خبر : الرواتب .. ابتزاز مزدوج !.. هاني حبيب

الأربعاء 11 مايو 2011 09:40 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الرواتب .. ابتزاز مزدوج !.. هاني حبيب



مرة أخرى، تلجأ إسرائيل، دولة الاحتلال، إلى إشهار سلاح الضغط المالي بهدف إفشال أي جهد فلسطيني يهدف إلى توطيد الوضع الداخلي والاستجابة لمتطلبات إنهاء الاحتلال. مارست إسرائيل هذا السلاح عند تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، ومارسته قبل ذلك ضد السلطة الوطنية وظلت جموع الموظفين بلا رواتب لأكثر من عام ونصف العام، ومارست هذا الضغط، أيضاً، حتى عندما كانت تتوفر السيولة المالية لدى السلطة الوطنية وامتنعت عن ضخ عملة الشيكل إلى بنوك قطاع غزة، واليوم، تقوم إسرائيل بالتوقف عن تحويل أموال المقاصة من أموال الضرائب والرسوم الجمركية إلى السلطة الوطنية الفلسطينية رداً حاقداً على نجاح الفلسطينيين في التوصل إلى مصالحة، تعتبرها إسرائيل، موجهة ضد مصالحها.أطراف عديدة، إقليمية ودولية، مارست ضغوطاً على إسرائيل كي تعود عن قرارها الابتزازي هذا، الولايات المتحدة كما الاتحاد الأوروبي، وكذلك جمهورية مصر العربية، كلها طالبت إسرائيل بضرورة دفع الاستحقاقات المالية للسلطة الوطنية الفلسطينية، مع ذلك لا تزال حكومة نتنياهو تماطل في الاستجابة لهذه الدعوات، الأمر الذي أوقع السلطة الوطنية الفلسطينية في مأزق مالي، من خلال التوقف عن دفع رواتب الموظفين، وما ينطوي عليه الأمر من تداعيات خطيرة على المجتمع الفلسطيني، حيث أن رواتب الموظفين هي أحد أهم عناصر الحراك الاقتصادي الداخلي.وإذا كان من الصحيح أن الضغط الإقليمي والدولي، هو ضرورة لإرغام إسرائيل على الامتثال للاتفاقيات الموقعة مع السلطة الوطنية بهذا الشأن، فإنه من الصحيح، أيضاً، أن البديل عن ذلك، ولو مؤقتاً، هو أن تستجيب الدول العربية لاستحقاقات المصالحة، وتقوم هي، قبل غيرها، بإنقاذ المصالحة من خلال تقدمها بالعون المالي إلى السلطة الوطنية، لمواجهة الابتزاز الإسرائيلي المعلن. كافة الدول العربية أعلنت عن سعادتها بوصول الفلسطينيين إلى حل أزمة الانقسام، لكن المطلوب، التعبير عن هذا الموقف، عملياً من خلال سد الفجوة المالية لدى السلطة عوضاً عن الابتزاز الإسرائيلي، إذا كانت هذه الدول، حقاً، هي مع إنهاء الانقسام في الساحة الفلسطينية، ناهيك أن ذلك واجب قومي في كل الأحوال والظروف.لم يكن الموقف الابتزازي الإسرائيلي مفاجئاً، ليس فقط لأنها استخدمته مراراً وتكراراً، ولكن لأن هذا الابتزاز هو أساس العلاقة الإسرائيلية مع الجانب الفلسطيني، خاصة، عندما ترى حكومة إسرائيل أن هذا الابتزاز من الممكن أن يسهم في إفشال الخطط الفلسطينية الرامية إلى إعداد السلطة للانتقال إلى مرحلة الدولة، هذا الابتزاز هو تعبير لا حدود له عن الغيظ الذي تملّك حكومة الاحتلال وهي ترى الفلسطينيين، رغم الابتزاز والحصار والحرب المستمرة بكافة الوسائل والطرق، نجحوا في هذا الامتحان الصعب، وأسسوا بنجاح باهر، بناء أسس دولتهم المستقلة، لهذا لم يكن من المستغرب أن تلجأ إسرائيل لمثل هذه الوسائل المالية، لأسباب سياسية بالدرجة الأولى، فالأمر يتجاوز الأموال إلى السياسات، والأمر لا يقتصر على جوانب تقنية أو خلاف بهذا الشأن أو ذاك، بقدر ما هو استخدام الضغط المالي، كوجه من أوجه الضغط السياسي.