رام الله / سما / انتقد رئيس دائرة الإعلام في جامعة بيرزيت د. وليد شرفا، بشدة البث المكثف والمكرر على مدار ساعات طويلة يوم الخميس الماضي للمشاهد الدموية لمقتل العقيد معمر القذافي عبر الفضائيات العربية، مؤكدا أن ما جرى يخالف المعايير المهنية والإنسانية وأخلاقيات الإعلام التي تحرم بث هذه المشاهد. واعتبر الشرفا، في حديث لإذاعة صوت فلسطين، أن قرار بث صور مقتل القذافي كان سياسيا بامتياز وليس مهنيا؛ خاصة وأننا نتحدث عن ’وسائل إعلام تابعة لمؤسسات رسمية وصور تمر عبر قنوات فلترة’، لافتا إلى أن الجهات التي تقف وراء تلك القنوات تريد إعادة إنتاج العقل والوعي العربي بـ’صورة تبقى إلى الأبد باعتبار أن هذا هو مصير الطغاة’، ذلك رغم أن ’المتحكمين بتلك القنوات –في الغالب- هم أيضا ليسوا ديمقراطيين تماماً وقد يتحولوا في يوم من الأيام إلى طغاة جدد وأكثر شراسة’، كما قال. وأكد أن وسائل الإعلام أذرع (صور) لمؤسسات تاريخية (دول، أحزاب، سياسات)، مبينا أن الصورة باتت ’أداة انتقامية سياسية’ وان البث ’تجاوز منطق التغطية والإخبار إلى مستوى فرض ثقافة ما يريدها صاحب الصورة ومنتجها’. وتابع د. الشرفا: ’إن الدموية في البث -ضمن تعريف الصورة- تعكس الدموية الكامنة في عقلية مَن بث تلك المشاهد’، مشددا على أن هناك شبه قرار مطلق بعدم جواز نقل صور القتلى أو الضحايا، ومبينا أن ’هذا السياق المهني الأخلاقي للإعلام تلاشى أمام سياقات خاصة واعتبارات من بينها ’تصفية حسابات سياسية انتقامية ولصالح إنتاج عقلية جديدة وقيم مغايرة’. وأوضح أن تلك القنوات ترمي لإعادة انتاج الإنسان العربي في سياق جديد من ’الوحشية والدموية والفوضى واللاخلاقية تحت ستار من الاخلاقية ومقاومة الطغيان والتحرر والثورة’، ومبينا أن الثقافة التي يطرحها علينا هؤلاء ’توفر علينا النقاش الأخلاقي لصالح التقاط الصورة وشهوة الدم والانتقام الذي يتم تسويقه باعتباره أصبح اخلاقيا هذه المرة’. وبين د. الشرفا أن ما يجري عبر الفضائيات العربية (أو حتى تلك الناطقة بالعربية) عملية تشريع للمشاهد والقيم المحرمة تحت شعارات ومصطلحات اكبر و’كأن عليك أن تختار إما بث تلك الصور أو أن تخسر مشهد (التحرر) كاملا’ والحديث يدور عن ليبيا في هذه الحالة. وردا على سؤال إذا ما كان الإعلام قد تحول إلى طاغية هو الاخر، قال د.الشرفا: ’اننا نعيش عمليات استنساخ للطغيان، فقد تجاوزنا كافة الأخلاقيات لصالح الانتقام ومواقف سياسية هدفها دفع المواطن العربي إلى منطقة من شهوانية الدم واحتقار الإنسان حيا او ميتا’. وأشار إلى خطورة دور وتأثير وسائل الإعلام والفضائيات التي باتت كالطوفان خاصة وأنها ذات بعد شمولي تطال كافة الفئات العمرية وتمارس عملية تثقيف إجبارية وليست فردية، كما في وسائل الإعلام الاجتماعية كموقع فيسبوك مثلا... وشبه الشرفا ما تبثه الفضائيات العربية بعملية رش غاز على سكان منطقة بأسرها، مبينا أن ضخ المعلومات والصور بهذه الطريقة يعني أنك مجبر على المشاركة واتخاذ مواقف حددها لك السياق الإعلامي المنُتج للمعنى سلفاً، وفي حالة القذافي مثلاً يصبح من الصعب لإنسان مهما كان عقلانيا وإنسانيا وأخلاقيا أن يقاوم ردة فعل الجماهير تجاه ’طاغية’ أو أن يستخدم أداة (ولكن) لأنها أصبحت في هذه الحالة في موضع المحرمات أو الشبهات.