خبر : لماذا تخشى دول الخليج إيران؟! ...بقلم: محمد ياغي

الجمعة 29 نوفمبر 2013 09:46 ص / بتوقيت القدس +2GMT



يمكن للمواطن العربي أن يفهم المخاوف الإسرائيلية من الاتفاق الأميركي- الإيراني ولكن من الصعب عليه أن يفهم حقيقة مخاوف بعض دول الخليج من هذا الاتفاق. إسرائيل لا تريد دوله قوية في المنطقة يمكنها أن توقف هيمنتها العسكرية عليها. ولأنها تدرك بأن مهاجمة إيران عسكرياً سيكون له تبعات قاسية عليها فقد كانت تأمل وتضغط بكل ما لديها من قوة لتوريط الولايات المتحدة والغرب في حرب مع إيران تخرجها من معادلة القوة كما أخرجت العراق سابقاً منها. لذلك يمكن وضع رد الفعل الإسرائيلي على الاتفاق في سياق فشل سياستها القائمة على توريط غيرها في حروبها هي.

لكل ما يحتاج الى فهم هو موقف بعض دول الخليج العربي المتحفظ من الاتفاق، وهذا البكاء غير المفهوم من أن الاتفاق جرى على حساب هذه الدول وأمنها. دعونا بداية "نُنُصِف" بعض مشاعر هذه الدول لأنها شاركت بفعالية عالية في حصار إيران على الرغم من أن حجم مبادلاتها التجارية معها يكاد يكون صفرا ـ باستثناء الإمارات العربية التي لم تتورط في الحصار خوفاً على مصالحها الاقتصادية حيث يَعبر الى إيران 32% من احتياجاتها الخارجية عبر ميناء دبي. العربية السعودية مثلاً عرضت على الصين أسعارا تفضيلية للنفط بهدف إقناعها بعدم استيراد النفط من إيران، ونجحت نسبياً في ذلك. وليس هذا فقط، ولكن قامت السعودية بشراء أسلحة بمبلغ يزيد على 57 مليار دولار في العام 2011 من الدول الغربية بهدف التأثير على مواقفها السياسية، لعلها تقوم بإعلان الحرب على إيران. مشاعر هذه الدول الغاضبة من الاتفاق حقيقية لأنها، كما إسرائيل، راهنت على ضربة أميركية تريحها من إيران، كما أراحتها سابقاً من العراق.
مخاوف هذه الدول المعلنة هي من قدرة إيران على امتلاك سلاح نووي، لكن هذا ليس أكثر من ادعاء "مخادع" لأن الأسلحة النووية بطبيعتها ليست أسلحة هجومية ولكن دفاعية. الدولة الوحيدة التي استخدمت هذا السلاح ولمرة واحدة، ولغايات تجريبية، كانت الولايات المتحدة قبل سبعة عقود. هذا السلاح لم يستخدم بعدها من قبل أية دولة في العالم. لذلك لا يمكن ربط امتلاك هذا السلاح بالقدرة على استخدامة. هذا سلاح دفاعي وربما لهذا السبب تتخوف بعض دول الخليج منه، فهو سيحرم الراعي الاكبر لهذه الدول (الولايات المتحدة) من القدرة على تدمير إيران. في الوقت نفسه، امتلاك هذا السلاح لا يعني بأي حال أن إيران سيصبح بإمكانها مهاجمة هذه الدول بأسلحة تقليدية لأن لديها قوة ردع نووية، فهذه الدول لديها مظلة نووية أميركية لا تسمح لإيران ولا حتى لروسيا بمهاجمتها. لماذا إذا هذا الخوف من إيران؟
يميز من يدرس العلوم السياسية يميز بين ما يسمى المعضلة الأمنية الخارجية (security dilemma) والناتجة في الأساس عن الخوف من اختلال التوازن الإقليمي وبين ما يسمى بالمعضلة الأمنية الداخلية (insecurity dilemma) ومصدرها الفعلي شعور النظام بعدم شرعيته. المعضلة الأولى تأتي في سياق خوف الدولة على أمنها الوطني، أراضيها ومصادرها الطبيعية والمائية التي قد تستولي عليها دولة أخرى بفعل الخلل في ميزان القوة العسكري.
