اثنان من الزعران، يرتديان سترات جلدية، اعتديا علي عندما عدت الى ميدان التحرير يوم الجمعة. فقد قدما نفسيهما كرجلي مباحث من الشرطة. "أين بطاقتك؟"، سألاني بصراخ. أجبت أني تركت هويتي في الفندق. أحدهما لف ذراعي وصرخ "ماذا قلت؟ ماذا حصل أنك لا تحمل بطاقة؟ نحن سنلقي بك الآن الى السجن". سحبت ذراعي بقوة. وأجبت "لم أفعل شيئا. ليس لك ما يبرر ازعاجي". أما "المباحث" فلم يتراجع. وطالبني "أرني حقيبتك". فتحت حقيبتي ولوح لي فجأة بكيس من الورق "ما هذا؟". هذا الكيس لم يكن في الحقيبة من قبل. "مخدرات" قرر المصري، "الآن سنذهب الى الشرطة". اجتهدت للحفاظ على رباطة الجأش، على الاقل ظاهرا. "أنا لا أدخن ولا أتعاطى المخدرات"، أجبت، "يسرني أن تأخذاني الى الشرطة". وهنا تدخل في الحديث مروان، شاب جاء لمشاهدة "المليونية" الجارية في الميدان. عندما تحدثنا قبل لحظة من ذلك اعترف مروان بهدوء بأن "مبارك لم يكن فظيعا جدا". اما الان فقد تعاون مع الزعران. وعرض عليّ أن "إدفع لهم، اذا ما استدعيا الشرطة فسيكون وضعك أسوأ". رفضت دفع الرشوة. وأصريت قائلا: "ليس لدي مال. استدعيا الشرطة الان". فثار غضب "المباحث" ودفعاني بالقوة. استغليت لحظة عابرة من عدم الانتباه من جهتهم وأخذت بالفرار راكضا فقفزت في أول سيارة عمومية رأيتها. على السيارة، وأنا أتنفس بصعوبة ظننت أني محظوظا. فما مررت به مهما كان مخيفا لا يشبه بالضرب والاعتداءات الجنسية الوحشية التي كانت من نصيب الصحفية الفرنسية كارولين سينز والمدونة الامريكية منى التحوي اللتين كانتا تغطيان المظاهرات في ميدان التحرير. لاول مرة منذ استئناف الاضطرابات في مصر، خرج أول أمس مئات الالاف الى الشوارع للاعراب عن تأييدهم للنظام العسكري. وزادت هذه المظاهرة التأييدية شك معارضي النظام الذين احتشدوا في التحرير. وهم يشتبهون برؤية جواسيس ووشاة من كل صوب. مجرمون يستغلون الفوضى وكلما ازداد التوتر الداخلي بين المعسكرات السياسية المتخاصمة يتعاظم ايضا العداء ضد الاجانب. ميدان الامل أصبح ميدان الخوف. تركت الميدان في طريقي الى المسجد الرئيس في القاهرة، المسجد الازدهر. حيث عقد الاخوان المسلمون صلاة جماعية تحولت الى استعراض قوة ضد اسرائيل. وخارج البوابات المزينة وزع نشطاء اللجنة ضد تهويد القدس خرائط للقدس القديمة واعلام فلسطين. وداخل المسجد أثار قادة المؤسسة الدينية المصرية حماسة المصلين في خطب تحريض حماسية ضد "اليهود الخونة". الزعيم الروحي في مصر الشيخ أحمد الطيب دعا الى استعادة المسجد الاقصى الى المسلمين. ووعظة الاخوان المسلمين والخطباء الفلسطينيون لم يكتفوا بذلك. فقد أعلنوا "سيأتي اليوم وسنقتل كل اليهود"، فردد المصلون بهتافات مستمرة "يا تل أبيب، سيأتي يوم الدين". وخارج المسجد التقيت بعلاء الدين، معلم ابن 40، سألته لماذا فلسطين هامة بهذا القدر في نظره بالذات هذه الايام التي تكافح فيها مصر في سبيل مستقبلها. فأجاب: "قبل الثورة لم يكن بوسعنا أن نعبر عن رأينا بحرية. لم نفكر على الاطلاق بان الثورة ستكون ممكنة عندنا. ولكن ها نحن قد أثبتنا بانه يمكن تغيير الامور والان نحن نريد أن نغيرها في فلسطين ايضا. كل المصريين مستعدون للجهاد". المتظاهرون، بمن فيهم العديد من مؤيدي الاخوان المسلمين، نقلوا بؤرة الاحتجاج من وزارة الداخلية الى دار الحكومة والبرلمان في القاهرة. وعندما وصل رئيس الوزراء المعين كما الجنزوري أمس الى مكتبه هاجم العديد من المتظاهرين قافلته. سيارة لقوات الامن دهست متظاهر فأردته قتيلا واصابت بعض من زملائه. ويرفض المتظاهرون الاعتراف بتكليف الجنزوري. الشباب العلمانيون في ميدان التحرير يفضلون رئيس الوكالة الدورية للطاقة الذرية سابقا، د. محمد البرادعي ليكون رئيسا للوزراء. وقال البرادعي أمس انه مستعد لان يسحب ترشيحه للرئاسة كي يقوم بمنصب رئيس الوزراء. غير أن الاخوان المسلمين، الذين تتعاظم اعدادهم في الميدان يعارضونه بشدة. في هذه الاثناء، فان المعسكرين المتخاصمين، معارضي النظام العسكري ومؤيديه، يعتزمون عقد مظاهرتين كبريين اليوم ايضا. والتوتر يتصاعد قبيل الانتخابات التاريخية للبرلمان، الاولى منذ الثورة، والتي يفترض أن تبدأ غدا.