خبر : الدور الشعبي والمؤسساتي في حماية المصالحة الوطنية ... محسن أبو رمضان

الإثنين 06 يونيو 2011 04:56 م / بتوقيت القدس +2GMT
الدور الشعبي والمؤسساتي في حماية المصالحة الوطنية ... محسن أبو رمضان



فتحت أجواء المصالحة الباب مجدداً لتفعيل الدور الشعبي والمؤسساتي على الصعيدين الوطني والاجتماعي ، فقد تعرضت هذه المؤسسات لموجة من التأثيرات والممارسات الناتجة عن حالة الاحتقان والتوتر والانقسام السياسي والجغرافي فقد أغلقت العديد من المؤسسات الأهلية والنقابية ، وتم وضع حد لحرية الرأي والتعبير والصحافة الحرة والتجمع السلمي في ظل الصراع الحاد على السلطة ، كما برزت ظاهرة الاعتقالات السياسية كأسوأ ظاهرة في صفحة العلاقات الوطنية الداخلية .رغم الضغوطات الهائلة التي تعرضت لها هذه المؤسسات إلا أن جزء منها لعب دوراً فاعلاً باتجاه مناهضة الانقسام والدعوة لحماية الحريات العامة والعمل على تحقيق الوحدة الوطنية ، وتعزز ذلك من خلال العديد من المبادرات المؤسساتية والشعبية سواءً على الصعيد الشبابي والنسوي أو المنظمات الأهلية بصورة عامة .لم يكن ذلك غريباً ،القيام بهذا الجهد حيث تضررت قطاعات اجتماعية واسعة من حالة الانقسام والاستقطاب ووجدت انه من الضروري أن تفتح لذاتها أفقاً لتحقيق حقوقها ومصالحها ، وكانت الحلقة المركزية لذلك هي ممارسة الجهد الشعبي والضغط السلمي والإعلامي باتجاه التأثير على صناع القرار لدى قادة الحركتين المتنافستين " فتح وحماس " وذلك عبر إنهاء الانقسام واستعادة وحدة المؤسسة الرسمية الفلسطينية سواءً م .ت.ف أو السلطة الفلسطينية من وزارات وجهاز قضاء ومجلس تشريعي ، حيث أدرك النشطاء أنه لا يمكن انجاز مرحلة التحرر الوطني بدون تحقيق الوحدة الوطنية كقاعدة لانتصار القوى المقهورة والمستغلة والمضطهدة في مواجهة الاستعمار القومى والطبقي ، كما أدركوا بأنه من الصعوبة بمكان العمل على تحقيق الحقوق الجماهيرية اجتماعية الطابع " شباب ، مرأة ، عمال ، مزارعين " بدون استعادة عمل المجلس التشريعي ، وذلك بهدف تثبيت بعض القوانين والتشريعات والسياسات العامة التي تضمن حقوق ومصالح تلك الفئات الاجتماعية الواسعة والعريضة بالمجتمع ، كما أنه لا يمكن ضمان استعادة عافية المجتمع ووحدة نسيجه الاجتماعي جراء التصدعات التي تعرض لها بالمرحلة السابقة بدون العمل على إعادة صياغة أسس ومرتكزات سيادة القانون وبناء قضاء عادل ونزيه ومستقل في شطري الوطن كضمانة قانونية تضمن تطبيق مفاهيم العدالة والحرية وحقوق الإنسان ، تلك المفاهيم التي تعتبر جزء من الشرعة الدولية لحقوق الإنسان التي يتبناها في ديباجته القانون الأساسي الفلسطيني ومن الضروري ان يلتزم بها من هم في صناعة القرار.ظلت الفاعليات المنظمة من العديد من المؤسسات الأهلية وبعض المبادرات الشبابية والعمالية والنسوية محدودة ومحصورة وبالتالي لم يكن أثرها بالشكل المطلوب والمتوقع ، ولقد لعبت عدة عوامل وراء ذلك منها حالة الاستقطاب الشديد، ورغبة المؤسسات في حماية ذاتها أمام سلسلة من الإجراءات والقرارات الصادرة عن حكومتي رام الله وغزة والتي تمس مبدأ استقلالية العمل وحريته وعلى حرية الرأي والتعبير والتجمع في إطار تحول الحكومتين إلى مؤسسات تستخدم أدوات الإكراه والقوة في السيطرة على الرأي العام أكثر من استخدامها لمبدأ سيادة القانون الذي تقوض بفعل