خبر : رحلة الى اللامكان/يديعوت

الأربعاء 21 سبتمبر 2011 10:12 ص / بتوقيت القدس +2GMT
رحلة الى اللامكان/يديعوت



في صورة الذروة لمسرحية يوليوس فيصر، وضع شكسبير على لسان بطله انطونيوس، الجملة الخالدة التالية: "لم آتي لمدح قيصر، جئت لدفنه". بنيامين نتنياهو ومحمود عباس على حد سواء يمكنهما ان يقولا هذا الصباح لنظرائهما ذات الجملة تقريبا عن مصير السلام. كلاهما يريدان السلام، يريدانه حقا. فمن لا يريد السلام. الثمن هو الذي لا يريدان ان يدفعاه.كلاهما وصلا، كل واحد لاسبابه، الى الوعي بانه لا يوجد في هذا الزمن احتمال للوصول الى اتفاق ينهي النزاع. حدود التنازلات لدى نتنياهو بعيدة بعد الهوة عن حدود التنازلات لدى ابو مازن. الفارق بين المواقف ليس من النوع الذي يمكن لوسيط كفؤ او محامي خبير ان يجسره. الادارة الامريكية قد تجد صعوبة في التسليم لذلك، اما هما فقد سلما به. ولهذا يسعى نتنياهو الى المفاوضات بدلا من الاتفاق، وابو مازن يسعى الى الاعتراف الدولي بدلا من المفاوضات. المواجهة بين الرجلين ليست مواجهة بين ذكي وغبي، بين خير وشرير. فيها بعد مأساوي لان كليهما يقودان شعبيهما بمنطق مميز نحو شفا الهاوية. نتنياهو يصف رحلته الى نيويورك بانها زيارة صعبة في محيط معادٍ. الحقيقة هي أنه يتمتع من كل لحظة. هذه رحلة اعلامية. هذه المعارك، التي الذخيرة فيها هي الكلمات والانتصار بالتصفيق، يحبها نتنياهو ويعرفها. الامم المتحدة ستكون له منصة – نحو الرأي العام في اسرائيل، نحو يهود الولايات المتحدة، نحو الساحة السياسية الامريكية ونحو وسائل الاعلام العالمية. في البلاد يزعجونه كل الوقت بالاسئلة، بالشكاوى، بالمقاطعات. اما على منصة الامم المتحدة، على خلفية الشاشات الخضراء، البشعة، التي تشبه الفرومايكا، فان المنصة بكاملها ستكون له. وهو يبدأ اليوم الزيارة في لقاء مع الرئيس الامريكي. اللقاء، القسم العلني على الاقل، سيكون وديا أكثر من أي وقت مضى. عشية الزيارة حسم أمر ما في السياسة الامريكية: في الانتخابات التمهيدية في المقاطعة الانتخابية التاسعة في نيويورك، المقاطعة التي كثير من ناخبيها يهود، هزم الجمهوري بوب تيرنر رجل أعمال غير معروف، المرشح الديمقراطية دافيد وفرين. وهذه المقاطعة لم تنتخب مرشحا جمهوريا منذ مائة عام تقريبا. التفسيرات للهزيمة كثيرة، ولكن المهم هو الانطباع المتبقي، والانطباع هو أن اليهود يتركون الديمقراطيين بسبب موقف اوباما البارد من اسرائيل. تيرنر انتخب، ولكن بيبي فاز: اوباما سيعانقه حتى تشرين الثاني – وعندها من يدري، قد ينتخب للرئاسة احد الافنجيليين الجمهوريين. سيعود الى عدم اليقينهذه فترة محملة بالمصائر، بمعان كثيرة. الثورات في العالم العربي هزت الاستقرار الاقليمي، اضعفت الحكومات، اطلقت الى الشارع الكراهية والاحباط، بما فيها الكراهية لاسرائيل ايضا. وسيتباهى نتنياهو بحقيقة أنه خلافا لكثيرين في الغرب، عقب على التغييرات في العالم العربي بالشك. في فترات عدم الاستقرار، سيقول في خطابه، ان اسرائيل ملزمة بان تتشدد في ترتيباتها الامنية، ولا يمكنها أن تعتمد على الاوراق والوعود. ولكن هذه فترة محملة بالمصائر ايضا بالنسبة لمكانة اسرائيل في العالم. الولايات المتحدة توجد في نقطة سفلى لم تشهد لها مثيل منذ الثلاثينيات من القرن الماضي. وهي لا يمكنها أن توفر لاسرائيل حماية مطلقة. وحتى تأييد الغابون في مجلس الامن تجد صعوبة في أن تضمنه. الشرخ مع تركيا، الاضطرابات في مصر، والعطف الذي لاقاه التوجه الفلسطيني الى الامم المتحدة، كل هذا يوضح باننا وصلنا الى نهاية عصر: اوسلو حطمت عزلة اسرائيل في العالم، رفعت مستوى اسرائيل الى مكان شرف في اسرة الشعوب. أما الان فهذه الاسرة، باغلبيتها الساحقة، تدير لاسرائيل ظهرها. حكومة نتنياهو تواسي نفسها باعداء تركيا، الذين يقتربون مؤخرا من اسرائيل: اليونان المفلسة، بلغاريا، رومانيا وقبرص. الصداقة المؤقتة لهذه الدول هي تعويض صغير على فقدان حليف. ابو مازن سيعود الى نيويورك بدون دولة، ولكن مع احساس بانه فعل شيئا ما وترك أثرا. نتنياهو سيعود من هناك الى عدم اليقين. مصير العلاقات بين اسرائيل والفلسطينيين لن يحسم في نيويورك بل هنا بين النهر والبحر. سيارة رش المواد النتنة على أهبة