كانت تونس الدولة العربية الاخيرة التي توقع فيها الخبراء انفجار الغضب الديمقراطي. فالحزب الذي حكمها قام مؤخرا بسلسلة طويلة من الاصلاحات التي سهلت حرية التعبير وحرية العمل. ولم يلح في الافق أي تهديد بالاستقرار. الى أن انهار كل شيء. بعد تونس جاءت المفاجأة التالية: مصر. نظام مبارك لم يبدو للخبراء هشا، بل بدا منيعا. مثل تونس، هكذا أيضا مصر حصلت على علامات جيدة من مؤسسات اقتصادية دولية. في السنوات الاخيرة طبقت فيها غير قليل من الاصلاحات في الاقتصاد، في الحياة السياسية، في حقوق الفرد. لا أعرف توقعا تنبا بالسقوط الفوري لاسرة مبارك. ولكن المفاجأة في تونس وفي مصر تشحب في شدتها امام الصدمة التي تلقاها كثيرون جدا من الثورة التي انتشرت الى دولتين اخريين: ليبيا وسوريا. القذافي الثوري والاسد الاشتراكي (حزب البعث خاصته لا يزال يصف نفسه بالاشتراكي) تحديا الغرب، ولهذا فقد كانا محبوبين على نحو خاص من المستشرقين اليساريين. الدولتان لم تندرجا في منطقة النفوذ الامبريالية – الاستعمار الامريكي، على حد تعريف اليسار، وعليه فان مواطنيهم لم يكن يفترض بهم أن يثوروا. ولكنهم ثاروا. على نحو مفاجيء.الاجمال الثقافي حتى الان بشع إذن. الرؤية الدقيقة للمستقبل، كما يتبين، غير سائدة في صفوف باحثي الشرق الاوسط، مثلما لم تكن سائدة في اسرة الباحثين في الشيوعية، حتى على شفا سقوطها. بعد اعتزاله السلك الدبلوماسي الامريكي وصل د. هنري كيسنجر، الخبير في الشؤون الدولية، في زيارة حل فيها ضيفا على اسرائيل، ودعا الى فندقه مجموعة من الصحفيين لحديث مغلق. سألته في حينه: هل تؤيد حركات الاحتجاج في الدول الشيوعية في شرقي اوروبا، وماذا سيكون مصيرها؟ تأثيرها محدود، اجاب بتفكر هنري العظيم، وفي كل الاحوال اعول وأثق بانه لا يجب ان نتصور الغاء التقسيم لاوروبا بين منطقة النفوذ السوفييتية والمنطقة الغربية، مثلما تقرر في مؤتمر يالطا في 1945. بعد سنتين من ذاك الحديث الغيت اتفاقات يالطا.كصحفي تابعت عن كثب سقوط الانظمة الشيوعية أسمح لنفسي بان أطرح هنا ثلاثة دروس تاريخية: الاول: دعكم من الاصلاحات، اتخذوا الديمقراطية. لا معنى لطلب "الاصلاحات" من الاسد، عندما تكون الاصلاحات الوحيدة التي يجب أن تتخذ هي تقديم نفسه الى المحاكمة. مثلما في شرقي اوروبا في الثمانينيات، هكذا في الشرق الاوسط اليوم، "الاصلاحات" هي أداة للحفاظ على الانظمة القديمة وليس لتصفيتها. الناس يريدون الديمقراطية الكاملة: نظام متعدد الاحزاب وانتخابات حرة متعددة الاحزاب، جهاز قضائي مستقل وغير خاضع للسياسة، وحقوق انسان منصوص عليها في القوانين الاساس. ليس معقدا جدا، ليس ثوريا جدا. الثاني: الدولة التالية في الطابور للثورة كفيلة بان تكون تلك التي يتحدثون عنها أقل في ذات السياق. الاردن، مثلا. يوجد في الاردن طاقة كامنة هائلة للانفجار. هذه ملكية ذات صلاحية، الحملتان الانتخابيتان الاخيرتان فيها كانتا مزحة بشعة. البرلمان في عمان لا يعكس ارادة المواطنين وعلاقات القوى السياسية الحقيقية. معقول ان يجرب الملك "اصلاحات" اخرى و "لجان حوار وطني" اخرى، ومعقول أيضا الا تهدىء هذه الجمهور. درس ثالث: حسم مصير الثورة الخمينية. بعد 33 سنة من الاستيلاء على الحكم في طهران، فان الخمينيين على أنواعهم فقدوا كل تأثير على شعوب الشرق الاوسط. نموذجهم رفض رفضا باتا، وهم أنفسهم يعيشون في خوف من غضب الجمهور. اعلام ايران ترفع في المظاهرات في سوريا كي تحرق فقط. حان الوقت للتفكير في ما سيحصل في الشرق الاوسط، وكيف سيبدو الشرق الاوسط، حين تجرى في معظم الدول العربية – الاسلامية انتخابات حرة وتتشكل فيها حكومات ائتلافية. أسمح لنفسي بان اتنبأ بان هذه الخطوة أصبحت محتمة، وأنا اتساءل اذا كان أحد ما في القدس يوظف تفكيرا في بلورة السياسة الخارجية المستقبلية لاسرائيل، التي تتناسب ويوم الناخب العربي. عندما سينتصر في انتخابات حرة في الاردن حزب فلسطيني – اسلامي.