حقيقة خطة عباس و تجاهل الموقف الإسرائيلي

الأحد 16 أبريل 2017 12:07 م / بتوقيت القدس +2GMT
حقيقة خطة عباس و تجاهل الموقف الإسرائيلي



اطلس للدراسات

في غمرة جولات غرينبلات بالمنطقة بهدف بلورة آليات وأفكار لإطلاق مفاوضات جديده تثمر عن صفقة كبرى، وحصول عباس على دعوة لزيارة البيت الأبيض، ونجاح قمة البحر الميت من حيث حضور عدد غير مسبوق من الملوك والزعامات، ومن حيث المصالحات الجانبية التي تمت بفضل التدخل الأمريكي؛ أعلنت حركة حماس عن تشكيل لجنتها الإدارية لإدارة قطاع غزة للتغلب على إهمال وتهميش القطاع من قبل حكومة الحمد الله، حسبما تقول حركة حماس، وهي لجنة كانت موجودة منذ سنوات، لكن لسبب ما الإعلان الرسمي عنها ونيلها ما يشبه ثقة تشريعي حماس استفز عباس الذي أعلن عن نيته اتخاذ إجراءات غير مسبوقة، ويبدو ان أحدًا لم يأخذ تصريح عباس على محمل من الجد، بما في ذلك اللجنة المركزية لحركة فتح وغالبية وزراء حكومة الحمد الله.

مجزرة الرواتب - باقتطاع ما بين 30-50% من رواتب جميع الموظفين التابعين للسلطة في القطاع، بما في ذلك الأطباء والمدرسين الملتزمين بالذهاب إلى أعمالهم الوظيفية يوميًا - جاءت صادمة ومفاجئة للجميع، كعاصفة رعدية في يوم صيفي، فترجمت ردود الفعل هول الصدمة، ويبدو ان من شارك في القرار أو اطلع عليه لا يتعدوا أصابع اليد الواحدة، والبرهان هو القدرة العالية على كتمان القرار وعدم تسريبه، فضلًا عن ارتباك وتناقض تصريحات بعض أعضاء لجنة فتح المركزية، وارتباك بيان الحكومة الذي حاول أن يوضح أسباب الحسم، فوقع في الكثير من التناقضات.

فتح غزة شعرت بهول الصدمة وأطلقت العنان لتصريحات ومطالب وحراك، كان يمكن ان تصل لو استمر تفاعلها إلى ما يشبه حالة من الطلاق مع فتح الضفة أو فتح عباس، كما ان دحلان وتياره في القطاع سارع إلى ركوب موجة الاحتجاج، واعتقدوا بأنها فرصتهم الكبرى التي جاءتهم من حيث لا يحتسبون، لكن الأخطر في الأمر هو الضرر الأكبر الذي اصاب النسيج الوطني الفلسطيني، فتقدمت كثيرا الهوية الإقليمية على الهوية الوطنية.

إلا ان اجتماع مركزية فتح الذي جاء على إثر الاحتجاجات الغاضبة، وفي محاولة منه لاحتواء الاحتجاجات مثّل محطة مفصلية وذكية، حيث تبنى موقفًا وتحدث بلهجة حازمة غير مسبوقة، وأعلن خطته لاستعادة القطاع إلى الشرعية الفلسطينية، فشكل لجنة سداسية وحملها خمسة مطالب لحركة حماس غير قابلة للنقاش أو للتجزئة بلغة آمرة حازمة، فتحولت مجزرة الرواتب إلى أولى خطوات خطة كبرى تنظم هجوم استعادة غزة، فانسحبت فتح غزة من كل أشكال الاحتجاج، فهي لن تجرؤ على الاحتجاج ضد استعادة غزة، وبلع دحلان وتياره لسانه، فهو الآخر لا يستطيع أن يظهر بمظهر من يضع العصي في دواليب عربة استعادة غزة من حكم حماس.

وانهالت التسريبات والتحليلات عن الخطوات والسيناريوهات التالية في خطة عباس، وعن وجود إسناد أمريكي وتوافق إقليمي كمقدمة لإنجاح صفقة ترامب الكبرى، وبدى وكأن كل شيء مخطط بدقة من ألفه إلى يائه ضمن مشروع كبير للمنطقة، يبدأ بالقضاء على الكيانية السياسية للإسلام السياسي، بدءًا من دولة "داعش" وانتهاءً بدولة حماس. مجزرة الرواتب كانت من بين مطالب غرينبلات التي حملها لعباس، وفي هذه الجزئية لابدّ من التأكيد على ان غرينبلات حمل لعباس المطلب الإسرائيلي بقطع مخصصات أسر الشهداء والأسرى، لأنهم يرون في استمرار صرف الرواتب لهم "تشجيعًا للإرهاب"، عباس من جهته لم ينفذ ما طلب منه، ويواصل صرف الرواتب المرفوضة أمريكيًا وإسرائيليًا وأوروبيًا، لكنه نفذ مجزرته ضد موظفين رسميين.