الانقسام وتهميش عمل المؤسسات الرسمية لصالح تصورات من يتحكم وفق منظوره الفكري والسياسي بالمنطقتين ، ومنها نخبوية عمل المؤسسات الأهلية التي أصبحت منشدة لآليات التمويل والتوظيف واستمرارية عمل المؤسسة والحفاظ عليها في أجواء مضطربة وغير مستقرة ، أكثر من انشدادها إلى الترابط مع مصالح الفئات الاجتماعية الضعيفة والمهمشة ، بوصف المؤسسات من المفترض ان تعكس مصالحها وتعبر عن حقوقها وتكون احد الأدوات الرامية إلى تمكينها وتقويتها باتجاه التغيير الايجابي بالمجتمع اجتماعياً وسياسياً ، فالحالة النخبوية خلقت هوة ما بين الشريحة التي تتبوأ المراكز القيادية بالمؤسسات الأهلية وبين الفئات الاجتماعية العريضة وقد عزز ذلك الرواتب المرتفعة والامتيازات التي تحظى بها تلك الشريحة الأمر الذي كرس ثقافة الاستفادة من تلك المؤسسات من قبل الفئات الاجتماعية على الصعيد الخدماتي اكثر من الرهان على دور تلك المؤسسات بالدفاع عن الحقوق والمصالح للفقراء أو باتجاه احداث حالة من التغير الاجتماعي .كما ان تراجع دور القوى اليسارية والديمقراطية وبتفاوت نسبي بينهما ساهم هو الآخر في تراجع فاعلية التأثير للفاعليات الشعبية والمؤسساتية ، حيث لم يكن أداء هذه القوى التي من المفترض ان تعبر عن مصالح الفقراء والمهمشين والأكثر حرصاً على عملية الوحدة الوطنية واعادة بناء مؤسسات السلطة والمجتمع وعلى ضمان الحريات العامة وصيانة المكتسبات الديمقراطية بالمجتمع ، لم يكن أدائها بالمستوى المطلوب نتيجة عوامل عديدة ابرزها عدم وحدتها وتنافسها الفئوي والدخول في حسابات المصالح الحزبية والفئوية على حساب دعم المبادرات الشعبية المؤسساتية،إضافة إلى ارتباطها البنيوي بالتركيبة البيروقراطية للسلطة بما يترتب على ذلك من اتخاذ مواقف وسطية وغير جذرية .علماً بأن العديد من التجارب التي تمت لم تشجع القائمين على تلك المبادرات الاستمرارية بالعالقة مع الأحزاب اليسارية التي أخذت تنافس على القضايا الإعلامية الشكلانية أكثر من تنافسها على كسف ثقة الجمهور وتقديم ذاتها كعامل مساند لها باتجاه إنجاح حملاتها على المستويين الوطني والديمقراطي .من الواضح ان الثورات والتحركات الشعبية العربية في مواجهة أنظمة الفساد والاستبداد وباتجاه تحقيق مجتمعات وطنية ديمقراطية ترتكز لأسس سيادة القانون قد حفز بعض المبادرات المؤسساتية والشعبية وخاصة الشبابية منها باتجاه تنظيم الفاعليات التي كان أبرزها 15/ آذار المطالبة بإنهاء الانقسام والتي تم قمعها واحتوائها من قبل الحكومات القائمة وأجهزتها الأمنية في كل من قطاع غزة والضفة الغربية ، الأمر الذي شكل كوابح في مسيرة تلك الفاعليات والمبادرات الشبابية وأدى إلى تراجعها على الأقل التكتيكي أو المؤقت استعداداً لجولة أو جولات جماهيرية قادمه ، وقد اعترف قادة كل من حركتي فتح وحماس عند توقيع اتفاق المصالحة بالقاهرة في 5/ مايو ، ان صوت الشباب وفاعلياتهم الشعبية والجماهيرية إلى جانب صوت العديد من المبادرات المؤسساتية والأهلية لعب دوراً باستجابة هؤلاء القادة إلى نداء المصالحة الوطنية .والسؤال هنا كيف يمكن الاستفادة من الربيع العربي من جهة ومن توقيع اتفاق المصالحة من جهة ثانية باتجاه حمايتها وتعزيزها وتطويرها .