خبر : نعم ...غاضبون من القرضاوي..! ...أكرم عطا الله

الإثنين 13 مايو 2013 01:16 ص / بتوقيت القدس +2GMT
نعم ...غاضبون من القرضاوي..! ...أكرم عطا الله



            ما الذي يجعل شخصية دينية بهذا المستوى مختلف عليها وتحظى بكل هذا السجال ؟ فالشيوخ دوما كانوا يحظون بالاحترام والتبجيل وقد وضعهم الناس في مرتبة أعلى من البشر من يذكر شيخ القرية قديما ؟ تلك الشخصية التي لا زالت عالقة في أذهان الجيل الذي هاجر من النكبة وجسدها مسلسل باب الحارة ، إنه الشيخ الهادئ ذو اللحية البيضاء ويفيض طيبة ومحبة وتسامح، المبتسم دوما وأكبر من الخلافات وهو رجل الإصلاح وفوق الجميع الذي يسعى دائما للتوفيق والدعوة بالموعظة الحسنة ، لم يكن بيتا في القرية يقيم وليمة إلا ويكون الشيخ أكبر ضيوفه ، كان الجميع يحبه وله من قوة الإلزام ما لا يملكه القائد السياسي ، حتى ذلك القائد كان دوما يسعى لاسترضاء رجل الدين ،وحين تبلغ ذروة غضب الشيخ على أحد يقول " الله يسامحه " أو بالجمع أو " لا حول ولا قوة إلا بالله " وهذه أقسى كلمة تخرج منه ولم يكن طرفا في أي خصومة ولا ينحاز لأحد .        في عصرنا نرى شيوخا غير الذين اعتدنا عليهم ، ومختلفون عن الصورة التي رسمناها في ذاكرتنا ونزل الشيوخ من مستوى الإجماع الروحي إلى مستوى الخلاف السياسي ووضعوا أنفسهم وسط تحالفات  تعج بها المنطقة ، رأينا شبحا يشتم ببذاءة مخجلة عرضها أكثر من مرة الإعلامي المصري باسم يوسف والشيخ الهادئ تحول إلى زوبعة ورأينا الشيخ يزبد ويعربد ويهدد ويحرض على القتل ، وآخر يكفر وغيره يدعو للإقصاء ولأول مرة نكتشف أن للشيخ مثلنا شرايين تنتفخ في رقبته وهو يدافع عما هو مختلف عليه ، فقدنا الصورة التي أحببناها عندما كان كل منا يناديه يا " شيخي " تقربا أو باعتبار أن لكل منا نصيب في هذه الهالة .        أمي التي لم تكن تعرف القراءة والكتابة حين كنت طفلا كنت اسمعها وهي تصلي الفجر ، كانت تخطئ في الدعاء وبالكاد تحفظ الفاتحة وسورة الصمد علمها إياها جدي الأمي ولكنها كانت من الطيبة والأخلاق ما يوزع على المخيم ، لم أسمعها تستغيب أحد ولا تتحدث عن الناس إلا بالخير ، لم تكذب يوما ولكن جاري الشيخ الملتحي الذي يحفظ القرآن كله لا يتوقف عن شتم خصومه السياسيين ويغير آراءه وفقا لما تقتضيه ضرورات السياسة وإن اضطر إلى الكذب .        هبط الشيخ من عالم الإجماع إلى عالم المحاصصة ، من الدين الذي يمثل الجميع إلى السياسة التي تمثل جزء مختلف مع غيره ، ولأن السياسة تعبير عن المصالح أصبح للشيوخ مصالح يدافعون عنها ويقاتلون حد العظم مسلحون بما تقتضيه ضرورات الحرب وقيل قديما أن الحرب خدعة ،ولأن المصالح هي مادة العمل اليومي للصراع بين البشر، فاختفت الصورة النبيلة لشيخ القرية وحلت محلها صورة لشيخ السياسة الذي يحسب بلغة المصالح لا بلغة المبادئ ، بلغة الحياة لا بالآخرة ، بلغة العلاقات الدولية واستحقاقاتها ولم نعد نحن الهم الوحيد للشيخ  ولم تعد قضايانا هي أولوياته واختلفت الحسابات .        