الاستعدادفي ذروة أحداث الانتفاضة الثانية، في خريف 2000، سافرت الى ام الفحم. مئات الشباب الملثمين رشقوا الحجارة على طريق وادي عارة. التقيت هناك باليك رون، الذي كان قائد اللواء الشمالي في الشرطة. سافرنا في مسارات المعارك – في الطرق التي اغلقت، في الغابات التي احرقت، في المظاهرات التي قمعت بالقوة. في ذات اليوم تقرر لي لقاء في بيت السفير الامريكي في هرتسيليا بتوح. ولانعدام البديل، وصلت الى هناك مباشرة من الميدان، بملابس عشقت رائحة النار. رويت للسفير، مارتين انديك ما رأيته. انديك، يهودي ومحب كبير لاسرائيل، تحدث معي بألم في القلب. وسأل لماذا لا يوجد للجنود وللشرطة معدات لتفريق المظاهرات. لماذا يجب للناس أن يُقتلوا. هذه المرة الجيش والشرطة مزودون جيدا. الجيش الاسرائيلي استثمر قرابة تسعين مليون شيكل في التزود بالمعدات. الشرطة استثمرت سبعين مليون شيكل. اربعين مليون منها بالمال الذي تلقته من مجلس الامن. المفتش العام للشرطة يوحنان دنينو، قال لي ان التنسيق الذي تحقق بين الجيش، المخابرات والشرطة قبيل ايلول استثنائي في نوعيته. لاول مرة تقام بؤر استخبارات مشتركة. تم شراء مدافع تشبه الكاتيوشا لاطلاق صواريخ الغاز المسيل للدموع. كما اشتري عشرات الناقلات لرش الماء والمادة النتنة. وأبدى الجيش الاسرائيلي يقظة ونصب على الشاحنات حاويات مزودة بالمولدات، ستستخدم هي ايضا كآليات لرش المياه والمواد النتنة.معطيات الشرطة تشير الى نجاح كبير في استخدام المادة النتنة – فهي تسمح بتفريق المظاهرة في ظل توفير بنحو ثلث – ربع القوة؛ عدد المصابين في الطرفين انخفض بـ 90 في المائة فأكثر. والتوصية هي استخدامها في كل ساحة وتجاه كل مظاهرة غير شرعية، حتى مظاهرة اليهود. في الجيش توجد محافل أقل سعادة. فهي تخشى من منظمات حقوق الانسان التي ستشكو من ان المادة تضر بصحة النساء الحوامل، الاطفال، وان هذه حرب كيماوية. المادة المرشوشة كانت تستهدف في الاصل جذب الذباب. الرائحة النتنة شديدة، والشرطة راضية جدا لدرجة أنها تعتزم القاء اكياس من المادة من الجو ايضا. الزعيم الفلسطيني القديم ابو العلاء وصف هذه المادة على مسمعي بانها "قنابل عسل". اليهود يشعلون النارفي مداولات جهاز الامن تحدثت محافل استخبارية عن احتمالية بمستويات مختلفة، منخفضة أو متوسطة أو عالية، باندلات موجة عنف. وكان التقدير في هذه الاثناء انه لا يوجد للعنف وقود. السكان غير معنيين بانتفاضة جديدة. ولكن المقررين فضلوا السيناريو المتشدد. وذلك كي لا تنتقدهم أي لجنة تحقيق. المشكلة هي أن السيناريوهات المتشددة تميل الى تجسيد ذاتها. في الاسبوع الماضي جرت مظاهرة نسائية قرب حاجز قلنديا. وكانت المظاهرة بائسة جدا. اما الشرطة فرأوا فيها مقدمة لانتفاضة. فردوا برد فعل مبالغ فيه. وبقدر ما يبدو الامر مفاجئا، ففي الجيش الاسرائيلي وفي الشرطة ايضا يقدرون بان الخطر الاكبر في هذه اللحظة ليس من الطرف الفلسطيني بل من الطرف اليهودي. عمليات "شارة ثمن" للمتطرفين المستوطنين آخذة في الاتساع. ثمانية مساجد افسدت في الاسبوعين الاخيرين دون أن يقبض على المجرمين. المخابرات تقف امام هذه المسيرة عديمة الوسيلة. وبينما تدعو القيادة الفلسطينية الى ضبط النفس، فان المتطرفين اليهود يشعلون النار التي ينجرف اليها الاف العرب على جانبي الخط الاخضر. هذا هو الخطر – وهذا هو القصور. وهو يقض مضاجع كبار المسؤولين في جهاز الامن.السياسيون يضرمون النار من اتجاه آخر. التوجه الفلسطيني الى الامم المتحدة حمل افيغدور ليبرمان، يوفال شتاينتس وآخرين الى الدعوة الى حملة عقاب ضد الفلسطينيين. هذه الدعوات تخيف قيادة الجيش الاسرائيلي والشرطة وكذا قيادة وزارة الدفاع. فاذا ما عملت اسرائيل على الا يحصل رجال قوات الامن الفلسطينيين على رواتبهم فلن يكون هناك من يمنع المظاهرات العنيفة من ان تتسلل الى المستوطنات والى داخل الاراضي الاسرائيلية. السيناريو المتطرف يوجه افراد الشرطة سلاحهم ضد افراد قوات الامن الاسرائيلية. من يصر على زرع الريح سيحصد العاصفة. نتنياهو يوجد في هذه المسألة بين المطرقة والسندان. بين تخوفه من انهيار الائتلاف وتخوفه من انتفاضة ثانية. وهو لم يعلن بعد الى أين يتجه. في هذه الاثناء، يتجه نحو الحملة الاعلامية.