خبر : فياض .. لتعزيز سلطة القضاء ! ...هاني حبيب

الأحد 19 يونيو 2011 02:38 م / بتوقيت القدس +2GMT
فياض .. لتعزيز سلطة القضاء !  ...هاني حبيب



طالب أطباء فلسطين بعلاوات إشرافية وزيادة في رواتبهم، ولهذا الهدف بدأوا إضراباً عن العمل منذ العاشر من أيار الماضي، مستثنين من إضرابهم ذوي الأمراض المستعصية كأمراض الكلى والقلب والسرطان، لا شكّ أن مطالب الأطباء محقة تماماً، وعادلة وينبعي إنصاف هذه الفئة المتضررة من نظام الرواتب القائم حالياً، إلا أن حكومة فياض، اعتبرت هذا الإضراب غير قانوني بالرغم من عدالة مطالب الأطباء، وناشدهم العودة إلى العمل مراراً من دون أن يوقف الاطباء إضرابهم. على ضوء هذا الخلاف بين الحكومة والأطباء، لجأت الأولى إلى الجهة المخوّلة بإعمال القانون: القضاء، الذي بدوره اطلع على ثنايا هذا الخلاف، وتوصل إلى الحكم من خلال محكمة العدل العليا بالطلب من الأطباء ونقيبهم وقف الإضراب والعودة إلى العمل، لعدم مشروعية الإضراب ومخالفته للقانون والإجراءات الواجب اتباعها لجهة إبلاغ الحكومة قبل تنفيذ الإضراب بأربعة أسابيع لإتاحة المجال للتشاور بين المختصمين، نقابة الأطباء والحكومة، بغية التوصل إلى إمكانية لإيجاد قواسم مشتركة من خلال حلول عملية، تحول دون الإضراب.وبينما تشير حكومة فياض ضمناً إلى أن مطالب الأطباء عادلة، إلا أن تلبية هذه المطالب، في الوقت الحاضر، غير ممكن بالنظر إلى الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها السلطة الوطنية الفلسطينية، وجاءت الأزمة المفتوحة على الصعيد الحالي مع إسرائيل، لتزيد من تأزيم الأزمة عندما امتنعت عن تسديد العوائد الضريبية للسلطة، ما فاقم من صعوبة الوضع المالي وحال دون تسلم كافة موظفيها رواتبهم في موعدها، والآن، لا تزال إسرائيل تهدد باستمرار هذه الأزمة من خلال عودتها إلى قرار سابق بوقف توريد هذه الأموال المستحقة للسلطة الفلسطينية.نورد سياق هذه المسألة، ليس لمناقشة أوضاع الأطباء، ولا أوضاع السلطة الوطنية المالية، بل للإشارة إلى أحد أهم عناصر البنية التحتية لإقامة الدولة، وهو العنصر الذي غاب أحياناً عن التقارير الدولية بشأن التطور الحاصل في بناء مؤسسات الدولة، وغاب تماماً عن تقرير وكالة "الأونروا" مؤخراً، إذ إن لجوء الحكومة إلى القضاء، لحسم خلافها مع نقابة الأطباء أو سواها، هو سلوك كان غائباً في التعامل بين الحكومة وباقي المؤسسات الخاصة والعامة، في ظل غياب مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء وتعزيز مكانته.المواطن الفلسطيني، لم يكن ينظر إلى القضاء إلا باعتباره أحد ملحقات الحكومة، ومؤسسة من مؤسساته، ما أفقده مكانته واستقلاليته، وعدم الكفاءة بالقيام بالواجبات الملقاة على عاتقه بفعالية، وبالتالي فقده للثقة الضرورية المتبادلة بينه وبين المواطنين، إلاّ أن إدراك حكومة فياض من أن سيادة القانون، والفصل بين السلطات وتعزيز استقلاليته ومكانته، هي مكونات حيوية لبناء نظام سياسي ديمقراطي وتحقيق العدل والمساواة والأمن وحماية الحقوق والممتلكات والحريات الخاصة والعامة، إدراك كل تلك العناصر والعمل على تبنيها ليس من خلال التصريحات والخطابات والشعارات، بل وضعها موضع التنفيذ الفعلي وبالتجربة الحية، هي الحاضنة الأساسية لكافة التطورات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية وغيرها من العناصر الضرورية لقيام دولة المؤسسات التي سعت ولا تزال حكومة فياض إلى قيامها.