لكن ما هو مفاجئ، أن يتجاهل البعض توجيه الاتهام إلى إسرائيل، دولة الاحتلال، باعتبارها المسؤولة أولاً وأخيراً عن عدم دفع رواتب الموظفين، وتجاهل الدور السياسي المتعمد لهذا الأمر في إطار العلاقات الإسرائيلية ـ الفلسطينية، إذ إن النظر إلى مسألة الرواتب من زاوية واحدة، وهي استحقاقات الموظفين، من دون النظر إلى دوافع إسرائيل السياسية، من وراء ذلك، هو إلغاء لكل الشعارات التي رفعها هذا البعض نفسه: "الجوع ولا الركوع" كي يمارس بتنافس غير مفهوم، الضغط مع إسرائيل على الجانب الفلسطيني، بدلاً من الإسهام في الحملة التي شنها الأجانب على إسرائيل بسبب ابتزازها المالي هذا، هذا البعض، لا يبتز السلطة فقط، بل يبتز الموظفين لتحريضهم على السلطة، مستثمراً أوجاعهم وظروفهم الصعبة لصالح أجنداته الخاصة، وإذا كانت إسرائيل ومن خلال ابتزازها المالي والسياسي، تهدف إلى حث الموظفين الفلسطينيين على مواجهة قيادتهم الوطنية، لإثارة فتنة داخلية تودي بنتائج المصالحة، فإن الابتزاز الداخلي الفلسطيني من قبل هذا البعض، يصبّ في ذات الاتجاه حتى لو ادعى غير ذلك، يهدف إلى أهداف محددة من خلال استثمار عدم صرف الرواتب لمواجهة بين جموع الموظفين وقيادة السلطة الفلسطينية، خاصة حكومة فياض التي يوجه لها هذا البعض، اللوم والمسؤولية عن وقف الرواتب، وليس إلى دولة الاحتلال!وإذا لم تتمكن كافة الضغوط، حتى الآن، من إثناء إسرائيل عن قرارها، فإن الأمر مختلف تماماً مع الابتزاز الداخلي، فالموظفون أكثر إدراكاً من قيادتهم النقابية ووعياً باستهدافات إسرائيل من وراء هذا القرار، ورغم الظروف الصعبة، فإن الشكوى ظلت في إطار تحميل دولة الاحتلال مسؤولية ما يجري، الموظفون أكثر وعياً وتحسباً لاستهدافات إسرائيل، ولم يصدر عنهم سوى الصبر الممزوح بآلام مخاض المصالحة، ولم يستجيبوا لدعوات التحريض الصادر عن كم هائل من الحقد والكراهية والانتقام.وتعلم إسرائيل، أن فياض، بات مطروحاً كرئيس للحكومة الانتقالية بقوة متزايدة يوماً بعد يوم، ليس من قبل بعض الأطراف السياسية الفلسطينية فحسب، بل من قبل جموع فلسطينية أخذت على عاتقها القيام بحملات شعبية للضغط على الأطراف المقررة لإبقائه على رأس الحكومة الجديدة. الابتزاز الإسرائيلي موجه بدرجة كبيرة، ضد دعم فياض في هذا الموقع، إذ من مصلحتها عدم اكتمال بناء مؤسسات الدولة المرتقبة، وهي في سبيل هذا الهدف، لا تزال مصرّة على عدم الاستجابة للضغوط لتحويل الاستحقاقات المالية، ومع أن الابتزاز الداخلي الفلسطيني، موجه ضد فياض وحكومته، إلاّ أن الأمر لم ينعكس سلباً، بل وبالعكس، ازدادت شعبية فياض من خلال ما نراه ونشاهده ونسمعه على صفحات التواصل الاجتماعي والمواقع الفلسطينية ومقالات الرأي، وهي كافية للرد على كل ابتزاز وتحريض، وهي درس لكل من يحاول استثمار أزمات وآلام الناس والموظفين لصالح أجندة شخصية!www.hanihabib.net – hanihabib273@hotmail.com