خبر : في بلاد اللا مقاييس ..هديل ابو مريم

الثلاثاء 24 مايو 2011 06:24 م / بتوقيت القدس +2GMT
في بلاد اللا مقاييس ..هديل ابو مريم



تخطفني الأفكار مبتعدة بي عن حلقة تجمعني بالصديقات والقريبات على شاطئ بحر غزة, وألقي نظرة خاطفة على اللواتي يلبسن خواتم الزواج أوالخطوبة, وأسافر ووجداني مسافة مائة عام أو أكثر إلى الخلف, وأتعجب كيف  كانت مقاييس تلك الفتاة التي تتزوج أو ترتبط ؟.., كان يجب أن تكون رزينة هادئة تتمتع بصفات قيادية تؤهلها للمسؤوليات والأعباء القادمة في هذه الحياة وهذه هي المقومات الأساسية لأم وربة منزل في ذلك الزمان, إضافة إلى مقومات الجمال كالطول الفارع, وبياض البشرة التي تجعل من شريكها( والذي قد يكون ملما بجميع مواصفات القبح من حيث الشكل لكنه يتمتع بكل صفات الرجل الشرقي الأصيل كما تذكر أمه!!!) يرى ترقرق المياه في حلقها من شدة بياض رقبتها وطولها, ولا ننسى العيون الخضراء كالحشيش الأخضر أو الزرقاء كموج البحر وفتحة العين ما شاء الله تبارك الخلاق في خلقه كفتحة الفنجان, ولا أحدثكم عن الفم الذي يجب أن يكون كحبة فستق, أما الحاجبان فهما سيفان يلتقيان ليذودان عن جمال العيون.... كل هذه المواصفات كانت يجب أن تكون متوفرة لدى المخطوبة أو المطلوبة للاقتران.. تقدم الزمن ووصل بي إلى عهد تحول فيه الفلسطيني إلى لاجئ ونازح ومواطن, واختلفت مقاييس الزواج عندنا وأصبح الشك يساورنا في سبب الزواج من بناتنا وأخواتنا ومن كانت لنا بهن صفة قرابة, فعندما يتقدم لاجئ للزواج من مواطنة يكون الدافع الحقيقي وراء هذا الزواج هو الطمع في إرثها من أبوها أو أخوها وهو لا يتعدى الربع بقرة أو النصف حمل أو شجرتين من الزيتون!! وتستسلم تلك الفتاة لهذه الأفكار العفنة ويفوتها قطار العمر وتصبح عانس ممتلئة بالحقد الطبقي على نفسها أكثر مما هو على من حولها وتموت وهي حاقدة على أناس حتى بهم لم تلتق... وإذا تقدم مواطن للزواج من فتاة (لاجئة) تقوم الدنيا ولا تقعد فوق رأسه من أهله ,لأن اللاجئين عند بعضهم هم طبقة ثانية, أو ركاب من الدرجة الثانية في قطار الوطن الحبيب الذي انفصلت عرباته عن بعضها منذ نكبة 1948 , فهم لا يجدون أي سبب مقنع وحقيقي وراء هذا الزواج ( لا يوجد بيارة ولا حمارة ولا حتى نصف بقرة ورثتها هذه الفتاة عن أهلهاسوى ذلك الكرت اللعين الذي يسمى كرت التموين)...وصلت لاهثة إلى عهد الانتفاضة الأولى, وما أدراك ما هذا العهد وبما يتسم, عهد اتسم باستخدام القنابل الحارقة وزجاجات الميلوتوف لكل من سولت لها نفسها تجميل وجهها او شكلها حتى (تنفق) باللغة العامية الدارجة هنا.. وكثيرات من اتهمن بالعمالة والتجسس لصالح اسرائيل وخصوصا مالكات تلك الأماكن المخصصة لذلك كصالونات التجميل.. وانتقلنا من مرحلة كان الجمال الفتان هو من يحكم ويحدد زواج الفتاة إلى مرحلة يجب أن يكون أب أو أخ أو عم أو خال الفتاة المطلوبة للزواج شهيدا" أو على أقل تقدير جريج انتفاضة تعرض للإصابة وهو يتحدى دبابة العدو بحجر!!!