خبر : لماذا كل هذا الكره المصري للإخوان وأفكارهم؟! ...بقلم: د.علاء أبوعامر

الخميس 04 يوليو 2013 12:22 م / بتوقيت القدس +2GMT
لماذا كل هذا الكره المصري للإخوان وأفكارهم؟! ...بقلم: د.علاء أبوعامر



قبل سنة، بالضبط في اليوم الذي تسلم فيه رجل الاخوان المسلمين محمد مرسي الحكم في مصر قدر مصدر امني اسرائيلي كبير في مداولات داخلية بان الرئيس الجديد سيجد صعوبة في البقاء في منصبه حتى ولو 12 شهرا. وتنبأ فقال: "عندما سيتلقى الاخوان المسلمون الحكم، سيفهم الشعب بان القرآن لا يمكنه أن يحل مشاكل البطالة والمجاعة، وسيضطرون الى الانصراف". نحن نعتقد أن المشكلة ليست في الإسلام بل في السياسة والأقتصاد والإدارة والمنهجيات الخاطئة التي أتبعها الإخوان في قيادة مصر أهم وأكبر بلد عربي . الأيام القادمة ستحدد طبيعة وحجم الضربة التي تعرض لها الإخوان وحركات الإسلام السياسي ولكن إلى أن تنجلي طبيعة ما سيحدث ، فإننا نعتقد أنها ضربة كبيرة وهي اكثر من نكسة فالانتكاسات السياسية تحصل عند خسارة انتخابات أما ما حدث يوم ٣٠/٦ فهو ثورة ، ثورة بكل ما للكلمة من معنى ، ثورة ضد حكم الإخوان المسلمين ، وهو ما يعني إجماعاً شعبياً ونخبوياً مصريا على رفض منهج الإخوان في الحكم والإدارة والحياة و في غيرها من القضايا ذات الأبعاد الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، وعندما نقول الثقافية والأجتماعية والسياسية فإننا نعني التوظيف السياسي الخاطئ للدين الإسلامي الحنيف من خلال تكفير كل من لا يتفق مع المذهب الوهابي المتزمت الذي تتبناه حركة الإخوان المسلمين والذي يصلح ربما للمجتمعات البدوية ولا يصلح للمجتمعات المدنية كمجتمعات بلاد الشام ومصر وبلدان شمال أفريقيا كتونس والجزائر والمغرب وهي مجتمعات حضارية عمرها الآف السنين . مصر بلد الأزهر الشريف الذي يتبنى منهج مدرسة الأشاعرة الذين استخدموا العقل في توضيح مسائل العقيدة، والتأويل لشرح ألفاظ القرآن الموهمة للتشبيه وهذا الإسلام هو الإسلام المتسامح الذي يقبل بالاختلاف على قاعدة و" جادلهم بالتي احسن " ، وهذا ما يرفضه بعض أهل الحديث وكل السلفيين وينتقدونهم عليه ويعتقد الأشاعرة أن الدعوة للإسلام تحتاج إلى الحديث بلغة العصر العلمية السائدة، واستعمال المصطلحات العلمية، ومناقشة المعارضين على أسلوبهم العقلي وأن الدين خاطب العقول جميعا، وعلى الناس أن يؤمنوا بما جاء بالكتاب والسنة، وأن يقووه بما يشاءون من أدلة. و يعدّونه أفضل الجهاد وأعظم القربات وهذا مفترق الطرق بينه وبين كثير من الحنابلة والمحدثين الذين يتأثمون ويتحرجون من النزول إلى هذا المستوى" . نعم لقد صدُم المصريون وشعروا بالغربة من معتقدات الإخوان المسلمين الوهابية ، صحيح أن الشعب المصري شعب مؤمن متدين بطبيعته ولكنه مؤمن بإسلام غير متزمت ، مؤمن بإسلام متسامح بإسلام وفق منهجية الشيخ محمد متولي الشعراوي أي بإسلام الأزهر الشريف . لقد بنى الإخوان المسلمين والسلفيين من خلال معتقداتهم الغريبة عن وجدان وعقلية الإنسان المصري ، جدار من الكراهية بينهم وبين هذا الشعب ، جدار لا يمكن هدمه ببساطة بل ربما سيعلو أكثر يوماً بعد يوم. وقد فاقم ازدراء الإخوان وحلفائهم من التكفيريين لباقي الأديان والمذاهب والطوائف الإسلامية منها وغير الإسلامية و وصمها بالكفر من كراهية الشارع المصري لهم ، خصوصاً أن التحريض المذهبي الذي مارسوه من خلال كبار مشايخهم وبحضور الرئيس محمد مرسي أدى إلى قتل عدد من أفراد الطائفة الشيعية في جريمة نكراء أقشعرت لها الأبدان وشكلت صدمة للوجدان الأخلاقي لمعظم المصريين والعرب عامةً الذين تعودوا على التسامح والتراحم بين طوائفهم الدينية المختلفة . يقول أحد الكتاب الصهاينة في مقال له حول ثورة ٣٠ يونيو " إن الشعارات