خبر : وداعاً "ميتشل".. وداعاً "غولساري" !.. هاني حبيب

الأحد 15 مايو 2011 10:54 ص / بتوقيت القدس +2GMT
وداعاً "ميتشل".. وداعاً "غولساري" !.. هاني حبيب



كان على المبعوث الأميركي "السابق" للشرق الأوسط جورج ميتشل أن يصغي إلى نصيحة أحد أصدقائه عندما تم تعيينه غداة تسلّم الرئيس أوباما مقاليد البيت الأبيض في هذا المنصب، هذا الصديق حسب ميتشل نفسه، قال له إن ايرلندا، ليست الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وإن قدراته التي نجحت في التوصل إلى السلام في ايرلندا، غير كافية في نزاعات الشرق الأوسط.. لم يصغ ميتشل إلى هذه النصيحة، وعندما ظهر أن مهمة ميتشل تتعرض لصعوبات، أعاد هذا الصديق تقديم النصح مرة ثانية إلى ميتشل، إلى أن هذا الأخير أجاب هذه المرة قائلاً: "استغرقت مفاوضات ايرلندا سبعمائة يوم ويوماً، منها سبعمائة بلا نجاح، يوم واحد فقط كان كفيلاً بإنجاح خطة السلام" أي انه في انتظار فرصة واحدة فقط، كي تنجح مهمته في الشرق الأوسط، ولا نعلم بعد ماذا سيكون موقف ميتشل بعد أن يواجه صديقه من جديد، بعد أن اضطر إلى تقديم استقالته بعد فشله تماماً في إحداث أي نجاح على صعيد العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي والتي استغرقت، 842 يوماً بالتمام والكمال.ولا بد هنا من التذكير، بعدة تنقلات داخل إدارة أوباما، كانت تمهيداً أو ربما تداعياً لاستقالة ميتشل: فقد خرج مستشار الأمن القومي جيم جونز من منصبه، ثم تم تعيين مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي دان شابيرو سفيراً جديداً في إسرائيل، في وقت تم تعيين توم كونيلون مستشاراً جديداً للأمن القومي، وهو معروف أنه من مدرسة وزير الخارجية الأسبق جورج شولتز، وهو الذي بدأ أول مرحلة من الحوار الأميركي مع منظمة التحرير الفلسطينية في ثمانينيات القرن الماضي.وإضافة إلى هذه المقدمات، فإن توقيت هذه الاستقالة له أكثر من مغزى، إذ إنها تستبق زيارة العاهل الأردني الملك عبد الله بعد أيام، ووصول نتنياهو إلى واشنطن في الوقت نفسه تقريباً، استقالة ميتشل يبدأ مفعولها يوم 20/5/2011، وهو اليوم نفسه الذي سيقابل فيه الرئيس أوباما رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، قبل أن يلقي هذا الأخير خطابه أمام الكونغرس في 24/5/2011، وبعد أيام قليلة من إلقاء أوباما خطابه المكرس للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، والذي سيتناول فيه المسألة التفاوضية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي وربما يطرح أفكاراً جديدة حول هذه المسألة استباقاً لخطاب نتنياهو حول الموضوع نفسه!واقع الأمر، أن ميتشل استقال عملياً منذ ستة أشهر، وتحديداً منذ زيارته الأخيرة للمنطقة في كانون أول العام الماضي، وعدم إقدامه على زيارة المنطقة طوال هذه الفترة، يعني أنه استسلم للفشل قبل أن يقدم استقالته، من هنا، فإن الربط بين هذه الاستقالة وتداعيات "الربيع العربي" على المسألة الفلسطينية ليس ربطاً صحيحاً كون الاستقالة العملية للمبعوث الأميركي كانت قبل تفجّر "الربيع العربي"، إلاّ أن هذه التداعيات ربما قد شجعته إلى الاعتراف بأن مهمته التي كانت صعبة باتت مستحيلة مع تفجّر "الربيع العربي"، وساعدته على اتخاذ قرار الاستقالة، تحت "مبرّرات شخصيّة" البعض يشير حولها التكهنات مع ربطها بوصول دنيس روس إلى طاقم مجلس الأمن القومي، وهو المعروف بتأييده المطلق وبلا حدود مع إسرائيل، مما يجعل مهمة ميتشل مستحيلة تماماً، ولعلّ تعبيره في الاستقالة "أسباب شخصية" تعود إلى هذا الأمر تحديداً.