رام الله / سما / قال البنك الدولي ان السلطة الفلسطينية اتّخذت خطوات "كبيرة مهمّة" على مدى العقد الماضي على صعيد تقوية الحكم الاقتصادي ومكافحة الفساد، لكنه قال ان الحكومة الفلسطينية لا تزال بحاجة إلى استكمال بعض الإصلاحات غير المُنجزة، والبدء في تنفيذ إصلاحات أخرى. وأضاف: لقد حققت السلطة الفلسطينية تقدماً ملحوظاً في مؤسساتها العامة، وأرست بيئة حكم قوية في العديد من المجالات الحساسة، وهناك مجالات حيث الإصلاحات جارية وإن لم تكن كاملة، وبعض المجالات التي لم يجرِ التفكير في إصلاحها بعد". وقال البنك الدولي في تقرير بعنوان "الضفة الغربية وقطاع غزة: تحسين الحُكْم الرشيد وخفض انتشار الفساد"، من المقرر ان ينشره اليوم، "جرى إدخال الكثير من الإصلاحات الهادفة إلى تقوية نظم الإدارة المالية العامة وتحسين إدارة الأوراق المالية، وهما مكونان رئيسيان للقطاع المالي العام. كما أن الإصلاح جارٍ في مجالات هامة أخرى، مثل المشتريات العامة، والتوظيف في القطاع العام، وتنظيم القطاع الخاص، وعمل مؤسسات مكافحة الفساد، ولكن لم يتم تنفيذه بشكل كامل حتى الآن". ونسب التقرير للممثلة المقيمة للصندوق في الأراضي الفلسطينية مريام شيرمان قولها، "جرى تنفيذ إصلاحات كبرى، ولا سيّما في مجال إدارة الأموال العامة، وبذلك أصبحت السلطةُ الفلسطينيةُ قادرةً الآن على إدارة أنظمتها المالية العامة وحيازات الملكية لديها. غَيْرَ أنّه لا تزال هناك إصلاحات مهمة غير مكتملة ومجالات أُخرى لم يبدأ العمل فيها بَعْدُ". ويشير البنك الدولي ان الإصلاحات شملت حتى الآن: نظام الشراء العام، والتوظيف في القطاع العام، وتنظيم القطاع الخاص، وفي عدد قليل من المجالات الأخرى، وهي بصورة ملحوظة: إدارة أراضي الدولة، والشفافية في منح رخص الأعمال، وإمكانية وصول عامة الناس إلى المعلومات، حيث "وجد البنك الدولي أنّ تقدّماً ضئيلاً قد تحقّق، أو إنه لم يجد أيّ تقدّم قد تحقق فيها على الإطلاق لتحسين مستوى الحُكْم الرشيد أو الشروع في عملية الإصلاح". وقال مارك أهيرن، الاختصاصي في مجال القطاع العام وقائد فريق إعداد التقرير، "هذه المجالات ذات أهمية حيويّة لأية حكومة كانت، ولشعبها ولأعمالها، ويجب على السلطة الفلسطينية أنْ تبدأ بحيويّة ونشاط جهود الإصلاح من أجل تحسين تلك المجالات." وقال التقرير" هناك ثلاث رسائل رئيسية يمكن استخلاصها من الدراسة، الرسالة الأولى هي أن السلطة الفلسطينية قد خطت خطوات كبيرة في تحسين الحكم الاقتصادي خلال العقد الماضي، والثانية فهي أن جهود الإصلاح قد حققت درجات متباينة من النجاح، وأن على السلطة الفلسطينية معالجة التحديات القائمة، وأخيراً، فإن على السلطة الفلسطينية تبنّي مقاربة ديناميكية في التحقيق والادعاء في قضايا الفساد ونشر أنشطتها لمكافحة الفساد، وذلك من أجل بناء ثقة في الجمهور في مساءلة الحكومة". واشتمل التقرير على دراسات مسحية تُظهر أن الكثير من الفلسطينيين يتَصوّرون بأنّ الفساد موجود في الخدمات العامة، "لكنّ عدداً ضئيلاً منهم خاضوا تجربته". وتقيس تلك المسوح الطريقة التي تنظر الأُسر الفلسطينية والعاملين في القطاع العام بوساطتها إلى مستوى نزاهة الحكومة في مجال قطاع الخدمات العامة، وتُقارن تلك التصوّرات بالممارسة الفعلية للفساد. ويُقِرُّ التقرير بأنّ السلطة الفلسطينية واجهت العديد من التحدّيات، بما فيها الصعوبات التي تواجهها الحكومات الجديدة في كثير من الأحيان أثناء قيامها بتطوير المؤسسات العامة، إلى جانب الأوضاع السياسية المتنوّعة والفريدة من نوعها، التي مرّت بها السلطة على مدى العقد الماضي. ويحتوي التقرير على خمس حالات دراسية ترمي إلى إيضاح بعض التحديات، ويُركّز أيضاً على أُطر العمل القانونية والمؤسسية التي أُنشئت بهدف مكافحة الفساد. وقال التقرير "مع أنّ إنشاء هيئة مكافحة الفساد يُشكل حدثاً مهمّاً، إلا أن السلطة الفلسطينية يجب أن تضمن أن تكون الهيئةُ قادرةً على التحقيق في الادعاءات المعنية بالفساد والمقاضاة عليها". وفي هذا السياق، قال أهيرن "تحتاج السلطة الفلسطينية إلى اتّخاذ نهجٍ أكثر مُبادَرةً بشأن التحقيق في قضايا الفساد والمقاضاة عليها، وبشأن الإعلان والإعلام عن هذه الجهود بهدف بناء ثقة الجمهور في موضوع مساءلة الحكومة عن أدائها". ويتوصل التقرير إلى أن "جهود الإصلاح قد حسنت إدارة الحكم الاقتصادي في معظم المؤسسات العامة الفلسطينية خلال العقد الماضي، حيث حققت جهود الإصلاح أكبر نجاح لها في ثلاثة مجالات هي: إدارة المال العام، وإدارة الأوراق المالية وإصلاح هيئة المحروقات". ويشير التقرير الى إن الاعتقاد بأن الفساد يشكل عقبة أمام القيام بالأعمال هو في تراجع منذ تسعينيات القرن الماضي. وقال: يجدر الإقرار بأن الفضل في ذلك يعود إلى دعم السلطة الفلسطينية واتحادات القطاع الخاص للإصلاحات الهادفة إلى مكافحة الفساد، وخصوصاً أن الكثير من الحكومات التي تتمتع بخبرة أكبر بكثير من السلطة الفلسطينية، لا تزال تكافح من أجل فرض ترتيبات حكم فعالة لتنظيم أنشطة القطاع الخاص". ويجد التقرير أن "الغالبية العظمى من المنشآت في الضفة الغربية وقطاع غزة لا تعطي دفعات غير قانونية إلى المسؤولين الحكوميين من أجل تلقي الخدمات الروتينية للأعمال، وأن الضفة الغربية وقطاع غزة تحتل مرتبة جيدة جداً بالمقارنة مع بلدان أخرى في المنطقة في مؤشرات الفساد على نطاق صغير في بيئة الأعمال". كما يجد التقرير أن "السلطة الفلسطينية حققت تحسينات في القطاعات الاقتصادية التي تتسم بخصائص احتكارية، وقال: "بالنظر إلى تنظيم الأعمال عموماً، فإن على السلطة الفلسطينية أن تستكمل العمل على مسودة قانون المنافسة التي جرى إعدادها قبل بضع سنوات. إن وضع هذا القانون وتشكيل هيئة للمنافسة يعزّز المساواة بين الأطراف الفاعلة في القطاع الخاص". واعتبر البنك الدولي ان قانون مكافحة الفساد لعام 2010، والذي تأسست بموجبه هيئة مكافحة الفساد ومحكمة جرائم الفساد، "يمثل نقطة تحول كبيرة، فالقانون يوسّع دائرة الجرائم التي تعرَّف على أنها فساد، ويجعل هيئة مكافحة الفساد مسؤولة بوضوح عن إطلاع الجمهور على الفساد، وعن التحقيق بجرائم الفساد وملاحقتها. وقد بدأت هيئة مكافحة الفساد بوضع أنظمتها الداخلية، وقامت بتأسيس محكمة متخصصة بقضايا الفساد، وبدأت التحقيق في عدد من الشكاوى، بعضها أحيل إلى المحكمة". وأضاف: بينما يعتبر هذا تقدماً كبيراً، فإن على السلطة الفلسطينية أن تضمن قدرة الهيئة على تلبية تفويضها الرسمي، فالهيئات التي يتم تفويضها للقيام بوظائف متعددة، بحيث تتولى المسؤولية الشرطية، والتنظيمية، والتثقيفية، ومسؤولية