خبر : قراءة فلسطينية لدلالات الانتفاضات الشعبية الديمقراطية في العالم العربي ...جميل هلال

الثلاثاء 10 مايو 2011 12:26 م / بتوقيت القدس +2GMT
قراءة فلسطينية لدلالات الانتفاضات الشعبية الديمقراطية في  العالم العربي ...جميل هلال



  كيف يمكن قراءة الحراك الشعبي الديمقراطي الذي تشهده البلدان العربية فلسطينيا؟  هذا السؤال معني به  جمهور الشباب الفلسطيني الذي يشعر أن عليه أن يشارك في الحراك الديمقراطي الشبابي على اتساع العالم العربي وهو الذي فجر الانتفاضة الأولى وكان وقود الانتفاضة الثانية.  ومعنية به التنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني الفلسطينية داخل وخارج فلسطين التاريخية. وهو سؤال يستوي جوابه عبر كيفية فهم الشرط الفلسطيني الذي يختلف، في جوانب هامة، عن الشرط الذي توالدت فيه الانتفاضات العربية. فالشعب الفلسطيني هو الشعب العربي الوحيد الذي  ينقصه دولة وطنية،  وتواجه مكوناته المتعددة ظروفا وأوضاعا مختلفة نجد بينها سيطرة الاستعمار الاستيطاني وفرض الحصار الخانق وممارسة التمييز القومي  والعنصري  والتعرض لمقتضيات حالات اللجوء والشتات والمنفى.  بتعبير آخر تتداخل في الشرط الفلسطيني القضية الوطنية بالقضية الديمقراطية (بامتداداتها الاجتماعية والثقافية). ولذا فإن القراءة الفلسطينية لمسيرة وشعارات الثورات والانتفاضات الشعبية الديمقراطية في العالم العربي (وتحديدا في تونس ومصر) تستدعي  تشخيص حالة الحركة الوطنية  الفلسطينية  وما دخل عليها من انقسام وما غاب عنها من مؤسسات الوطنية جامعة (تشريعية وتنفيذية)، وما تعانيه من ارتباك في برنامجها الوطني بعد اتفاق أوسلو، وافتقادها لقيادة وطنية موحدة تحظى بالشرعية من غالبية الشعب الفلسطيني، وما بات يتهددها شعبها من تجزئة  تتمأسس في معازل (في الضفة، وقطاع غزة،  وداخل الخط الأخضر، ومناطق الشتات واللجوء) بعد أن فقدت المؤسسات والهيئات والنشاطات التي  كانت تجمع بينها خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، ولا تجد ما يوحد نضالها أجل  حقوقها الوطنية والديمقراطية والإنسانية.   ومع تهميش مؤسسات منظمة التحرير  وتذوبيها في مؤسسات  السلطة الوطنية (سلطة الحكم الذاتي محدودة الصلاحيات)  واتحاداتها القطاعية  والمهنية (الطلاب والمرأة والعمال، والمهندسين والمعلمين والكتاب والصحافيين، الخ)  تراجع الدور النضالي الجمعي الذي  يشرك كل  مكونات الشعب الفلسطيني في النضال الوطني التحرري.  يبدو أن النهوض بالدور الوطني التحرري للحركة الوطنية الفلسطينية يشترط إعادة بنائها على أسس ديمقراطية تمثيلية بما يشرك قواعدها الاجتماعية (في فلسطين التاريخية وخارجها) بما يختزنه هذه من رصيد بشري واجتماعي وثقافي نضالي. واستنادا إلى مراجعة تجربة منظمة التحرير في عقودها الثلاثة الأولى تبرز الحاجة إلى الأسس التالية في عملية إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية:أولا، ضمان تمثيل كل مكونات الشعب الفلسطيني داخل فلسطين التاريخية وخارجها وبالأشكال التي تناسب أوضاع وخصوصيات كل تجمع فلسطيني.ثانيا، تكريس مبدأ التعددية السياسية والتنظيمية والفكرية في بنية الحركة، وبما لا تستثني أي من التيارات السياسية والفكرية الفاعلة بين صفوف الفلسطينيين.ثالثا، احترام الحقوق الديمقراطية للفلسطينيين (حق الانتخاب الدوري والترشيح والتعبير والرأي والتنظيم والتجديد الدوري للقيادات السياسية والنقابية).رابعا، اعتماد أسس مدنية في مرجعيتها (الميثاق) ، أي أن لا تكون ذات مرجعية دينية أو شمولية، بما يتيح المحاسبة والنقاش والمعارضة.  خامسا، أن تكون المرجعية  شاملة لكون مكونات الشعب الفلسطيني. وقد يعني هذا العودة إلى الميثاق الوطني و تحديثه على ضوء التحولات الفلسطينية والإقليمية والدولية. ويترتب على هذا تجاوز اتفاق أوسلو  الذي ساهم، موضوعيا، في تجزئة الشعب الفلسطيني وفي تهميش منظمة التحرير وفي التغطية على سياسة إسرائيل الاستعمارية الاستيطانية.سادسا، أن  تتسع الحركة لأشكال النضال التي تتناسب مع أوضاع واحتياجات  وأهداف كل تجمع فلسطيني داخل  فلسطين التاريخية وخارجها، بما يخدم الحقوق الوطنية والديمقراطية للشعب الفلسطيني: فالنضال الوطني في الشتات  يتركز حول حق العودة والحقوق الاجتماعية والإنسانية للاجئين ومن أجل رفع الوصاية  الأمنية عن المخيمات؛ ويتركز في الضفة الغربية وقطاع غزة على إنهاء الاحتلال والاستيطان  وضد الجدار العنصري، وضد الحصار الخانق على قطاع غزة؛ ويتركز  النضال بين صفوف الأقلية الفلسطينية في إسرائيل على رفض التمييز العنصري ومن أجل الحقوق القومية.