خبر : عن أية مؤامرة تتحدثون؟ بقاء النظام العربي الحالي هو المؤامرة ..عبد الحميد صيام

الأربعاء 15 يونيو 2011 07:29 ص / بتوقيت القدس +2GMT
عن أية مؤامرة تتحدثون؟ بقاء النظام العربي الحالي هو المؤامرة ..عبد الحميد صيام



معركة الحرية لا تتجزأ، والانتصار للعدل والكرامة والحرية في مكان ما يفرض أن ينتصر لهذه المبادئ في كل مكان، والانتقائية في المواقف يسيء لمجموع المواقف كلها. فلا يجوز أن تنتصر للنضال ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وتؤيد الفصل العنصري في إسرائيل، ولا يجوز أن تقف مع المظلومين في هايتي والصومال وميانمار وتقف ضد طالبي الحرية في فلسطين والشيشان وكشمير. فالحرية والعدل والمساواة التامة بين الأجناس والأعراق والعقائد واحترام كرامة الإنسان ليست ثيابا تفصل على مقاس هذا النظام أو ذاك الفصيل أو الزعيم أو الأمير، بل هي مثل عليا توافقت آراء الشعوب جميعها عبر التجربة التاريخية على أنها صالحة لكل مكان وزمان.وقد أقرتها الأديان والثورات المتعاقبة ضد الظلم وجاءت منظومة القوانين الدولية الحديثة لتثبتها على شكل اتفاقيات ومعاهدات ومواثيق وشرائع وإعلانات تفرض على الدول جميعها الالتزام بها. وقد خطت البشرية خاصة في النصف الثاني من القرن العشرين خطوات واسعة نحو تبني تلك المثل والمبادئ الإنسانية وتنفيذها بدرجات متفاوتة. فقد تم إلى حد كبير التحرر من الكولونيالية واستعباد الشعوب من قبل الدول الاستعمارية، وانتهت العبودية والاتجار بالبشر وتحققت الحريات والمساواة القانونية بين جميع أطياف الشعوب، واتجه العالم بعد انهيار منظومة الدول الشمولية التي كان يمثلها الاتحاد السوفييتي إلى المزيد من الحريات العامة والتعددية والديمقراطية والتعاون، وانهارت الدكتاتوريات الواحدة بعد الأخرى، من شاه إيران إلى ماركوس الفلبين، ومن ساموزا نيكاراغوا إلى بوكاسا أفريقيا الوسطى، ومن منغستو مريام إثيوبيا إلى موبوتو الكونغو، ومن بينوشيه تشيلي إلى دي فالييه هايتي. انهار جدار برلين وانهارت معه أنظمة الحزب الواحد والقائد الواحد والإيديولوجية الواحدة، وتبنت هذه الدول النظام الديمقراطي الذي يتيح تداول السلطة وتعددية الآراء ومحاسبة الفاسدين ومراقبة نزاهة الانتخابات. وشهدت هذه الدول نهضة صناعية وتجارية وسياحية هائلة. فبلد مثل جمهورية التشيك تحتل المرتبة 28 في العالم بميزانية احتياطية تصل إلى 261 مليار دولار. وتحتل إستونيا المرتبة الـ 34، وهنغاريا المرتبة 36، وأول دولة عربية من بين الدول الـ169 على سلم قائمة مؤشر التنمية الدولي تحتل قطر الموقع الـ 38 في حين تحتل ليبيا المرتبة 53 والسعودية الموقع 55، بينما تنزلق مصر إلى المرتبة 103 في حين تحتل سورية المرتبة 113، وتحتل المغرب الموقع 116، أما اليمن غير السعيد فبفضل حكم علي عبد الله صالح غير الصالح فلم يتم تضمينه من بين الدول 169 لأنه من بين الدول العشرين الأقل نموا في العالم. الاستثناء العربيالمنطقة الوحيدة التي ظلت عصية على التغيير هي المنطقة العربية، مما دعا بعض المتخصصين في