إن ترسيخ دور القضاء، من خلال استقلاله التام عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، ونقول استقلال لا فصل، هو الذي سيمنح هذه السلطة القدرة على إعادة ثقة المواطن بقرارات القضاء والأحكام الصادرة عنه على كافة الأصعدة غير أن ذلك يتطلب تعاوناً من السلطتين التشريعية والتنفيذية، إذ إن تنفيذ هذه القرارات والأحكام منوط بالسلطة التنفيذية، بينما يظل من مسؤولية السلطة التشريعية سن القوانين والتشريعات التي تكفل العدالة والحرية والأمن والانصاف للمواطن وتعزيز ثقافة احترام القانون في المجتمع، ولعل صياغة مسوّدة قانون العقوبات والتشريعات النقابية، هي خطوة أولى نحو حماية النظام الاجتماعي وأمنه وصيانة حقوق وحريات المواطنين، وترجمة لإدراك أهمية تحديث القوانين والتشريعات بما يجعلها قادرة على التعاطي مع جملة التطورات المتسارعة على بنية المجتمع الفلسطيني، خاصة وهو يتوجه نحو وضع أسس جاهزية دولته المستقلة، غير أن تحديث هذه القوانين ما زال يصطدم بتداعيات الانقسام الحاصل في الوضع الفلسطيني الداخلي، ويحول دون أن يتحقق على الوجه الذي يكفل بناء قضاء فلسطيني موحد يطبق قوانين محددة موحدة على كافة المواطنين الفلسطينيين في الضفة المحتلة وقطاع غزة.استقلال القضاء، والمحاكم، والقضاة، هي عناصر أساسية ضرورية لقيام جهاز القضاء بدوره المناط به، والتطورات التي حدثت من أجل تعزيز هذه العناصر، لا تزال تخطو خطواتها الأولى الأساسية، إلاّ أن ذلك يتطلب المزيد من الوعي والإدراك والإمكانات، رغم ذلك يمكن القول إن هذه الانطلاقة في المجال القضائي، قد وضعت حداً لأي شك في متابعة السلطة الوطنية لتعزيز سلطة القضاء وتمكينه من القيام بدوره، باعتبار ذلك أمراً لا بد منه من أجل إنجاز المشروع الوطني والحفاظ على مكتسبات الفرد والمجتمع في فلسطين، وصولاً إلى دولة المؤسسات وحكم القانون والفصل بين السلطات.وقد دخلت حكومة فياض، شأنها شأن أية حكومة، في نزاعات مع نقابات ومؤسسات خاصة وعامة، ودائماً لجأت إلى القضاء لحل هذه النزاعات والتخاصمات، ودائماً التزمت بقرارات المحاكم حتى لو أنها لم تقتنع بها، فالالتزام بأحكام القضاء، هو المعيار الأساسي الذي يقيم بيئة قانونية وقضائية تنال احترام وثقة المواطن، وحتى لو كانت هناك إنجازات على الصعد الأساسية الأخرى، فمن دون بيئة قضائية وقانونية موثوقة، تبقى هذه الإنجازات موضع شك في قدرتها على تلبية احتياجات المواطن من جهة، وإقامة دولة المؤسسات من جهة أخرى.واقع الاحتلال والانقسام، يزيح المسألة القضائية عن دائرة اهتمامات المواطن الأولى، إذ تظل المجالات الاقتصادية، كالبطالة والرواتب هي جوهر اهتماماته، إلا أن غياب هذه المسألة الجوهرية في تقرير "الأونروا"، باعتبارها غير معنية بهذه المسألة، غير مبرر وغير مفهوم! Hanihabib272@hotmail.com - www.hanihabib.net