التي تُسمع اليوم ويُضاد بعضها بعضا في ميادين مصر العنيفة تجسد الفرق الكبير بين التخلف والتقدم في مصر، ففي حين يصرخ الاسلاميون الذين يحتشدون في ميدان مسجد رابعة العدوية بالمتظاهرات العلمانيات "صوت المرأة عورة" يصرخ المحتشدون العلمانيون في ميدان التحرير قائلين "المرأة هي الثورة " . نعم هذه هي الصورة بين طرفي المعادلة المصرية طرف يريد أن يعيد مصر إلى ظروف أشبه ما تكون بالقرون الوسطى و طرف أخر يريد أن يحافظ على مكتسباتها الحضارية لينطلق بها في رحاب المستقبل مسايراً بذلك أمم العالم المتمدنة التي تخطو إلى الأمام . لم ينجز الإخوان خلال سنة حكمهم شئ على صعيد استعادة مصر لمكانتها وقدرها بين دول العالم ، بل على العكس من ذلك فقدت مصر الإخوانية المكانة الرائدة التي كانت تتمتع بها مصر الدولة حتى في عهد أسوء رؤسائها محمد حسني مبارك ، وأصبحت مجرد تابع صغير ينفذ السياسة القطرية المغامرة وبأوامر من المرجع الديني الأعلى للجماعة الإخوانية الشيخ يوسف القرضاوي القطري الجنسية .وكذلك فقد تبين لأغلبية الشعب المصري حقيقية سياسة الإخوان المسلمين ، حيث ظهر هؤلاء كأصحاب سياسة خارجية تخدم تمكين الجماعة من الحكم في بلدان العالم العربي ليس إلا ، وفي سبيل ذلك عقدوا تحالفاً مع الولايات المتحدة في صفقة تاريخية رعتها قطر وتركيا تنص على دعم حكم الإخوان في بلدان العالم العربي مقابل حمايتهم لمصالح أمريكا وأمن إسرائيل لقد نسي الإخوان كل شعاراتهم السابقة المتعلقة بمحاربة إسرائيل والصهيونية وتحرير القدس وأصبحت قضية الحكم والصراع الطائفي هي القضايا المركزية بالنسبة لأستراتيجيتهم المستقبلية ، وكل ذلك لنيل رضا الولايات المتحدة و ربيبتها إسرائيل وبذلك خسروا كل الرصيد الذي جمعته لهم حركة حماس الفلسطينية على مدى أكثر من عشرين عاما من الجهاد ضد إسرائيل ، فقد أثبتوا وبالمطلق إدعائات خصومهم بأنهم غير ثوريين بل هم رجعيون ومتخلفون ومرتبطون بشكل أو بأخر بالدوائر الغربية . لقد انهارت شعاراتهم بسرعة وبان زيفها خلال سنة واحدة من الأختبار الجدي كل ذلك ، بالإضافة إلى أن سياساتهم الخاطئة والتي تفتقد إلى أبسط قدر من التخطيط السليم أدت إلى تردي الوضع الأقتصادي حيث يجمع عدد من المحللين السياسيين والأقتصاديين أن العديد من المصانع في القطاع العام باتت مهددة بالانهيار بسبب ثقل الاضرابات. و أزدياد أعداد الشباب الذين أصبحوا بالآلاف في قائمة العاطلين عن العمل ، ومن المعروف أن سوء الأوضاع الاقتصادية وغياب التوافق السياسى قلص من حجم الاستثمار بصورة كبيرة، كما أن حالة الانفلات الأمنى الذى تعيشه البلاد باتت غير مسبوقة، فقد اختفى رجال الشرطة ولم يعد هناك أمن في الشوارع. ونتيجة لهذه الأوضاع تراجعت السياحة في هذا البلد حتى وصلت لدرجة الانهيار، وتراجع الجنيه المصرى بصورة دراماتيكية أمام العملات الأجنبية، . حٓضر الإخوان قيادات وأتباع أنفسهم لقيادة الأمة منذ ما يقارب السبعين سنة ولكنهم عندما وصلوا إلى هدفهم المنشود سقطوا في أول تجربة ، سقطوا سقوطاً مدوياً قد يكون من الصعب عليهم الوقوف على أرجلهم من بعده ، فقد تبين أنهم اتكاليون لا يملكون أي برامج أقتصادية أو رؤية سياسية ، و الأهم من ذلك أن أفكارهم وتصرفاتهم ومناهجهم بعيدة كل البعد عن عقلية وسلوك الإنسان المصري ... كان الإخوان قبل ثورة ٢٥/١ /٢٠١١ محظورين حكومياً أما اليوم وبعد ٣٠/٦/٢٠١٣ وبسبب تصرفاتهم وعنجهيتهم و محدودية بصيرتهم أصبحوا محظورين شعبياً ومجتمعياً. في سنة واحدة فقط من الحكم خسروا كل ما بنوا عليه آمالهم مدة سبعين سنة هل هو الغباء أم سوء التقدير أم أنهم تعرضوا لخديعة ، باعتقادي هي الأولى والثانية ،أما أنهم خُدعوا فلا ، لكن المؤكد أنهم خدعوا أنفسهم ...   كاتب وباحث وأكاديمي فلسطيني