خبر : يوسف الخطيب شجاعة البوح وصدق الانتماء ...بقلم: علي الخليلي

الإثنين 20 يونيو 2011 11:40 م / بتوقيت القدس +2GMT
يوسف الخطيب شجاعة البوح وصدق الانتماء ...بقلم: علي الخليلي



على مدار أكثر من ستة عقود من عمره الذي تجاوز الثمانين عاماً، ومن تاريخ شعبه وأمته، استطاع سيد الشعر الفلسطيني يوسف الخطيب، بعبقريته الشعرية المتدفقة، وشجاعة موقفه منذ الصبا، أن يجعل من قضية فلسطين بجميع أبعادها السياسية والإنسانية والحضارية، بوصلة واضحة وثابتة لمسيرة شعره، وآفاق إلهامه. وأن يجعل من هذه المسيرة وهذه الآفاق، مساحة مفتوحة للقومية العربية في كل أحوالها وتطوراتها. وعلى هدي هذه البوصلة الأمينة، شارك الخطيب مبكراً، في الحركة الحزبية العربية، مثله في هذه المشاركة الواعية والمنهجية، مثل آلاف المثقفين والمناضلين الفلسطينيين، بعد نكبة العام 1948 على وجه الخصوص، لا من أجل هذا الحزب أو ذاك، بل في سبيل فلسطين التي رأى أن رفع الاحتلال الإسرائيلي عنها لا يتوفر أساساً، إلا عبر الوحدة العربية، ونشر الفكر القومي التنويري في أوساط الشعوب العربية كلها. كان الشعر أداة يوسف الخطيب لرؤيته السياسية الوطنية بامتياز. فهو في كل إصداراته الشعرية بدأ من مجموعته الأولى "العيون الظماء للنور" في العام 1955، ومجموعته الثانية "عائدون" في العام 1958، وصولاً إلى مجموعته "مجنون فلسطين" في العام 1984، وإلى كل ما أصدره في سنوات ما قبل رحيله المفجع مطلع هذا الأسبوع، في مقر إقامته بدمشق، حرص على هذه الرؤية، حرصه على حبة القلب في كل مواقفه، وفي إشراقات إبداعه.لم يسْعَ يوسف الخطيب، رغم قدرته على هذا المسعى، لأي منصب يقفز من خلاله إلى الشهرة الواسعة، وإلى المكاسب الذاتية. كما لم يعمل على أدنى استخدام للعلاقات العامة التي توصله إلى أي موقع سياسي رسمي يحقق بسطوته التقليدية والمتفشية في الغالب، بين كثير من النخب العربية المثقفة، ما يوفر له أسباب الرفاه والرخاء.كان معارضاً شرساً لاتفاق أوسلو. ولكنه بالمقابل، كان حريصاً على الوحدة الوطنية التي أفرد لها كثيراً من فضاءات شعره، من أجل حمايتها، وترسيخ قوتها، وتنقيتها من أدران الشللية والفساد.وبسبب هذه المعارضة، لم تساهم في نشر قصائده وتوزيعها، أي مؤسسة فلسطينية رسمية، إضافة إلى أنه هو نفسه، لم يسع أصلاً، إلى استرضاء أي مؤسسة لمصلحة انتشاره، رغم أن من عادة معظم الشعراء والأدباء والفنانين، ترويض وتطويع مواقفهم، أنفسهم بأنفسهم، للوصول المريح إلى هذه المصلحة الذاتية. إلى ذلك، غاب يوسف الخطيب، مع الأسف، وهو القامة العالية، عن الأجيال الشابة الفلسطينية، فلم تقرأ شعره، ولم تدرس قصائده ومواقفه في المدارس والجامعات.قد نختلف سياسياً مع يوسف الخطيب. وقد نختلف حتى في شأن تعامله مع مفهوم الحداثة الشعرية بين ماضيها التراثي وحاضرها المغاير. وهو حقنا كما هو حقه في مجال الاختلاف، وفق أسس ومعايير ديمقراطية لا يلغي أحدها الآخر، من المشهد السياسي أو المشهد الثقافي. غير أننا نرفض التغييب الذي يعني في المحصلة، الإلغاء والنفي والإقصاء.استمر هذا الغياب أو التغييب الفاضح، لعدة عقود، حتى كان إلى ما قبل بضع سنوات فقط، حين أصدرت له وزارة الثقافة في رام الله، مجموعة صغيرة ومتواضعة جداً في عدد قصائدها، وفي إخراجها الفني، على ورق جرائد، دون غلاف لها. ولعل من أحضر مخطوطتها، أو جزءاً من المخطوطة المفترضة معه آنذاك من دمشق، وكتب مقدمة لها، هو الشاعر أحمد دحبور، أن لم تخني الذاكرة. ورغم ما كان من تلقف بعض الشعراء المتابعين والمعنيين، لهذه المجموعة، إلا أن انتشارها ظل محدوداً، كأنها في الواقع، لم تصدر.الآن، وقد صدرت مؤخراً، الأعمال الشعرية الكاملة لسيد الشعر الفلسطيني يوسف الخطيب، في ثلاثة مجلدات أنيقة، عن الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطيين في رام الله، بجهد ومثابرة رئيسه الشاعر مراد السوداني، ومساندة دار فلسطين للثقافة والفنون في دمشق، انتهى الغياب والتغييب، ليحضر السيد ساطعاً بعبقريته وشجاعته داخل وطنه فلسطين، منتصراً بالفعل الشعري على الموت، وواثقاً من انتشاره الواسع بين مختلف فئات شعبه.وإذا كان بيته الشعري الذي كتبه قبل أكثر من ثلاثين عاماً "أكاد أهتف من شك ومن عجب، هذي الجماهير ليست أمة العرب"، قد طوّف في العالم العربي كله، من المحيط إلى الخليج، في حينه، ناقداً غياب الفعل الشعبي العربي عن المواجهة، فإن الثورات العربية الشبابية الراهنة تجد الآن في هذا البيت ذاته، ملهماً لها من أجل التغيير، على طريق الحرية والكرامة، حيث لا شك فيها ولا عجب.