فهل حقًا توجد خطة كبرى؟ وهل يمكن لها أن تنجح؟ إننا ننصح بأخذ نفس عميق، والتسلح بالروية والتجربة قبل ركوب السحب العابرة، وإنعاش الذاكرة بالحقائق وبالثوابت، ومن بينها نذكر:

في اليوم التالي لمجزرة الرواتب، صادق الرئيس عباس على قانون فتح باب التوظيف في الضفة، أي ان ما أخذه من غزة سينفق بعضه على الأقل في وظائف حكومية بالضفة، أي ان أموال غزة المقتطعة - التي تقترب من العشرين مليون دولار شهريًا - سوف تنفق في الضفة لتعزيز استقرار السلطة التي تعاني حالة كبيرة من عدم الاستقرار، ثم ان الخصم طال حتى العاملين في الضفة والمسجلين على قيود غزة، والذين لا يدعمون اقتصاد حماس.

عباس الذي لم يزر منذ آخر انتخابات مدن نابلس والخليل وقلقيلية وطولكرم وجنين، من غير المحتمل أنه يرغب حقًا بالعودة إلى غزة، وهي في نظرة جبل من الأزمات المتراكمة والأشواك بدون قطرة رحيق واحدة، عدا عن أنه لن يكون صاحب القوة على الأرض، وستتحول الساحة المقابلة لديوان رئاسته في غزة إلى ساحة تجمع دائمة لأصحاب المظالم والمطالب من كل فئات الشعب.

عدم استجابة عباس لحل أزمة رواتب موظفي حماس تعتبر إملاءً تعجيزيا لحماس، التي لا تستطيع قبول أية مصالحة لا تأخذ بعين الاعتبار ما استجد من أمر واقع خلال العشر سنوات.

حركة حماس تتمتع بقوة كبيرة جدًا في القطاع على مستوى التنظيم والتماسك، وعلى المستوى العسكري والجماهيري، ولديها التزامات كبيرة، وليس من المتوقع أن تستسلم وتسلم الجمل بما حمل نتيجة لتلويح بضغوط بلا رصيد حقيقي؛ إلا أن جاء ذلك في إطار إحساسها بالمسؤولية تجاه جمهور القطاع.

بغض النظر عن الموقف العربي والأمريكي الذي ربما يكون داعمًا لخطوات عباس؛ فإن الموقف الإسرائيلي يبقى هو العنصر الأكثر فاعلية والأكثر أهمية تجاه القطاع، ولا زال الموقف الإسرائيلي ثابتًا على تفضيله وتمسكه بالانقسام وإبقاء القطاع تحت مسؤولية حماس ورفضه لعودة السلطة إلى القطاع، ولدى إسرائيل معضلة كبيرة تتمثل في أن زيادة أزمات القطاع قد تؤدي إلى انفجار ضدها، وهي تتبني سياسة الحصار المتنفس، أي المحافظة على أزمة مستمرة دون الوصول إلى حد الانفجار. وفي هذا السياق نذكر ان منسق شؤون الحكومة الإسرائيلية بولي مردخاي اتهم السلطة في الأسبوع المنصرم بأنها تعطل الجهود الرامية لتخفيف أزمات القطاع، ووجه كتابًا إلى الأمم المتحدة بهذا الأمر، كما ان إسرائيل تتبنى اليوم موقفًا يخطئ منح السلطة حق الفيتو على إعمار وتطوير القطاع. لكلّ من حماس وإسرائيل مصلحة مشتركة في الحفاظ على استمرار حالة التهدئة.

من الملاحظ أن قناة الجزيرة التي تمثل السياسة القطرية لسبب ما تجاهلت ملف الأزمة من التغطية، على غير عادتها فيما يتعلق بأحداث أقل أهمية لها علاقة بحماس، ومن جهة أخرى نلاحظ ان الإعلام المصري - وعلى غير عادته - لم يربط حماس، لا من قريب ولا من بعيد، بتفجيرات الكنائس، وكأن مصر التي تقف رسميًا مع توجهات عباس لا تراهن عليه.

عباس ربما يستطيع أن يزيد الأمور تأزيمًا، رغم أننا نعتقد بأن الأمم المتحدة وأوروبا لن تسمح أن تصل الأوضاع في غزة إلى كارثة إنسانية، فقدرته على شد الحبل محدودة، وعباس - الذي فشل كثيرًا وتصرف أحيانًا بشكل غير مفهوم (بث خطابه عن دحلان واتهاماته الأمنية لدحلان) - لن يبالي بفشل آخر، وبالنسبة له سيكون توفيره مبلغ العشرين مليون دولار إنجاز كبير بحد ذاته، فضلًا عن معاقبة حماس والشعب في غزة معاقبة تنطوي على نوع من العقاب الجماعي.

ربما خطة عباس - إن كان لدية خطة أصلًا - تقوم على تأزيم الحالة المعيشية في القطاع، وإغلاق كافة المخارج، بحيث يضطر حماس للذهاب إلى خيار الحرب، وهو يدرك بأنها ستكون حربًا مدمرة أخرى، لكنها لن تأتي بأي تغيير استراتيجي، فهي أشبه بالتدمير الذاتي العبثي بدون أهداف حقيقية يمكن تحقيقها، وهي فضلًا عن ذلك تؤسس وتعمق لفصل غزة ودولنتها، فأي عبثية أكثر من ذلك لمن يعلن أن دوافعه الحقيقية هي خشيته تكريس فصل القطاع ودولنته؟!

"اطلس للدراسات