ومع هبوب رياح أوسلو وما حملته من تغيير واضح في مجتمعنا الذي نسي الحجر والمقلاع وصارت تلك رموز تذكرنا بانتفاضتنا وما حققته لنا من استسلام منحل, واصبحنا نلتقط صورا تلك الرموز هي خلفيتها في استديوهات الوطن!, أصبح المجتمع الفلسطيني منفتحا أي انفتاح, أصبح الشاب لا يفضل الارتباط إلا بمن تتقن اللكنة السورية أو اللبنانية لأنها تزيد من (بريستيجه) أمام أصدقائه وزملائه وأقاربه ليوقع الغيظ في قلوبهم, فهو يمتلك ما لم يستطع أحد على امتلاكه, فهي إضافة إلى اللكنة (خفيفة الدم- كما يطلقون عليها) تستخدم بعض الكلمات الانجليزية- نظرا لسفرها عبر البلاد شرقا وغربا -في كثير من الجمل لتعبر عن مدى ثقافتها الواسعة, وتجد أمه تقف وسط قريباتها كالطاووس... سبع سنوات عجاف سمان مررن على مجتعمنا منذ أوسلو حتى انتفض الشعب انتفاضة أسد جريح وقع في فخ لم يدر كيف!, وساءت أوضاع الناس المعيشية والحياتية وصار المتزوجون ينقمون على اليوم الذي تزوجوا فيه, أما ذوات اللكنة اللبنانية والسورية فلم يتحملن صوت الـ ف 16 أو الاباتشي لانهن تخلصن من هذه الأصوات بمجرد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان وسوريا, ومعظمهن عدن من حيث أتين وتركن خلفهن أزواجا مهزوزين مهزومين صاحبوا السهر والسيجارة أو لحقوا بهن أو حتى سبقوهن لأن شاطئ غزة لم يعد يمتلك مقومات الحياة الصاخبة الصارخة التي تليق بلهوهم ,أما الجيل الناشئ من الشباب فقد وجد بعضا منهم أن الهجرة من _هالبلد_ هي الحل ومنهم من نجح في ذلك وفعلا كانت حلا لمستواه المعيشي ولأهله معا, ومنهم من فضل البقاء هنا إما لقلة حيلة_هاي البلاد أحسن من غيرها_ أو لأنه لا يستطيع ترك أسرته التي يعيلها هو من راتب حكومي لا يغني ولا يسمن من جوع.. وعلى آخر عتبة من عتبات زماننا الفلسطيني الأغر, فازت حركة المقاومة الفلسطينية حماس في السلطة وأكملت المشروع الوطني بالإجهاز على ما تبقى من أنفاس لدى هذا المجتمع المحطم, انتشرت الإمارة والخلافة والتحرير وحركات إسلامية عدة أوجدت لنفسها الحق بالتدخل في طبيعة وإعادة هيكلة مجتمع لم يعد قادر على استيعاب كل هذه الصفعات, طبق بعضهم نصف الآية الكريمة(وانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) واصبحنا نرى بعضهم يمتلك أربع نساء, إنه لا يخطئ ولا يرتكب منكرات, إنه يطبق شرع الله!!أصبحنا نرى نسبة المطلقات تفوق نسبة المتزوجات لأسباب عديدة, كلها تتعلق بنشوز المرأة وما أدراك ما نشوز المرأة!!كما وقد رأينا بأم أعيننا أناس يرفضون الزواج بفتاة لأن أخيها أو أبيها لا ينتمي لنفس الفصيل الذي يتبناه شريك الحياة, أو العكس فهي تربية مساجد أما هو ففاسق فاجر يضع الجل ويدخن سجائر أجنبية, سبحان الله يتمنعن وهن راغبات...أما ظاهرة العصر المسيطرة الآن يا أعزائي فهي ظاهرة الموظفة, فهو يحتاج إلى من تغنيه عن الدين في آخر الشهر ولو تبدلت الأدوار من أول الشهر تكون هي (بنت عيشة) ويا حبذا لو كانت مسؤولة عن كل شيء, فالشكل الخارجي للفتاة لا يهم, لأن الجمال عمره قصير ويتبدد مع الزمن, فما الفائدة منه؟!أهمس في أذن كل عاقل أن تذكروا حديث الحبيب عليه الصلاة والسلام) تنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا ، وَلِجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ (فبم ظفرت أنت؟؟أعود إلى حيث أنا جالسة, مبتسمة وسط ضحكات أنثوية رائعة ممن يلتففن حولي لنحتسي الشاي ونودع بعضنا البعض آملة أن تجمعني الأيام مرة أخرى بهن وقد تغير شيء بسيط في بعض العقول والنفوس والضمائر معا, فأنا لا أطلب الكثير لكني أعتقد أني أطلب شيئا صعب أقرب إلى المستحيل...