أنني أرى انه من المناسب التفكير الجاد في تأسيس الإطار الديمقراطي المدني الذي يجب ان يتكون من بعض القوى السياسية ذات الوجهة الديمقراطية إلى جانب المؤسسات الأهلية والحقوقية وكذلك الفاعليات الشبابية التي برزت مؤخراً وما زالت نشطة في مجال الانترنت   و" الفيس بوك " ، حيث ان هناك قواسم مشتركة بين تلك الفاعليات السياسية والاجتماعية ،    و من خلال هذا الائتلاف يمكن العمل على محاور التالية : -1.  الدعوة لعدم النكوص عن توقيع الاتفاق والمطالبة بعدم الإبطاء والتلكؤ في تنفيذ بنوده ومقاومة اية ضغوطات وتأثيرات خارجية ستحاول ان تضع العراقيل لإتمام عملية المصالحة وتطبيقها على الأرض ومن الأمثلة على ذلك الضغوطات المالية " منع تحويل المقاصة ، مطالبة واشنطن من حكومة حماس بالاعتراف بشروط الرباعية ، تخيير الرئيس عباس من قبل نتياهو بين حماس وبين التفاوض مع إسرائيل " ... إلخ .2.  المطالبة بتحويل الاتفاق من اتفاق ثنائي إلى وطني شامل عبر إشراك ممثلي القوى الوطنية والاجتماعية في آليات ومؤسسات الاتفاق وتحديداً السلطة والمنظمة ، تحضيراً للانتخابات العامة التي يجب ان تجرى بعد عام من تشكيل الحكومة .3.  المناداة بإغلاق ملف الاعتقال السياسي وإعادة افتتاح الجمعيات والمؤسسات الأهلية والنقابية المغلقة والسماح بحرية النشر والتعبير وتوزيع الصحف ... إلخ ، وذلك دون إبطاء على اعتبار ان تلك الانتهاكات هي إحدى إفرازات الانقسام .4.  إشراك الفاعليات الوطنية والاجتماعية في عملية المصالحة الاجتماعية ، وتقديم مقترحات ومبادرات لتحقيق تلك المصالحة وذلك من اجل إعادة صياغة المجتمع على أسس سيادة القانون ومبادئ المواطنة وبما يضمن تعويض اسر الضحايا وإزالة الشوائب بالجسد الفلسطيني وخلق التعافي والتوافق بالنسيج الاجتماعي .5.  يجب أن يضغط الائتلاف باتجاه الالتزام بموعد الانتخابات وعلى قاعدة التمثيل النسبي الكامل بوصفها الوسيلة التي يجب الاحتكام لها من اجل حل التناقضات الداخلية عبر الوسائل الديمقراطية ، ولأنها أداة ستساعد على وحدة المؤسسة الفلسطينية وبناء النظام السياسي الفلسطيني الموحد على قاعدة من المشاركة الشعبية ، وذلك بدلاً من أساليب الإقصاء والعنف .6.  المبادرة باتجاه الاتفاق على صياغة إستراتيجية وطنية فلسطينية موحدة من اجل تجاوز حالة الاستعصاء القائمة وبما يمكن شعبنا من مواصلة نضاله وتحقيق أهداف في مواجهة الاحتلال من اجل الحرية والاستقلال والعودة  ( أشكال النضال ، التحالفات ، المقاطعة ، القانون الدولي ، الدولة أم الدولتين ..... إلخ ) .7.  المطالبة بتفعيل المجلس التشريعي وذلك على قاعدة رفض كافة التشريعات أو المراسيم التي تم اعتمادها في فترة الانقسام والشروع في تقديم المقترحات للمجلس التشريعي المفعل تضمن قيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحقوق لصالح الفئات الاجتماعية المهمشة والضعيفة .8. إعادة بناء المؤسسات والأطر التمثيلية النقابية والمهنية وكذلك البلديات عبر آلية الانتخابات الديمقراطية المبنية على التمثيل النسبي بما يضمن إعادة وحدتها وقدرتها على تمثيل أعضائها ومساهمتها بالدفاع عن حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية . ما تقدم يشكل الخطوط العريضة للائتلاف الديمقراطي المدني الذي من الهام الشروع في تنفيذه بصورة سريعة دون إبطاء من اجل انتزاع المبادرة الشعبية المؤسساتية لحماية المصالحة وعدم التراجع عنها بل تعزيزها وتطويرها وطنياً وديمقراطياً وحقوقياً .