّ: "..تدابير الوقاية المختلفة لا تقوم بأكثر من مجرّد تخفيف التأثير السُمّي للكيماويات على الإنسان، والذي يفعل فعله بشكلٍ تراكميٍ على مدى سنوات، إلى أن يتناول الإنسان ما يُعرف بالجرعة القاتلة، وبديهي أن القيمة الغذائية للفواكه والخضروات الملوّثة بالكيماويات متدنية". ونوّهت "تمراز" إلى أنّ عدداً قليلاً جداً من المبيدات ينحصر تأثيره فقط في قتل الآفات، في حين يعمل معظم المبيدات ضد كل الكائنات الحية، حيث أن للأحياء بكافة أصنافها سواء الحشرات أو البشر نفس الأنزيمات والهرمونات والأنظمة البيوكيميائية الأخرى. "وحدة وطنية..و زراعية"  كثيرٌ من المختصين الذي قابلناهم أكّدّوا بأنّ "ثمّة انفجاراً سكانيّاً ممكن أن يحدث في قطاع غزة خلال عشر سنوات، وأنّ العجز المائي في اطّراد، ومساحة الأراضي الزراعية تتآكل لصالح الزحف السكاني، وهو ما يوجب على جميع المسئولين إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية بين شطري الوطن، والتعاون الجدّي بين القطاع والضفة الغربية في الارتقاء بالقطاع الزراعي، والحفاظ على جودة التربة وعدم استنزافها ودعم وتوعية المزارع، والاستثمار الذكي للمناخ في تحسين جودة الزراعة باعتبارها عصب التنمية والحضارة، إضافةً إلى ضرورة تنفيذ مختلف المشروعات التي من شأنها الارتقاء بالمستوى المعيشي والصحي للسكان، وتكريس الاهتمام في تحقيق الحرية للمواطن الفلسطيني، والحصول على الحقوق المائية والإنسانية والحق في الأرض التاريخية.