يسقط القادة حين يقولون موقفين في قضية واحدة ولأن مرجعية الدين لا تقبل تغير المواقف لاستنادها إلى نصوص ثابتة وراسخة فإن السقوط المدوي لرجل الدين أكبر بكثير من رجل السياسة وقد فعلها القرضاوي أكثر من مرة  ففي زيارته لليبيا عام 2003 التي تحتفظ الشبكة العنكبوتية بآثارها بصورة مشتركة للشيخ يقف شامخا إلى جانب القذافي وصف القرضاوي العقيد " قائلا : قائد الثورة صاحب التحليلات العميقة الواضحة لمجريات  الأحداث"   هذا حين اكتشف عمق وعبقرية القذافي عندما كان القذافي صديقا لقطر وكان القذافي قد ارتكب مذبحة بحق الإسلاميين في الثمانينات  وبعد سنوات من الإعجاب والمدح حين  بدأت التظاهرات في ليبيا أفتى الرجل بقتل صاحب التحليلات العميقة قائلا " من يستطيع أن يقتل القذافي فليقتله ومن يتمكن من ضربه بالنار فليفعل ليريح الناس والأمة من شر هذا الرجل المجنون " مرة القذافي محلل عميق ومرة مجنون كيف نفهمها من رجل الدين ؟؟ وكرر ذلك مع بشار الأسد حين زاره مرة والآن يتقلب عليه وبتوافق تام  مع السياسة القطرية .        ربما أن القذافي والأسد أسوأ الحكام العرب تجاه شعوبهم وكلاهما ارتكب جرائم بحق شعبه لكن سقطة القرضاوي الأكبر انه استنجد بالناتو كما يصفه معارضوه ب "مفتي الناتو" للانتصار على هؤلاء ثم دعا القرضاوي القوات الأميركية لضرب سوريا وهذه أثارت غضب الكثير ممن بكوا يوم سقطت بغداد في أيدي القوات الأميركية ومنذ يومها فقدنا عاصمة الرشيد وخرج أقوى جيش عربي من حسابات إسرائيل وهذه هي بوصلة الفلسطيني الذي يحسب فقط بمقاييس ردع إسرائيل ومن يقف في وجهها بدء من صدام انتهاء بحزب الله الذي وصفه الشيخ بحزب الشيطان وهو الظاهرة الوحيدة التي شكلت إسرائيل لجنة تحقيق للفشل "لجنة فينوغراد" وهذه اللجنة الثانية بعد حرب 73 " فعدو عدوى صديقي " فما بالنا عندما يكون الأمر يتعلق بصديق حقيقي لم يبخل بالأرواح والسلاح والمال والإعلام . وتشبه دعوة القرضاوي لضرب سوريا فيما لو دعت حركة فتح إسرائيل لضرب حماس ولن تفعلها فتح لكن الموقف منها واحد يصل حد الخيانة فكيف هو موقف من يدعو الأجنبي للتدخل؟.        لهذا كانت زيارة القرضاوي لغزة مختلف عليها فقد أصبح الرجل جزء من تيار سياسي وهذا الجزء له خصوم كثر في الوطن العربي وحتى في فلسطين وفي غزة التي تعيش الانقسام طولا وعرضا وارتفاعا وسقوطا حتى ، هذا بالنسبة للسياسيين وإن كانت حسابات الكتاب مختلفة عنهم ولكن طالما أنه جزء من هذا التيار من الطبيعي أن يجد من لا يرحب به لأنه ببساطة كسر صورة الشيخ الجليل في أذهاننا تلك الصورة الجميلة حين كان الشيخ بسيطا في حياته زاهدا يعيش في بيت فقير يشبه الصومعة لا في الفلل والقصور كان يمضى يومه متعبدا في المسجد أو سيرا على الأقدام أو نرسل له من يحضره لا أن يركب أفخم السيارات والطائرات..!