بمعنى أن خوف دول الخليج من إيران القوية سيدفعها لامتلاك قوة موازية لها لحماية نفسها. لكننا نعلم، وهذه الدول تعلم، بأنها دول محمية بتوازن عالمي وليس إقليمي. عندما تجرأ صدام حسين على احتلال الكويت، لم يجرِ طرده منها وتدمير قواته العسكرية فيها، ولكن جرى أيضاً محاصرته في العراق وتقليص المساحة الجغرافية التي يسيطر عليها في العراق نفسه، وانتهت حرب الكويت فعلياً بعد ثلاثة عشر عاماً باحتلال العراق وإعدام صدام.
المسألة إذاً ليست معضلة أمنية خارجية تعاني منها هذه الدول لأنها تدرك بأن مصير إيران لن يكون بأفضل من العراق في حالة احتلاله لدولة قطر أو السعودية. مشكلة هذه الدول هو في معضلتها الأمنية الداخلية. شعورها بالتهديد ليس نتاج عوامل خارجية ولكنه في الأساس نابع من داخلها، من الشعور بعدم الاطمئنان لشعوبها. بلغة أخرى، من شعور أنظمتها بأن شرعيتها غير حقيقية ومهددة. الانظمة وراثية في عصر لا تنظر الشعوب فيه بأي إحترام لأنظمة مؤهلها الوحيد هو احتكارها للقوة.. ومشكلتها في أنها تحتكر الثروة كما لو أنها نعمة الله لها وحدها وليس لعشرات الملايين من البشر الذين يعيشون على أراضيها.
انعدام الشرعية لهذه الانظمة يبقيها أسيرة الخوف من عامل آخر وهو قدرة دول خارجية على التأثير على شعوبها للإطاحة بها. إذا علمنا مثلا، أن الغالبية التي تسكن هذه الدول (بإستثناء السعودية) ليست منها وهي في الوقت نفسه مجردة من كل الحقوق الإنسانية يمكننا ان نتصور حجم الخوف الذي تعيش فيه هذه الانظمة. وإذا علمنا أيضا بأن الغالبية في بعض الدول والأقلية في بعضها الآخر لا يتمتع بأية بحقوق سياسية بسبب "إختلاف طائفته الدينية" عن طائفة الحاكم، فإن الخوف لدى هذه الانظمة من تأثير دول خارجية مثل إيران على شعوبها يصبح أكبر.
صدام لم يذهب الى الحرب ضد إيران العام 1980 لإستعادة جزر ثلاث كان قد وافق على بقائها تحت السيادة الإيرانية في إتفاق الجزائر مع الشاه العام 1975، ولكن خوفاً من إمتداد الثورة الإسلامية الإيرانية لأراضيه. بالمثل، السعودية وبعض دول الخليج، لا تخشى إيران النووية، ولكن تخشى من تأثير إيران على شعوبها بعد أن أصبحت محاصرة بعراق مؤيد لإيران. ليس مهماً إن كانت إيران نووية أو غير نووية، المهم أنها أصبحت قادرة على التأثير على شعوب هذه البلدان وقوة تأثيرها ظاهرة في البحرين، واليمن، كما في العراق ولبنان وسورية، وهذا ما يخيف أنظمة دول الخليج.
المعضلة الامنية الداخلية لا تحل بتدمير إيران- كما تريد وتتمنى هذه الدول، ولو كان ممكناً لفعلتها إسرائيل منذ زمن بعيد- ولكن بالمصالحة مع شعوبها وبالحصول على الشرعية منها، وهي مسألة غير ممكنة بدون إطلاق الحريات العامة بما فيها حرية التعبير وتشكيل الأحزاب بالإخطار،وقبول مبدأ التداول السلمي للسلطة عبر إنتخابات نزيهة، وفوق ذلك كله، إحترام حقوق ملايين البشر الذين يعيشون في هذه الدول،.