القدس المحتلة / سما / بعد مرور أقّل من أسبوعين على اقتحام سفارة تل أبيب في القاهرة، بدأ موظفو الشفارة بإخراج الغسيل الوسخ إلى الإعلام العبريّ، حيث تبيّن أنّ الحكومة الإسرائيليّة التي تباهت بالعمليّة العسكريّة لتحرير الموظفين رمت الموظفين الذين أعيدوا إلى تل أبيب ولم تهتم بهم، كما أنّه خلافا للرواية الرسميّة، فإنّ الموظفين يقولون إنّ الحكومة لم تقل الحقيقة للجمهور في إسرائيل، وفي هذا السياق، كشفت صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة في عددها الصادر أمس الثلاثاء النقاب عن أنّ موظفي السفارة الإسرائيليّة في القاهرة، الذين تمّت إعادتهم إلى تل أبيب بعد اقتحام السفارة في القاهرة.وجّهوا رسالة شديدة اللهجة إلى وزارة الخارجيّة وطالبوا بتشكيل لجنة تحقيق رسميّة لبحث التخاذل الإسرائيليّ في تحريرهم من السفارة خلال عملية الاقتحام، على حد تعبيرهم. وجاء في الرسالة، كما ذكرت الصحيفة، أنّه خلافا للإدعاءات الإسرائيليّة الرسميّة، خلال تحرير الموظفين، فإنّ السفير إسحاق ليفانون، لم يهتم بالموظفين ولا بالحراس، بل اهتم بتخليص نفسه من السفارة التي اقتحمها المئات من الشباب المصريين.وكشفت المصادر النقاب عن أنّ جلسة متوترة للغاية عُقدت في الأسبوع الماضي بين الموظفين وبين كبار المسؤولين في الخارجيّة، اتهم خلالها الموظفون الجهات ذات الصلة بعدم الاهتمام بهم وبالرسائل التي وجهوها قبل الاقتحام بأنّ المصرين يخططون لعملية الاقتحام، لافتين إلى أنّه لو استجابت الخارجيّة لطلباتهم وتحذيراتهم لكانوا تركوا السفارة قبل اقتحامها، علاوة على ذلك، قالت الصحيفة، إنّ موظفي جهاز الموساد (الاستخبارات الخارجيّة) تلقوا معاملة حسنة لا بل ممتازة من قبل السلطات الإسرائيليّة، في حين أنّ باقي الموظفين تمّت معاملتهم بشكل مهين للغاية من قبل تل أبيب، كما أنّهم اتهموا السفير بأنّه لم يهتم إلا لنفسه خلال عملية الاقتحام، ولم يقم بواجبه بالاهتمام بباقي الموظفين الذين كانوا محاصرين وحياتهم في خطر، على حد تعبير المصادر، وأشارت الصحيفة إلى أنّ الخارجيّة الإسرائيليّة رفضت التعقيب على النبأ الذي أوردته.على صلة بما سلف، رأى المحلل للشؤون العسكريّة في الصحيفة، أليكس فيشمان، إنّه إذا كان شخص ما لا يزال يبحث عن علامات لتحول استراتيجيّ في الشرق الأوسط، فإنه لم يتلق خلال عمليّة اقتحام السفارة علامة، بل إشارة ضوئيّة حمراء ضخمة أمامه، ذلك أنّه منذ الاقتحام أصبحت العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل ومصر تجري في واقع الأمر برعاية الإدارة الأمريكية. وتابع قائلا إنّه فبعد ثلاثة عقود من العلاقات الدبلوماسية الكاملة الطبيعية بين الدولتين بقي في القاهرة ممثل إسرائيلي واحد وحارسان، ولن يعود المفوض الإسرائيلي إلى مبنى سفارة تل أبيب في القاهرة. وزاد: من جهة جهاز الأمن الإسرائيلي أصبحت مصر التي عُرفت طول السنين بأنها دولة صديقة ذات احتمال خطر منخفض ومع إنذار طويل جدا قبل تحول استراتيجي أصبحت بعد أحداث السفارة دولة ذات