علوم السياسة والاجتماع (سامويل هنتنغتون وروبرت داهل وبرنارد لويس وغيرهم) أن يطلقوا عليها ’الاستثناء العربي أو الاستثناء الإسلامي’، بل زادت فيها حدة القمع والتمزق الداخلي والصراعات البينية وتغولت أنظمة الطغاة فيها لدرجة خيالية وأصبحت العربية، معظمها إن لم يكن كلها، تشكل خطرا حقيقيا على شعوبها وعلى جيرانها، وتمادت في الفساد لدرجة تشير إلى مدى استخفافها بشعوبها وبالقانون الدولي، وراحت تفصل الدساتير على مقاسها ومقاس أولادها، وتقمع أي تحرك أو معارضة مباشرة أو غير مباشرة، والتجأ بعضها إلى العنف المفرط وتزوير الانتخابات وإثارة النعرات الطائفية وافتعال أزمة مع بلد مجاور للتغطية على المصائب التي ألحقتها بالوضع الداخلي، تحت حجة مواجهة العدو الخارجي. وتحولت الأنظمة الجمهورية إلى أنظمة ملكية سلطانية تورث أولادها أو تستعد لتوريثهم، وأصبح النظام العربي واحدا أو شبه واحد واختفت الفروق بين أكثر الدول تخلفا وأكثر الدول ادعاء بثورية كاذبة، فسورية تديرها عائلة الأسد، كما تدير عائلة سعود السعودية وجماهيرية العقيد تحولت إلى قطعة عقار لمعمر وأولاده، واليمن شركة خاصة لصالح وأولاده وإخوته وأصهاره، وتونس ملك شخصي لعائلة الطرابلسي، مثلها مثل البحرين التي تملك عائلة خليفة صكا بامتلاكها كمزرعة عائلية، ومصر حولها مبارك إلى قطاع خاص لولديه وزوجته وعصابة صغيرة مستفيدة من بقاء جمال مبارك متحكما في مفاصل البلد.ومع نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين وصلت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسة في العالم العربي إلى حالة غير مسبوقة من التمزق والانهيار والتخلف وانتشار الفقر والأمية والبطالة وتراجع التعليم والقراءة والصحافة المحلية واتساع الهوة بين حفنة من الأغنياء وجموع من الفقراء، وتهميش للمرأة وتركيز على قشورالدين وتغييب متعمد لجوهره وتوقف عمليات التنمية واتساع رقعة الفساد وانفلات الطائفية والعرقية في أكثر من بلد، وقيام صراعات متعددة بين مكونات البلد الواحد وانهيار للبنى التحتية حتى أصبحت فيضانات بسيطة تؤدي إلى مقتل العشرات في بلد غني كالسعودية، ولا يكاد يمر يوم من دون أن نسمع عن انهيار أو انفجار أو مذبحة أو فضيحة. وقد أشار تقرير التنمية الإنسانية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في نهاية عام 2009 الذي أعدته مجموعة من الخبراء العرب، إلى أن العالم العربي مصاب بالعديد من العلل القاتلة وأهمها ثلاث: نقص في المعرفة ونقص في الحريات ونقص في حقوق المرأة. وتحدث التقرير عن البطالة والأمية ومعدلات الدخل ومعدلات الإنتاج وغيرها، وكلها تشير إلى وضع غير مسبوق من التراجع أو الجمــود أو الانهيار أو كلها مجتمعة.هل هناك مؤامرة خارجية؟تلك هي الصورة عشية انطلاق الثورة العربية الأولى في تونس، التي تلتها سلسلة من الثورات في مصر وليبيا واليمن والبحرين وسورية ومظاهرات بالالوف في المغرب والجزائر والأردن وعمان والعراق، التي كانت بمثابة رد منطقي وطبيعي على الأوضاع الداخلية.