توفير المشورة للسياسات، غالباً ما تكون غير فعالة، وذلك تبعاً لعدة دراسات صمِّمت لقياس فعالية جهود مكافحة الفساد". وتابع: يجب النظر بحذر إلى أولويات هيئة مكافحة الفساد على المدى القصير، فتفويضها واسع جداًـ وهي بالتالي تواجه خطر محاولة القيام بأشياء كثيرة بشكل متسرع. كذلك على السلطة الفلسطينية أن تضع آليات لمراقبة فعالية هذه المؤسسات وقدرتها على تولّي مسؤولياتها في مكافحة الفساد، ويكتسي هذا الأمر أهمية خاصة، حيث إن نتائج المسح عكست قدراً محدوداً من الثقة في أنشطة الإنفاذ للسلطة الفلسطينية". وتوصلت المسوح التي أجريت خلال عملية إعداد هذا التقرير إلى عدد من النتائج، حيث بيّنت المسوح أن عدداً قليلاً نسبياً من الفلسطينيين قد خاضوا تجربة فعلية مع الفساد في معظم الخدمات العامة، وأن الفساد لا يعتبر أحد أهم المشاكل التي يواجهونها، وهي نتيجة متوافقة مع تقييم البنك الدولي للإصلاحات والتحسينات التي قامت بها السلطة الفلسطينية. من جهة ثانية، فقد بينت المسوح التي بحثت مؤشرات الفساد في 23 خدمة عامة، أن الواسطة هي أكثر أشكال الفساد انتشاراً حسبما هو معتقد، حيث يُنظر إلى الواسطة على أنها مشكلة على وجه التحديد أمام الحصول على وظيفة حكومية، أو تحويل للعلاج في الخارج، أو تلقّي الخدمات الاجتماعية، إلا أن التجربة الفعلية مع الواسطة كانت منخفضة نسبياً، فعلى سبيل المثال، في الوقت الذي يعتقد فيه 80% من المبحوثين أن هناك معاملة تفضيلية في التوظيف الحكومي بناءً على المكانة أو العلاقات، فإن 15% فقط قالوا إنهم استخدموا العلاقات الشخصية بالفعل، وعند الحصول على تحويل للعلاج في الخارج، فان 23% قالوا إنهم استخدموا الواسطة. بالمقارنة مع الواسطة، فإن عدداً قليلاً جداً من المبحوثين أجابوا أنهم يعتبرون الرشوة مشكلة في قطاع الخدمات العامة. وبخلاف الجمارك، حيث بلغت نسبة حدوث رشاوى 5%، فإن النسبة في كافة الخدمات الأخرى كانت أقل من 2% لمن لجأوا بالفعل إلى الرشوة للحصول على الخدمات المقدمة مركزياً. وتعد تجربة الرشوة في شتى الخدمات العامة في الأراضي الفلسطينية هي أقل بكثير من الدول المقارنة، كمصر واليمن. ووفقاً للمسح، فإن المسؤولين الحكوميين الفلسطينيين يعتقدون أيضاً أن كافة مظاهر الفساد في القطاع العام قد انخفضت خلال السنوات الأربعة الماضية، ومن بين فئات الفساد الخمس التي تم عرضها على المبحوثين، فإن الفساد على نطاق كبير ينظر إليه على أنه الأقل انتشاراً، بينما يعتقد أن استخدام الواسطة هي الشكل الأكثر انتشاراً. ويعتقد المبحوثون أن استخدام الواسطة قد انخفض بشكل أكبر من أي فئة أخرى من الفساد. كما بحث التقرير في وجهة نظر القطاع الخاص، فالنظرة إلى الفساد باعتباره عقبة أمام القيام بالأعمال تميل نحو الانخفاض، ويمكن أن يعزى هذا جزئياً إلى عدد من الإصلاحات المهمة التي قامت بها السلطة الفلسطينية لتحسين طريقة تنظيم العلاقة بين القطاعين العام والخاص. وقال: ينبغي التنويه بجهود كل من السلطة الفلسطينية واتحادات القطاع الخاص المؤيدة للإصلاحات الهادفة إلى مكافحة الفساد، وخاصة في ضوء حقيقة أن الكثير من الحكومات الأكثر تقدماً بكثير لا تزال تكافح من أجل تطبيق ترتيبات فعالة لإدارة الحكم للعلاقة بين القطاعين العام والخاص.