الخطاب الذي ألقاه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم 24/6/2011 في الذكرى الخامسة لأسر الجندي الاسرائيلي شاليط وأعلن فيه سلسلة إجراءات وعقوبات ضد الأسرى الفلسطينيين المعتقلين في سجون الاحتلال، يعتبر أخطر خطاب سياسي إسرائيلي رسمي يضع الأسرى هدفا وساحة السجون عنوانا للعدوان على الأسرى وحقوقهم وكرامتهم الإنسانية. إن هذا التوجه الاسرائيلي الذي بدأ تنفيذه عمليا على أرض السجون منذ سنوات والذي توج جهرا بخطاب سياسي يجب أن يتم التوقف عنده باهتمام، وأن يدق ناقوس الخطر حول مصير الآلاف من الأسرى والأسيرات الذين يتعرضون لسلب كافة حقوقهم الأساسية وتشن عليهم حملة من الإجراءات التعسفية والوحشية التي لا مثيل لها. خطاب نتنياهو هو غطاء سياسي لما تقوم به حكومة اسرائيل من ممارسات لاإنسانية بحق الأسرى كالحرمان من التعليم والزيارات والعزل الانفرادي والإهمال الطبي والاقتحامات والتفتيشات العدوانية على الأسرى والعقوبات الفردية والجماعية كالمنع من الكنتين وفرض الغرامات، وعدم إدخال الكتب والصحف والملابس وغيرها من الإجراءات التعسفية التي يعاني منها الأسرى. أن يعلن رئيس حكومة تل أبيب الحرب على حقوق الأسرى العزل، هو بمثابة قرار إسرائيلي واضح بعدم الالتزام علنا بالقوانين والمباديء الدولية والإنسانية، واستهتارا بكل القيم والأعراف والشرائع العالمية وما صدر من اتفاقيات وعهود تلزم دولة الاحتلال احترام حقوق الأسرى المعتقلين في سجونها. وفي السنتين الأخيرتين سجلت دولة اسرائيل السبق في سن مجموعة من التشريعات والقوانين الجائرة التي استهدفت التضييق على الأسرى وتشديد الإجراءات القمعية بحقهم، حيث تم عرض ست مشاريع قوانين بهذا الصدد، وتم تنفيذها قبل إقرارها حتى من الكنيست الاسرائيلي. وتزامن كل ذلك بحملة تحريض إعلامية إسرائيلية مكثفة ضد الأسرى وتشويه الحقائق والمعلومات وتصوير الأسرى كأنهم يعيشون في فندق خمس نجوم، وفي محاولة لخداع العالم أولا، ولتهيئة الرأي العام الاسرائيلي لقرار الحكومة الاسرائيلية بالعدوان على الأسرى ثانيا و لامتصاص الصوت اليميني العنصري والمتطرف الذي يستخدم قضية الجندي شاليط كذريعة ومبرر للهجوم على الأسرى الفلسطينيين. نتنياهو الذي أنهى خطابه بالقول أن الحفلة انتهت، يعلم تماما أن القمع وارتكاب الجريمة بحق الأسرى قد بدأت منذ الاحتلال الاسرائيلي عام 1967، وأن مؤسسته وقادته وضباطه غارقون في أعمالهم الإجرامية وارتكاب المخالفات الجسمية بحق الأسرى من تعذيب وإعدام ميداني وقتل متعمد واعتقال القاصرين والتنكيل بهم، واحتجاز الأسرى في أماكن لا تصلح للحياة الآدمية، ومن سياسات الإذلال والبطش بحق الأسرى الى الحد الذي حول دولة اسرائيل الى دولة خارج نطاق القانون، دولة هستيرية مشبعة بكراهية الآخرين مهووسة بالسيطرة والحرب والخوف من السلام. خطاب نتنياهو تزامن مع دخول الأسير فخري البرغوثي العام الرابع والثلاثين بالسجن، وتزامن مع إجماع دولي من كافة مؤسسات حقوق الإنسان في اليوم العالمي لمناهضة التعذيب بأن دولة اسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي ترتكب جريمة التعذيب تحت غطاء القانون، وتزامن مع الرؤية الفكرية والسياسية التي تقول أن دولة اسرائيل دخلت نظام العنصرية والأبرتهايد وعهد الفاشية لما تقوم به من انتهاكات خطيرة قانونيا وإنسانيا وسياسيا بحق الشعب الفلسطيني. نتنياهو يعلم انه إذا كان شاليط محتجزا منذ خمس أعوام فإن 140 أسيرا فلسطينيا محتجزون أكثر من ربع قرن في زنازينه وسجونه ومعسكراته، لا يعترف بهم كأسرى حرب، يجردهم من صفتهم الإنسانية والقانونية ويتعاطى معهم كأشباح، ضاربا بعرض الحائط القانون الدولي الإنساني وقرارات الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة. نتنياهو يعلم تماما أن مؤسسته الأمنية والعسكرية تلاحق وتعتقل الأطفال وتمارس بحقهم شتى أنواع التعذيب والتنكيل والتهديد الجنسي ولا تلتزم حكومته قانونيا وإنسانيا بما نصت عليه اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية مناهضة التعذيب. نتنياهو يعلم أن محاكمه العسكرية هي محاكم جائرة لا تتبع إجراءات المحاكمة العادلة، وأنها محاكم وجدت لتكريس الاحتلال والاضطهاد ، وأن مئات التقارير من مؤسسات حقوقية إسرائيلية أشارت الى عدم قانونية هذه المحاكم وعنصريتها و ارتكابها جرائم قضائية بحق المعتقل الفلسطيني . نتنياهو يعلم أن 203 شهيدا سقطوا على يد جنوده ومحققيه في أقبية التحقيق والسجون، وأنه يتهرب من المسائلة والمحاسبة، بل يمارس الحماية لمن ارتكبوا جريمة القتل والاعتداء على الأسرى وكرامتهم الإنسانية. خطاب نتنياهو هو هروب الى الأمام، يستخدم القوة العسكرية للتملص من الرأي العام الدولي الذي بدأ يدرك ما يدور في السجون من إهمال صحي وموت بطيء للمئات من الأسرى المرضى والمعاقين والمصابين، وللتملص من عدم الالتزام بالسماح للجان دولية وأممية للتحقيق في ظروف وأوضاع الأسرى، وقيام دولته بطرد نشطاء حقوق الإنسان الدوليين وعدم السماح لهم دخول فلسطين. نتنياهو لا يريد أن يعرف العالم أنه يمارس سياسة الاعتقال الإداري التعسفي بحق الأسرى بلا محاكمات ولا لوائح اتهام، ولا يريد أن يعرف العالم انه اعتقل سياسيا نوابا منتخبين في المجلس التشريعي وقادة سياسيين يستخدمهم كرهائن، ولا يريد أن يعرف العالم أن هناك أسرى معزولين في زنازين انفرادية تشبه القبور منذ 9 سنوات. نتنياهو لا يريد من المجتمع الدولي أن يسأله عن القوانين الجائرة التي بدأ بتطبيقها على الأسرى كقانون الاعتقال الإداري المفتوح، وقانون ما يسمى المقاتل غير الشرعي، وقانون حرمان الأسير من لقاء المحامي مدة تصل الى 90 يوم، وقانون الحرمان من الزيارات والعلاج والتعليم وقانون استخدام الأسرى دروعا بشرية وغيرها. لا يريد أن يعرف العالم عن المنظومة القيمية والفكرية المتدهورة في اسرائيل التي تتسم بالتحريض والتطرف القومي و العسكرة والمغلفة بفتاوى دينية تدعو الى القتل واحتقار الشعب الفلسطيني والتعامل معه كأنه ليس من بني البشر. لا يريد أن يعرف العالم أن جنوده ومجنداته أعلنوا في صور نشروها بأنفسهم بأنهم يستمتعون ويفتخرون بتعذيب الأسرى وإهانتهم والتنكيل بهم، معبرين عن فساد أخلاقي كبير في المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية. إنني استغرب صمت القانونيين والكتاب والمثقفين في اسرائيل عن هذا التدهور السياسي والإنساني والأخلاقي الذي يتكرس ويتنامى على يد الحكومة الاسرائيلية سنة وراء سنة. وهم يعرفون تماما أن هذه الإجراءات التعسفية لن تفرج عن الجندي شاليط، وأن ما يحدث هو مجرد خداع ودليل فشل رئيس الحكومة الإسرائيلية وعدم قدرته على تحمل مسؤولياته في بناء السلام العادل مع الشعب الفلسطيني. وإنني أدعو أن يناقش خطاب نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي لجنة حقوق الإنسان في جنيف باعتباره أول خطاب رسمي يعلن أن دولة اسرائيل هي دولة فوق القانون وأنها لن تلتزم بمبادئ وقوانين حقوق الإنسان. وأن يتم إعادة النظر في عضوية دولة اسرائيل في الأمم المتحدة بكونها لم تحترم ميثاقها ومبادئها و قراراتها التي اشترطت على اسرائيل حتى تصبح عضوا فيها أن تحترم حقوق الإنسان الفلسطيني والقوانين الدولية. الحفلة بدأت، قوات نحشون القمعية تقتحم السجون، حياة الأسرى في خطر، والمطلوب حماية دولية للأسرى أمام دولة منفلتة مستهترة أعلنت الحرب ليس فقط على حقوق الأسرى وإنما على الإنسانية جمعاء. وزير شؤون الأسرى والمحررين