خبر : ربيع الحرية وخريف العقول.. د.عبير عبد الرحمن ثابت

الثلاثاء 03 يوليو 2012 12:20 م / بتوقيت القدس +2GMT
ربيع الحرية وخريف العقول.. د.عبير عبد الرحمن ثابت



احتاج الفيلسوف الألمانى ايمانلو كانت سنوات من الكتابة .. في العلم والفلسفة والأخلاق والجمال والفلك والمنطق والميتافيزيقا ، ليصنف الحرية إلى حرية سالبة أو شخصية وهى إمكانية اتخاذ القرار دون قيود ؛ وحرية موجبة وهى حرية معطاة ليستطيع الإنسان ممارسة الحرية السالبة وهى حق إنساني أساسي فعلى سبيل المثال إذا كانت الحرية السالبة هى حرية إبداء الرأي فان الحرية الموجبة تكون السماح للشعب بممارسة هذه الحرية دون أن يتعرض للقمع والاعتقال . و وإيمانلو كانت هو أحد أهم فلاسفة التنوير فى العصر الأوروبي الذى قال  كل ما هو مطلوب لهذا التنوير هو الحرية ، " ولا أحد يستطيع إلزامي بطريقته كما هو يريد ، كما يؤمن هو ويعتقد أن هذا هو الأفضل لي وللآخرين  لأصبح فرحا وسعيدا . كل منا يستطيع البحث عن سعادته وفرحه بطريقته التي يريد وكما يبدو له هو نفسه الطريق السليم . شرط أن لا ينسى حرية الآخرين وحقهم في الشيء ذاته .   فالحرية التى نصبو إليها التحرر من القيود المادية والمعنوية ، فكما قال فولتير أنا لست من رأيكم ولكنني سأصارع من أجل قدرتكم على القول الحرية . وتتفق العديد من الفلسفات والمدارس الفكرية على أن الحرية مرتبطة بالفطرة فالإنسان يولد حرا وبطبعه يرفض الخضوع والإملاءات والقمع والاضطهاد والشعوب بتجربتها لا تفقد الأمل بالتغيير فما حدث ويحدث فى الدول العربية التى عاشت لسنوات تحت حكم بوليسي قمعى هو خير برهان . وأصبحت ممارسة الحرية بالنسبة لهذه الشعوب كسفينة النجاة التى ستعيد ترتيب أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية . وأسقطت قاعدة أن المواطن العربي ريشة فى مهب ريح الحاكم يرمى بها أينما شاء .   والإنسان حر .. كما أشار بذلك رب العزة فى سورة الكهف " فمن يشاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " آية 29 ، أى أن الإنسان مخير وليس مسير فقد كفل له الله حق الاختيار ، وكافة الأديان السماوية والوضعية كفلت للإنسان حريته  وحثته على عدم التعصب والتطرف فى آرائه وتقبل الآخر . فلا قيمة للشعوب إذا فقدت حرية التعبير عن رأيها والمشاركة فى اتخاذ القرار السياسي المرتبط بمستقبلها فتمسك الفرد بحريته هى أساس الحفاظ على حرية المجتمع السليم  .   وما حدث فى رام الله من قمع واعتقال للمشاركين بالمسيرة السلمية وذلك لأنهم خرجوا يمارسوا حقهم فى إبداء الرأى ويوصلوا رسالة سلمية لرئيسهم برفضهم لزيارة موفاز إلى المقاطعة ،  وذلك احتراما لأمعاء الأسرى الذى مازلت تتألم بسبب الإضراب الذى خاضوه منذ أسابيع قليلة ، ووفاءاً لدماء الشهداء الذين رفضوا أن تمر دبابات موفاز المقاطعة إلا على أشلائهم ،  وخجلاً من روح الرئيس الراحل أبو عمار المحلقة فى السماء تراقب المقاطعة ، ذلك هو نفس السيناريو الذى حدث العام الماضي حينما خرجت مسيرات فى غزة تطالب بإنهاء الانقسام بين شطري الوطن ، وبنفس الفكرة مارست حكومتي الوطن فى غزة ورام الله سياسة تكميم الأفواه ولربما بوسائل مختلفة بالرغم من أن البزة العسكرية الشرطية ظهرت فى المشهدين والمدنيين ( المخابراتيين ) انتشروا فى المسيرتين . هنا فى غزة وهناك فى رام الله تقمع الإرادة الشعبية وتصادر حقوق الإنسان المتمثلة فى حق التعبير وحق الفكر وحق الصحافة ، وبالرغم من أن الله قد ميز الإنسان عن الكائنات الحية الأخرى بالعقل الذى به ينظم حياته ويختار ما هو الأفضل له بحرية وارداه مستقلة بعيدة عن إرادة أخرى مفروضة عليه . وان يكون قادر على حرية تنفيذ أى عمل أو الامتناع عن عمله دون ضغط خارجي . إلا أن أصحاب السلطة قد منعوه بالقوة من الاستفادة من هذه الميزة الإلهية ، وما صدمنا أكثر هو استنكار وشجب القيادة فى رام الله المتواصل لممارسات حكومة غزة ومنعها للمظاهرات السلمية وتنكيلها وقمعها وسحلها للشباب الثائرين الراغبين فى إتمام  المصالحة ، وتحقيق الوحدة الوطنية . فخمس سنوات من عمر القضية الفلسطينية تكفى لهذه المهزلة السياسية التى تضع المصالح الخاصة على المصالح العامة ، وتضرب بعرض الحائط رغبة الشعب وتلهفه لتحقيق المصالحة التى أصبحت كالسراب يظنها العطشان ماء .   وفى تصريح أدلى به السيد الرئيس أبو مازن بأنه لن يسمح بانتهاك حرية الكلمة والتجمع السلمي وبنفس الوقت لن يسمح بتجاوز القانون ، وأصدر تعليماته إلى وزير الداخلية بتشكيل لجنة خاصة للتحقيق فى الأحداث ، فالجميع  لا يرغب  أن يستشرى الفلتان الأمنى فى الضفة الغربية ولكن .. لا وجود للأجندات الخارجية ؛ تلك الشماعة التى يبرر بها أفراد الشرطة قمعهم وضربهم للنشطاء السلميين سواء فى غزة أو الضفة  ، ولا يحق لأى كان تخوين احد بدون إثبات   وما حدث بحاجة لمراجعة ومحاسبة ويحب أن لا يتوقف الأمر عند تشكيل لجان تحقيق وإعداد تقارير بالأحداث المؤسفة التى أصابتنا فى غزة قبل إخواننا فى الضفة ، وما يخفف من هذه الحادثة محاسبة المخطئين وإعلام الجماهير الغاضبة بنتائج التحقيقات والإجراءات العقابية بحق من اخطأ فى حق محبي فلسطين ، وفى نفس الوقت محاسبة من تعدى على رجال الأمن الفلسطيني فجميعهم أبناء هذا الوطن . فالحياة بحرية وكرامة أفضل ألف مرة من الحياة بعبودية وترف .