داعش ما بعد الموصل: سقوط الدولة وبقاء الفكر ...بقلم: د. علاء أبوعامر

الجمعة 30 يونيو 2017 05:27 م / بتوقيت القدس +2GMT
 داعش ما بعد الموصل: سقوط الدولة وبقاء الفكر ...بقلم: د. علاء أبوعامر



داعش لم تسقط، الذي سقط دولتها في شقها العراقي حتى الآن أما شقها السوري فسيسقط لا محالة بعد أن حوصرت الرقة بالكامل خلال الأيام القادمة ،أكملت دولة أبوبكر البغدادي الإسلامية دورها كاملاً، شوهت صورة الإسلام والمسلمين في العالم من خلال ممارسات همجية لا تمت إلى روح الإسلام بصلة هي أشبه بالتعاليم التوراتية والتلمودية فكل ما فعله داعش مستوحى من أسفار هوشع وصموئيل، بعض أفعالها كانت أشبه باقتحام يوشع بن نون الأسطوري لمدينة أريحا وإعمال القتل في سكانها حيث تم إبادتهم بالكامل حتى البقر والحمير، وحتى أعمال الإعدام التي لا تعرف الرحمة هي أيضا مستوحاة من التوراة فهي أشبه بقتل صموئيل لأجاج (عجاج) ملك العماليق حيث ابقاه شاول حياً بعد أن أستسلم وهزم جيشه فما كان من صموئيل إلا قتله بحد السيف غاضبا من سياسة التسامح التي أقرها شاول أول ملوك بني إسرائيل، وكذلك يمكن تشبيهها بأعمال الصليبيين الذي أبادوا قرىً بأكملها في بلاد الشام أبان الحملات الصليبية حيث طبخوا من تمكنوا من أسره من سكانها بعد قتلهم وأكلوهم ليشبعوا ويسدوا جوع بطونهم الفارغة، ولم تبتعد محاكم تفتيش داعش عن محاكم التفتيش في اسبانيا الكاثوليكية ما بعد سقوط الأندلس.

 الإسرائيليات أو لنقل اليهوديات تأخذ حيزاً من الأحاديث التي تُنسب للرسول الكريم، كثيراً من الأفعال التي قامت بها الحركات السلفية الإسلامية تصب في تقليد الفكر اليهودي التوراتي، ذلك الفكر الذي أصبح مسيحياً بعد مارتن لوثر في القرن السادس عشر الميلادي وبعد دمج التوراة بالإنجيل وجعلهما كتابا مقدسا واحدا ومرجعا فكريا موحدا للجماعتين الدينيتين.

 الفكر اليهودي فكر قديم يعود على أقل تقدير إلى القرن الخامس قبل الميلاد أي بينه وبين الرسالة المحمدية ألف عام وهو زمن كانت فيه سياسة القتل والحرق والاستعباد أو الاسترقاق أمرا طبيعيا وهي نهج وقانون سارت عليه كل الأمم المتمدنة وغير المتمدنة واستمرت هذه الأفعال الحربية لقرون حديثة، ولكن من يومها تطورت البشرية وأصبح هناك قوانين تنظم العلاقات الدولية والإنسانية في زمن السلم والحرب قوانين لا يمكن تجاوزها، أهمها القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.

الإسلام دين واقعي يتماشى مع الواقع البشري وتطور الحياة، ويوضح القرآن بشكل جلي أن جزءاً من حكمة تتابع الأنبياء على مر العصور كان بسبب التطور البشري من حيث العقل والمخترعات والاكتشافات وكانت مهمة الأنبياء والرسل تعديل قوانين الشريعة لتتماشى مع هذا التطور الإنساني الذي لا يمكن إلا أن يطابق الواقع.

داعش سقطت في العراق وهي لن تستمر طويلا بالشام كدولة أما فكرها فباق، ستبقى فلول داعش موجودة هنا وهناك فهي في الهلال الخصيب وخارجه في ليبيا وأفغانستان واليمن والفلبين وسيناء المصرية، سيضرب إرهاب داعش في كل مكان، سيضرب بكل وحشية طالما بقيت هناك كتب تدعو إلى تكفير المجتمعات الإسلامية والطوائف الدينية الأخرى وطالما هناك تنظيمات تدعو لإعادة إحياء دولة الخلافة، والحديث عن جاهلية جديدة وإعادة أسلمة المجتمع المسلم (الكافر).