احتمال خطر عال ومجال إنذار أخذ يقصر، فإذا فقد الجيش المصري قوته لصالح التيارات المتطرفة للإخوان المسلمين والحركات السلفية فستتحول مصر بالنسبة لإسرائيل من خطر عالٍ إلى تهديد حقيقي. واستطرد فيشمان، المقرب جدا من المنظومة الأمنيّة في الدولة العبريّة، أنّه لهذه التعريفات معنى من جهة الاستعداد الإسرائيليّ، فالخطر المنخفض يعني استعدادا منخفضا يكاد يكون ملغى على الحدود المصرية، وخطرا أعلى يقتضي تقدير وضع من جديد وبناء قدرات تختلف عما يوجد لإسرائيل اليوم على الحدود، مشيرا إلى أنّه إذا استمر التدهور وأصبحت مصر تهديدا فسيجب أن تُبنى على الحدود قوة عسكرية تُشكّل ردا على القوة العسكرية المصرية، مؤكدا على أنّ إسرائيل ما زالت تحت تعريف خطر عال.وأشار المحلل الإسرائيليّ إلى أنّ مصر تقف اليوم على مفترق طرق، ويدرك المجلس العسكري الأعلى في مصر أيضا أن ليس أكبر خطر هو الانهيار الاقتصادي ولا المشكلات الأمنية الداخلية في سيناء، بل برأي المحلل الإسرائيليّ فإنّ الخطر الأكبر والتهديد المحدق يكمن في انزلاق مصر إلى الخط الإسلامي المتطرف، والسلطة هناك تقرأ الصورة لكنها مشلولة وضعيفة، زاعما أنّ مصر تبدو اليوم مثل ديناصور جريح يغرق في مستنقع ببطء ولا يملك القوة للنضال من اجل الخلاص منه، على حد وصفه. وأشار إلى عدّة أمور لتدعيم نظريته، منها على سبيل الذكر لا الحصر، اقتحام السفارة، فقدان القوى الأمنيّة المصريّة السيطرة تقريبا على مجريات الأمور في شبه جزيرة سيناء، المهانة الجارية خلال محاكمة مبارك في الوقت الذي يقذف فيه المحامون بعضهم بعضا بالنعال ويجري مؤيدو مبارك ومعارضوه معارك فيها قتلى وجرحى.والى جانب ذلك، قال فيشمان، تجري في كل يوم في أماكن مختلفة في مصر تظاهرات وإضرابات تشتمل على تعطيل الأعمال في قناة السويس، وهذه العوامل مجتمعة، بحسبه، هي تعبير واضح عن انهيار السلطة المركزيّة في مصر، أو حسب تعبيره فإنّ ما أسماها بزعيمة العالم الإسلاميّ السني في أفول. وبرأيه، فإنّ (الإخوان المسلمون)، يحافظون على كرامة الجيش المصري ويبذلون جهدا للامتناع عن مجابهة مع العسكريين، معتبرا أنّ طريقتهم الوحيدة لتأجيج الجمهور هي إحداث تحرشات إزاء إجماع الشارع المصري الواسع على إبعاد الوجود الإسرائيلي عن مصر. وبرأيه فإنّ هذه هي خلفية الأحداث إزاء السفارة في الأسبوعين الأخيرين، حينما كان السبب في الاقتحام هو قتل رجال الشرطة المصريين على حدود إسرائيل، وزعم أنّه مما لا شك فيه أنّ النموذج التركيّ لطرد السفير الإسرائيلي قد تمّ استيعابه هناك جيدا في مصر. وخلص المحلل فيشمان إلى القول إنّ الحلف التكتيكيّ بين الإخوان المسلمين والمجلس العسكري في مصر أخذ ينتقض، فلم يعد قادرا على الاستمرار في إظهار ضعف كهذا إزاء تلك الدول التي يفترض أن تتُحوّل ميزانيات ضخمة بهدف إعادة اعمار مصر، كما زعم، نقلا عنة مصادر استخباراتيّة في تل أبيب، أنّ حركة (الإخوان المسلمون) غير مستعدّة لقبول نية المجلس العسكري تأجيل الانتخابات الرئاسيّة في مصر، على حد تعبيره.