وصلت الى غزة أمس ، أول مرة بعد توقيع اتفاق المصالحة، بعد يوم واحد فقط يمكن القول ان غزة تختلف بشكل كبير عما كانت عليه قبل توقيع الاتفاق. تختلف عن غزة التي عرفتها قبل ثلاث اسابيع فقط ، او غزة التي عدت اليها اول مرة بعد غياب ثلاث سنوات حيث كانت هذه أطول مدة انقطع فيها عن هذا المكان الذي اعشق اكثر من أي مكان آخر في العالم. غزة بعد الاتفاق تتراقص فرحا و تريد ان تضمد جراحها، ان تنظر الى الامام، تستشرف مستقبل به الكثير من الطمأنينة و الأمان. تريد ان تنسى ما مر عليها من سنوات عجاف و تطمح في طي صفحات الماضي السوداء التي اعطبت نسيجها الاجتماعي و الوطني . غزة ما بعد المصالحة صدرها اكثر اتساعا، الانطباع ان الخوف اختفى من عيون ابنائها، اكثر ثقة بنفسها و بقدرتها على اعادة ترتيب صفوفها و ترميم ما دمره الانقسام.هناك ادراك ان المهمة ليست سهلة، الثقة ما بين الأطراف ما زالت تحتاج الى الكثير من الجهد لإعادة ترميمها . يدركون ان هذا يحتاج الى وقت و الى جهد كل وطني شريف من اجل تفكيك الألغام و التغلب على الصعاب. غزة تريد ان تسمع من يشجعها، من يغرس الامل في نفوس ابائها ، لا من يقول لها ان المهمة مستحيلة. تريد ان تسمع من يقول لها ان القاسم المشترك بين الناس اكثر بكثير من نقاط الخلاف، و ان الروابط الاجتماعية المتشابكة و المتماسكة ستساعد في في طي صفحة الماضي بكل ما به من مرارة و ألم. تفاصيل الاتفاق ليست مهمة. المواطن العادي في غزة لم يقرءا الاتفاق ، و لا يريد ان يعرف ماذا اضيف او حذف في مذكرة التفاهمات. ليس مهم السؤال لماذا كان علينا الانتظار اربعة سنوات و ما الذي حدث لكي يؤدي الى هذا الانقلاب الحميد في المواقف.ليس مهم على الاطلاق من يكون رئيس الحكومة و من يكون الوزراء، لا احد يتحدث عن هذا الامر . المهم ان لا تفشل الجهود، ان تكون حكومة قادرة على توفير الاجواء الملائمة لتثبيت المصالحة. حكومة قادرة على فك الحصار و اعادة البناء ، و الاهم من ذلك ان لا تساعد اسرائيل في فرض حصار مالي يؤدي الى قطع الراتب . الناس رغم بساطة االغالبية العظمى منهم يدركون ان الاتفاق لن ينهي الانقسام في ليلة و ضحاها و ان هناك امورتحتاج الى وقت. الموظفون سواء كانوا من المؤسسة الامنية او المدنية ، من كلا الجانبين يدركون ان هذا الاتفاق سينعكس على مستقبلهم الشخصي بشكل مباشر. الجميع يبحث عن ما يطمئنه على ان شيئ لم يتغير للاسواء بالنسبة له، و ان حدث تغيير فقط سيكون على نحو ايجابي. ابناء فتح وابناء حماس اكثر المتأثرين بطبيعة الحال من هذا الاتفاق هم ابناء فتح و ابناء حماس. هم اكثر من سيلعب الدور في سرعة او رتم تنفيذ الاتفاق.الاتفاق بالنسبة لابناء فتح في غزة هو نهاية كابوس دام اكثر من اربع سنوات. الحياة تغيرت بالنسبة لهم بشكل كبير. هناك الكثير من النشاطات التي كانت محظورة و التي كانت تؤدي الى الاستدعاء و الاهانة و ربما الاعتقال اصبحت الان مسموحة. ما زالت الثقة غير موجودة ، و ما زالت الشكوك كثيرة و لكن هناك تغيير جوهري في سلوك حماس تجاههم. بلا شك ابناء فتح في غزة هم اكثر المستفيدين من هذا الاتفاق.الانطباع ان ابناء حماس تفاجئوا من هذا الاتفاق و استحقاقاته، الانطباع ان لدى الكثير منهم تخوفات حول المستقبل. هناك أسئلة كثيرة ليس لديهم اجابات حولها حتى الان، و لكن حجم الالتزام بما تقرره قيادتهم يكفي لكي يساعد على التخفيف من هذا الشعور.هناك امر مشترك ، او بمعنى اكثر دقة ، قلق مشترك يساور الجميع حول البحث عن الألية المناسبة لمعالجة اهم ملف من ملفات المصالحة، ألا وهو ملف ضحايا الانقسام.الحديث الذي يمكن ان يسمع في كل مجلس هو كيف يمكن التغلب على هذا الامر؟ الجميع يدرك ان المهمة ليست سهله و لكنها ليست مستحيلة. اخبار غير سارة لمن يكره دحلان الحديث الذي يشغل غالبية ابناء فتح في قطاع غزة بعد موضوع المصالحة بين فتح و حماس هو موضوع دحلان. هناك تعاطف من قبل الغالبية العظمى من ابناء فتح في غزة مع هذا الرجل . هذا التعاطف ينبع بالدرجة الاساسية من الشعور ان هناك ظلم يصل الى حد الافتراء بحق عضو مجلس تشريعي منتخب و عضو لجنة مركزية انتخب في المؤتمر السادس للحركة قبل اقل من عامين. تعاطف نابع من الشعور ان هناك من يحاول شطب هذا الرجل بأي ثمن و أي وسيلة.ابناء فتح في غزة يحاولون ايجاد اجابه على اسئلة كثيرة في كل ما يتعلق بهذا الامر. عن السبب الحقيقي لهذا الاستهداف . يتساءلون كيف يريدون ان يشطبوا قائد بهذا الحجم و هذا الوزن و هذا التأثير في الوقت الذي تسمع فيه دعوات لتوحيد الصفوف و الاستعداد للمرحلة المقبلة التي اهم معالمها اجراء اربعة انتخابات وفق الاتفاق خلال عام واحد ؟.رسالتهم واضحة وهي انهم يريدون نهاية لهذا الملف و انجاز المصالحة الداخلية بأسرع وقت؟