 داعش ستبقى موجودة، داعش اسم، وهو نتاج ظروف، لم تتغير هذه الظروف بعد، على العكس في ظل خضوع الامة للمحتل الأجنبي وفي ظل عدم وجود دولة محور قائد لدى العرب فإن البيئة صالحة لتمدد هذا الفكر وربما سيتجه هذه المرة جنوبا باتجاه الجزيرة والخليج العربي اللذين على ما يبدو أصبحا وجهة المخططات الاستعمارية الأمريكية والصهيونية.

من حق الناس أن يهللوا لانتصارات صغيرة، خاصة في العراق الذي عانى من داعش وارهابه ولكن أعتقد أن من المبكر التهليل والاحتفال بالانتصار النهائي فطالما بقي هناك تهميش وتمييز تجاه اهل السنة فإن داعش أو مشتقاتها ستعود وتنمو بنفس الاسم أو بغيره وربما أقوى من قبل، مازالت داعش حاجة لمن صنعها، لذلك من المبكر الاحتفال.

ظهرت داعش كتنظيم مرعب متوحش وهو بالفعل مرعب، مرعب بمشاهد الحرق والإعدام باستخدام السواطير والسكاكين في قتل ضحاياه بلا رحمة أو شفقة، ولكن يبقى السؤال من خلق داعش من المؤكد أن الولايات المتحدة لم تخلقها مباشرة بل خلقت الظروف التي ساهمت في إخراجها إلى حيز الوجود عندما حلت الجيش العراقي وصنعت دستورا يجعل أهل السنة الذين كانوا قادة العراق على مدى عقود، طبقة ثالثة مهمشة ليست ذات قيمة سياسية كبيرة وليست صاحبة تأثير فقد أصبحت الرئاسة للأكراد ورئاسة الوزراء للشيعة وهما أهم مركزين للحكم.

لا أحد يعلم حقيقة ما حصل في الموصل وباقي مناطق شمال العراق عندما أنهار فجأة الجيش العراقي إبان حكومة نوري المالكي ولكن سيبقى الكتاب وأصحاب الرأي يطرحون سؤالا كيف تم اقتحام سجون العراق وإخراج كل السجناء منه وهم بالآلاف ليصبحوا جنرالات داعش الحاقدين على كل ما هو شيعي أومن مذهب أخر غير سني؟

لن يبكي أحداً على داعش، لن تذرف النساء في بلادنا الشامية العراقية أو في أي مكان من وطننا العربي الكبير دمعة واحدة بل ستُلالي النساء بزغاريد الفرح لأن غيمة سوداء مسمومة قد أزيحت من سماء المنطقة، نعم ستفعل نساء بلادنا ذلك، وسترتسم علامات الفرح على وجوه الرجال ولكن من يعلم أي غيوم سوداء أخرى قادمة، القهر يولد العنف والعنف عندما يكون فرديا يصبح محركا لعنف أكبر وعندما يتحول إلى جماعة يحتاج إلى تمويل وعندما يدخل التمويل تدخل معه المخططات الدولية والاستعمارية التي تدمر الأوطان وتذهب بالأهداف النبيلة والأحلام الجميلة إلى مساحات لم تكن في حسبان من أطلقوا الصرخة الأولى أو أطلقوا الرصاصة الأولى.

سيُذكر داعش عبر صفحات التاريخ المستقبلية، سيُذكر كصفحة سوداء لدى الطبقات العلمانية وأغلبية أبناء الشعب من أولئك الذين يريدون أن يعيشوا حياة عصرية، حياة أدمية تتماشى مع روح العصر وتقاليده، مع حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية لكن ذلك مشروط بإزاحة الظلم عن أهل السنة في السياسة والحقوق إذ طالما بقي هناك ظلم، غبن وتهميش فإن الروح الداعشية قد تملأ قلوب الكثيرين وتصبح داعش وأفعالها منارة لأجيال قادمة من الانتحاريين والقتلة الذين سيرون في أرث داعش أرثا مقدسا يجب السير على نهجة وهذا يعني دورات جديدة من الدم ستملأ فضائنا وفضاءات العالم.

مفكر وباحث فلسطيني