ولكن.. هل استقال ميتشل أم طُلب منه الاستقالة؟! هذا سؤال له ما يبرّره على ضوء رؤية أميركية جديدة سيطرحها الرئيس أوباما مستبقاً خطابا نتنياهو، رؤية تأخذ بالاعتبار، فشل المحاولات السابقة من أجل استئناف العملية التفاوضية على ضوء تمسك نتنياهو بالعملية الاستيطانية من ناحية، وإقدام الجانب الفلسطيني إلى الخيار البديل حالياً وهو التوجه إلى الجمعية العامة، ثم مجلس الأمن من أجل انتزاع اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، دون أن نتجاهل أن أوباما قد بدأ حملته الانتخابية للرئاسة لولاية ثانية مبكراً، وهو الآن في أفضل حالاته بعد أن تزايدت شعبيته إثر اغتيال زعيم "القاعدة" بن لادن، والرؤية الأميركية الجديدة، تتطلب فرساناً جدداً، ليس منهم ميتشل الذي يتوجب أن يترك منصبه، ويقال بهذا الصدد، إن هناك ميلاً لدى أوباما أن يترأس بنفسه ملف الشرق الأوسط، من دون الحاجة إلى ممثل عنه، للإشارة إلى أنه سيمنح هذا الملف أولوية مطلقة، مع أن احتمال ذلك ضئيل، إلاّ أنه يطرح للتدليل على أن الإدارة الأميركية، ماضية في تعهداتها حول الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، رغم استقالة أو إقالة ميتشل ورغم بدء الحملة الانتخابية للرئيس أوباما وما يعنيه ذلك من صعوبة أن تتخذ الإدارة الأميركية مواقف واضحة ومحدّدة إزاء إحدى أعقد المشكلات الدولية وأكثرها تأثيراً على الوضع الانتخابي في الولايات المتحدة.لكن هناك من يفسر هذه الاستقالة، بالضد مما سبق، إذ إنها تعبر عن انسحاب أميركي تدريجي من مسؤوليتها تجاه الشرق الأوسط ومشاكله المعقدة، مع البدء بالحملة الانتخابية للرئاسة، أصحاب هذا الرأي يؤكدون أن خطاب أوباما، يوم الخميس المقبل لن يتطرق إلى التفاصيل، وسيكون أكثر عمومية، وسيخلط قضايا الشرق الأوسط، بما فيها إيران، واغتيال بن لادن و"الربيع العربي" والعملية التفاوضية، بحيث لا يركز الخطاب على قضية معينة أكثر من غيرها، إلاّ أن هذا الرأي يفتقد إلى رؤية واقعية للأحداث، إذ إن الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، خاصة خيار الفلسطيني بالتوجه إلى المنظمة الدولية، سيجبر الولايات المتحدة أن تظل لاعباً أساسياً في منطقة تعتبر تاريخياً ملعبها ونطاق تحرك سياستها الخارجية والداخلية معاً.غير أننا نرى، وبمعزل عن ظروف استقالته، أن الأمر لم يكن يتطلب مبعوثاً له خبرة وتجربة ناجحتان، بقدر ما كان الأمر يتطلب سياسة نزيهة ذكية أكثر تحديداً وجرأة، وهذا ما لم توفره إدارة أوباما لمبعوثها، الذي اضطر للانسياق دائماً وراء تراجعات أميركا عن تعهداتها المعلنة، ووظف إمكانياته وقدراته في تبرير هذه التراجعات على حساب جهد جدي من أجل استئناف العملية التفاوضية، وفشل ميتشل ليس فشلاً شخصياً بقدر ما هو فشل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وهو ضحية لهذه السياسة المؤازرة للموقف الإسرائيلي على حساب المصالح الأميركية.. وربما اليوم الوحيد الذي تحدث عنه ميتشل، هو نجاحه في ذلك اليوم في التوصل إلى قراره النهائي بالاستقالة. أقول: وداعاً "ميتشل".. وداعاً "غولساري".. ومن لا يعرف غولساري عليه العودة إلى رائعة الروائي القرغيزي جنكيز ايتماتوف!www.hanihabib.net – hanihabib273@hotmail.com هاني حبيب