صفاء السريرة ليس بالضبط الرمز التجاري لسهى عرفات. فأرملة "الرئيس" تتواجد منذ ثلاث سنوات في جزيرة مالطا، بعد أن القاها من تونس سيداها المنفيان، الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وعقيلته ليلى. في دور الموضة الفرنسية ليس لها موطىء قدم بسبب تحقيقات اقتصادية، وفي مدينة العاصمة فالطا ممل. مرة في السنة تنعش عرفات حلمها بالعودة الى رام الله، ولكنها تعرف بانهم لا ينتظرونها ببساط أحمر. إذا حاولت المجيء، فسيفتحون صندوق مفاسد ملايين الدولارات التي دفعها نحوها عرفات وسيطالبون بان تعيدها حتى الدولار الاخير. رئيس الوزراء سلام فياض لا يعتزم التنازل. علاقاتها مع أبو مازن شهدت برقا ورعدا. وقد أجبرها على البقاء في البيت في احتفال التوقيع على اتفاقات اوسلو، وهي اتهمته بمحاولة قتل زوجها المحتضر في المستشفى العسكري في فرنسا.والان، رسالة. صحيفة "القدس" الفلسطينية منحت سهى عرفات مكانا بارزا في الصفحة الاولى، مع ربتة تشجيع متزلفة التي أطلقتها نحو أبو مازن في أعقاب القتل المروع لآية، الطالبة ابنة العشرين التي تدرس الادب الانجليزي من صوريف، والتي اختفت اثارها قبل أكثر من سنة وعثر على جثتها هذا الشهر في أعماق بئر. عمها الذي ذبحها بوحشية، تمسك بحجة المس بشرف العائلة. وكلما تقدم التحقيق، انكشف حجم فظاعة ملابسات الموت الذي لا داعي له للشابة البريئة. أنا أحييك، كتبت عرفات لابو مازن، الذي أعرب عن استنكاره وصدمته ووعد بسن قانون جنائي متشدد على القتل داخل العائلة. لم أتفق دوما معك، وأنتَ تعرف دوما كيف تصر على رأيك، وتجرأت على أن تقول لا لعرفات، أن تتجادل معه وأن تقف عند مبادئك. أنا أيضا حاولت اقناع عرفات بالمعالجة الجذرية لظاهرة القتل وقدمت ملجأ لشابات فررن ناجيات بحياتهن قبل لحظة من انقضاض اقربائهن عليهن بالسكاكين الممشوقة. عرفات، كما تكشف سهى النقاب، أصر على أن لديه شؤونا سياسية أهم، والبنات ملزمات بالانتظار.كما تروي عن مساعيها الفاشلة لخوض حملة ضد القتل داخل العائلة مع الملكة الاردنية واجبار القضاة على اصدار احكام بالسجن رادعة. الشابات البائسات، كما كتبت لابو مازن تذبحن بدم بارد بسبب خلافات ملكية وتوزيع إرث، دون صلة بالمس بشرف العائلة أو تدنيس عفافهن.لا توجد احصاءات دقيقة عن حجم الظاهرة في مناطق السلطة الفلسطينية. في الاردن يتحدثون عن 20 حالة في السنة لخطف وقتل نساء شابات، عزباوات، متزوجات أو ارامل مع أطفال. في الضفة الغربية وفي غزة تصل فقط أحداث قليلة الى الهيئات القضائية، والعقاب، اذا كان أصلا، لا يأتي للجدال مع التقاليد، وبالتأكيد لا للردع. شهر – شهران في السجن، وصمة العار تمحى والقتلة يخرجون الى الحرية، حتى المرة التالية.عرفات تذكّر ابو مازن بان هذه جريمة مزدوجة: تلفيق "قصة العار"، التي بشكل عام يتبين أنه لا أساس لها من الصحة، وخطيئة الصمت ما بعد القتل، حين تُدفن الضحية دون أي مظاهر الشرف الاخيرة. أنا أشد على يدك، كما تفاجىء أبو مازن، لمعرفتك كيف تسترد كرامة البريئات. لا تستسلم، أنتَ العنيد بطبعك، لاتخاذ الدين الاسلامي كذريعة لاسترداد شرف العائلة ومحو "العار". بالعكس: الدين الاسلامي متسامح ويعفو عن المؤمنة، ولا يزال الطريق طويل حتى تنال النساء الحماية الكاملة. كل هذا صحيح وجميل وعادل، ورسالة سهى عرفات مصوغة على نحو لا بأس به. وعلى طريق النشر تشطب، وليس صدفة، الحساب الذي لم يصفى مع الشارع الفلسطيني. فقد قُلنا من قبل ان ليس لديها صفاء سريرة. إذا كانت الحملة التي تحاول أن تقودها ستنتصر، فلعلها تشق لها طريق العودة الى الديار، الى رام الله.