إن الحديث عن مؤامرة خارجية أتفه من أن يؤخذ بشكل جدي، بل إن عدم قيام انفجارات شعبية ضد تلك الأوضاع قد يثير الكثير من التساؤلات حول مؤامرات خارجية. فمثل تلك الحالة المأساوية تعتبر مثالية لإسرائيل والولايات المتحدة، ومن مصلحة الطرفين استمرارها لتسهيل نهب ثروات البلاد والإبقاء عليها كسوق مستهلك فقط في ظل صمت حكام فاسدين لا علاقة لهم بهموم شعوبهم ومعاناتهم وأولوياتهم. والحديث عن الممانعة والمقاومة والصمود لم يعد يقنع أحدا في ظل ما تعيشه الشعوب من ضنك اقتصادي وخنق للحريات وفساد مطلق لم يعد سرا، وفي عصر أصبح تبادل المعلومات سهلا والوصول إلى الحقيقة ليس حكرا على النظام، وإجراء مقارنة بين ما يجري داخل البلاد من تخلف وما يجري خارجها من ازدهار وتقدم أمر سهل لا يحتاج أكثر من نقرة على فأرة الحاسوب. هل هناك حجة أتفه من مقولة علي عبد الله صالح بأن هناك مؤامرة على حكمه ’الرشيد’ تديرها أمريكا من تل أبيب، أو أن هناك مؤامرة من تنظيم ’القاعدة’ على جماهيرية القذافي العظمى، أو أن هناك مؤامرة إيرانية ضد نظام العدل والمساواة في البحرين، أو وجود مؤامراة سعودية سلفية تمول عصابات مسلحة ضد نظام ’العدل والحريات والرخاء وسيادة القانون’ في سورية؟ أي هراء هذا؟ وأين كانت أجهزة الأمن السبعة عشر طيلة هذه السنين؟ إلا إذا هبطت هذه الجماعات المسلحة بالمظلات من السماء لأن الأرض كانت مقفلة تماما لأي نفـَس خارج عن إرادة النظام لمدة 40 سنة. وقد تذوق أهل حماة شيئا من علاج النظام للتحرك المعارض عام 1982. إن المؤامرة الحقيقية التي نخشى منها أن تبقى هذه الأنظمة في مواقعها. فبعد الإطاحة بنظامي بن علي ومبارك بشيء من السهولة بدأت حبال المؤامرة تنسج في السعودية لإطالة عمر نظام شاويش اليمن، وقمع ثورة البحرين بالقوة المسلحة، كما قامت الجزائر ودول أخرى بضخ دماء في جثة نظام العقيد الذي فقد السيطرة على أكثر من 90’ من البلاد خلال أقل من أسبوعين، منذ انطلاقة الثورة في السابع عشر من شباط (فبراير). أما سورية فتطوعت إيران لترمي لها حبال نجاة قد لا تستطيع إنقاذ نظام بدأ يغرق في بحر من الدم.إذن المؤامرة الحقيقية ليست في العمل على إسقاط هذه الأنظمة التي تنتمي للعصور الوسطى، بل الخوف كل الخوف أن تحاك خيوط مؤامرات متعددة الأطراف والجوانب لتبقي على هذه الأنظمة، التي يعتبر وجودها عامل استقرار لأمن إسرائيل من جهة، ونهب ثروات الأمة بسهولة من جهة أخرى. ألم تكن تعرف الولايات المتحدة أن هذه الأنظمة مكروهة من شعوبها؟ ألم تكن تعرف أنها معادية للحريات والتعددية وسيادة القانون وحقوق المرأة وأنها تنهب خيرات شعوبها، كما جاء في برقيات سفرائها في المنطقة التي نشرت على موقع وكيليكس؟ إذن هذه هي المؤامرة ولا مؤامرة غيرها.. وكلنا ثقة أن خيوط مؤامرة إبقاء طاقم الحكام الثمانيين وتوريث أولادهم لا بد أن تنهار بفعل ثورة الجماهير العربية الشريفة الشجاعة التي ستدفن مع هؤلاء الحكام عصور النهب والفساد وتبديد الثروات والانصياع للقوى الخارجية والتفريط بكرامة الوطن والمواطن.’ أستاذ جامعي وكاتب عربي مقيم في نيويورك