كثيرة هي المواقف التي تعكس فهما متخلفا لمفهوم شرف الإنسان في مجتمعنا، فقد أصبح من العادة حصر مفهوم شرف الرجل أو الأسرة بمدى صون المرأة لنفسها، وتحت شعار "الحفاظ" على المرأة، انتهكت حقوقها الإنسانية بما في ذلك حقها في العيش الحر والتعبير عن مشاعرها بعيدا عن القمع والإكراه والإرهاب . وان كان الموروث الثقافي وما تضمنه من مفاهيم تجاه المرأة وحقوقها قد أرسى بظلاله على ثقافة المجتمع السائدة الآن، فان البعض ممن يحاربون المرأة وحقوقها وجدوا في العديد من العادات والتقاليد ضالتهم، ليوهموا أنفسهم والآخرين بان تلك المفاهيم تستند إلى تعاليم الدين، في حين أنها لا تمت للدين ولا لمفاهيم العدالة بأي صله، وهي بالأساس نتاج لواقع الهيمنة الذكورية في مجتمع امتاز بالعلاقات العشائرية والأبوية . وان عبرت تداعيات ذلك عن اضطهاد المرأة في كافة المجالات والميادين، فان ما عمق ذلك ضعف وعي المرأة بحقوقها، ومحدودية تأثيرها في الدفاع عن قضاياها بصورة منظمة وفاعلة، أحيانا تجد الكثير من النساء يعتبرن واقع اضطهادهن القائم أمر طبيعي، وبأنهن خلقن هكذا أدنى مرتبة من الرجل، وبأنهن "ناقصات"، ويجب أن لا يتمتعن بالحقوق أسوة بالرجال، كما أن ضعف القوى السياسية وان كان بنسب متفاوتة في الدفاع الجاد عن حقوق المرأة وقضاياها، ساعد في تكريس هذا الواقع المؤلم الذي تعانيه نساء بلادنا . في مجتمعنا الشرف كلمة "سحرية" تحدد المكانة الاجتماعية والأخلاقية لهذا الأسرة أو تلك .. مفهوم انحصر بين فخدي المرأة، فما دام الأمر مصان، فالشرف منتصب ، حتى ولو كان الإنسان يكذب و يسرق و يضطهد الآخرين، او يمتهن كرامة من حوله ويلحق الأذى بهم. والمرأة قد يهدر دمها أو تتعرض للعنف إن سمحت لمشاعرها التعبير عن طبيعتها الإنسانية، بالإعجاب او بحب رجل تطمح بان يكون شريك حياتها، وقد أصبح مسلسل الممنوع والعيب طويل بحيث ضاق الأفاق أمامها، لتُمنع من ممارسة حياتها كبشر، وابسط تلك الأشياء ان تختار وتحدد مستقبلها بحرية كما تريد، ووفقا لرغبتها وقناعتها، وفي أن تلبس كما يحلو لها، وتمارس هواياتها كما تحب .. أن تنافس الرجل في كافة الميادين بعيدا عن السدود والموانع . وتحت شعار" الشرف" والخوف من "العيبة" "والرذيلة" صار من الطبيعي وأحيانا من " الأخلاق " أن تسجن المرأة ليس في بيتها فحسب وإنما في ذاتها، وداخل أسوار وموانع المجتمع . أليس من الجريمة أن ننكر على المرأة حقوقها ؟ وان تُمنع من ممارسة حقها الإنساني في العيش بحرية في إطار القانون الذي يضبط سلوك كافة أفراد المجتمع دون تمييز؟ أليس من الجريمة أن تتعرض للعنف والقتل والتعذيب عند ارتكابها خطأ ما ؟ أو أن تذبح إن شك أهلها بأنها قد أطلقت العنان لمشاعرها للتعبير عن ذاتها، او لمجرد اتهامها "بالرذيلة" والفسق ؟ كثيرة هي الجرائم التي وقعن النسوة ضحية لها، العشرات منهن قتلن بسبب ردود الفعل وثورة الأب او الأخ أمام معلومة دون التحقق او التأكد منها، لقد استسهل البعض قتل بناتهم بدواعي الحفاظ على "الشرف"، ليكتشفوا فيما بعد بأنهن بريئات، وإن كان هؤلاء يتحملون مسئولية جرائمهم، فان المجتمع بأكمله يتحمل مسئولية ذلك، كونه يعطي الغطاء لمثل هذه الجرائم النكراء بموجب الثقافة السائدة، كما أن السلطة الفلسطينية تتحمل مسئولية أساسية في استمرار مثل هذه الجرائم، كونها لم تحسم الأمر لوقف العمل بكافة المواد القانونية التي تشجع على قتل المرأة بدواعي الحفاظ على " الشرف " ، وكيف يمكنها التهاون مع القتلة الذين ينصبون أنفسهم كمحققين وحاكم وجلادين في آن واحد، ليصادروا حق المرأة بالحياة ؟ لقد أصبح مفهوم الشرف مجتزأ في بلادنا، فالرجل شريف طالما لم يُمس عرضه، حتى لو كان يرتكب كل المبيقات والمحرمات، والرجل شريف حتى لو مارس الجنس مع عشرات النسوة، بينما لو رمقت ابنة أو أخت احدهم رجل بنظرة، يبيح لنفسه تعذيبها ومن الممكن قتلها ؟؟!! آية إبراهيم براذعية، ضحية للتخلف وعصبوية الرجل، ضحية لثقافة بائدة ولنفس مريضة لا تقوى أن ترى الإنسان إنسان، ولا تستوعب مشاعر الحب الإنساني الصادق ، وهي بالتأكيد مجرده من الرحمة وكل القيم الإنسانية، آية ليست الضحية الأولى، ولن تكون الأخيرة إن بقي الوضع كما هو عليه، لكنها بالتأكيد صرخة مدوية في وجه الظلم والاضطهاد .. صرخة تحمل الجميع مسئولية هذه الجرائم التي يجب أن يوضع حد لها، وان يعاقب المجرمون بأقصى العقوبات الرادعة ، فالمرأة كما الرجل يجب أن يحميها القانون في كل الأحوال، ومعايير الشرف يجب أن لا تنحصر في نزواتها، بل يجب أن تكون أكثر شمولية ليس فيما يخصها فحسب، وإنما بما يتعلق بالرجل وسلوكه أيضا . كلنا مسئول عن أفراد أسرته، وإن كان من الطبيعي متابعتهم وتوجيههم التوجيه الصحيح والاهتمام بهم، فعلى الذين يفكرون بإلحاق الأذى ببناتهم بدعوي انتهاكهن لشرف الأسرة او العائلة، أن يحاسبوا أنفسهم قبل حساب بناتهم، وعلينا جميعا أن لا ننكر عليهن حقهن الإنساني بالعيش كبشر لهن كامل الحقوق، وبامتلاكهن مشاعر تتفاعل مع الواقع كما الرجل ، وعلينا الحرص على مساعدتهن في بناء المستقبل الذي يريدنه بطريقة صحيحة وسوية . وهنا أسجل احترامي وتقديري لكافة الأطر والمؤسسات والأقلام التي أدانت جرائم القتل الأسود بحق النساء، كما أضم صوتي لكافة الأصوات الحرة المطالبة بوضع قانون الأسرة والأحوال الشخصية والعقوبات على طاولة البحث لإنصاف المرأة والحفاظ على كرامتها وحقوقها. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني Nafez_gaza2000@yahoo.com