سابعا، هناك حاجة لإعادة بناء الاتحادات والنقابات الفلسطينية الموحدة (الطلاب، المرأة، العمال، المهندسين،  المعلمين، الأطباء، الكتابـ، الصحافيين، وغيرها)، لتوحيد الجهود على أسس قطاعية ومهنية ومن أجل تنظيم الحراك والتفاعل الاجتماعي والثقافي. فقد تراجع دور هذه الاتحادات والنقابات بعد تهميش منظمة التحرير مما ساهم في تجفيف الروابط بين التجمعات الفلسطينية. بناء حركة وطنية جديدة أم إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية؟يتردد تساءل حول عملية بناء الحركة الوطنية: هل يتم هذا عبر إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير التي تم تهميشها و تجميدها منذ قيام السلطة الفلسطينية على أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1994، والتي لم تجدد هيئاتها منذ بداية عقد التسعينيات، وغابت عن هيئتها التشريعية (المجلس الوطني الفلسطيني) الاجتماعات الدورية وانتخاب هيئته التنفيذية (اللجنة التنفيذية)، أم يتم بناء حركة جديدة تراعي الأسس والمبادئ التي أوردتها أعلاه ؟ نظريا  يمكن القول  أن  لا مشكلة ما دام الهدف يتمثل في إعادة بناء الحركة الفلسطينية على أسس ديمقراطية تمثيلية جامعة، وفق مرجعية تحظى بإجماع وطني. لكن الأمر ليس كذلك على أرض الواقع السياسي لما يحمله أي إعلان عن تأسيس حركة وطنية جديدة من مخاوف سياسية فئوية تقف وراء هذه الدعوة، وتحديدا أنها تأتي في ظل انقسام أخذ أبعادا جغرافية-سياسية وتعبيرا كيانيّا (حكومة في غزة وأخرى في الضفة) رغم أن الكيانين  يخضعان للاحتلال والحصار. بل بات كل منهما يميل أكثر فأكثر لاستخدام أجهزته الأمنية لفرض سيطرته على مواطنيه من الفلسطينيين. وغاب في ظل العراك الدائر بينهما منذ منصف العام 2007 التفكير الجدي في صياغة إستراتيجية موحدة لمجابهة السياسة الإسرائيلية.  للاعتبارات السابقة فإن  أية دعوة لتأسيس حركة وطنية جديدة  تتجاهل منظمة التحرير ستفاقم من حالة الاستقطاب الفلسطيني  الحاد، وستقود إلى رفع وتيرة التناحر الفئوي ومن الارتهان إلى قوى خارجية  لها حساباتها الخاصة. ولذا فليس من الحكمة القفز عن هدف  إعادة  بناء منظمة التحرير  رغم ما أصابها من جمود  وعطب وتهميش و تقادم، وذلك لأسباب عدة، لعل أبرزها، التالي:أولا، هناك إجماع وطني على إعادة بناء منظمة التحرير لتكون مؤسساتها مؤسسات وطنية جامعة، لكن ذلك بقي دون اتفاق تفصيلي على جدول زمني وآليات تنفيذ، وهو أمر ينتظر التوافق الوطني.ثانيا، لمنظمة التحرير تراث نضالي وكفاحي ينبغي البناء عليه وليس التنكر له.  ولذا فالمطلوب ليس تجاهل هذا التراث  بل التعريف به وإحيائه، وبخاصة  أن نسبة عالية من الشباب الفلسطيني في الداخل والخارج لا تعرف عن هذا التاريخ إلا قليل القليل؛  فمعظمهم  لم  يعايش مرحلة نهوض المقاومة الفلسطينية في أواخر الستينات وفي السبعينات  في الشتات و داخل الخط الأخضر ولا صورة لديهم عن صمودها في لبنان أمام الاحتياجات والاعتداءات الإسرائيلية، وبعضهم كان صغيرا أو غير مولود خلال الانتفاضة الأولى. ثالثا، يتوفر اعتراف عربي ودولي واسع للمنظمة، ولن يكون من السهل بتاتا الحصول على اعتراف مماثل لحركة جديدة، بل يصعب الحصول على اعتراف فلسطيني واسع بها. رابعا، كانت للمنظمة وفصائلها دورا محوريا في دعم وتشريع دور الاتحادات القطاعية والنقابات العمالية والمهنية. ولعبت هذه دورا مهما في  توفير القاعدة الاجتماعية  الشعبية العريضة  للمنظمة مما مكّّن من تعبئة وإشراك الفئات الشعبية والكادحة للشعب الفلسطيني، في النضال الوطني. كما ساهمت في تشييد الصلات التنظيمية والنضالية بين هذه التجمعات رغم التباعد والانقطاع الجغرافي بينها. مع تهميش مؤسسات منظمة التحرير  جرى تهميش هذه الاتحادات وتحويلها إلى هياكل  بيروقراطية  غير فاعلة وغير تمثيلية  وبدون دور وطني مؤثر، وبالتالي فهي باتت غير قادرة على الدفاع عن مصالح  الشرائح الاجتماعية المفترض أن  تمثلها.إذا كان لنا أن نقرأ الدلالة  الأبرز للانتفاضات العربية بخصوص الوضع الفلسطيني  حيث تتداخل القضية الوطنية مع قضايا الديمقراطية  والقضايا الاجتماعية، فإن ما يبرز هو ضرورة منح أهمية خاصة لإعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية على أسس ديمقراطية تمثيلية جامعة تعيد تركيز الاهتمام على وحدة الشعب الفلسطيني،  وتعيد جدولة المهام الوطنية والاجتماعية  على أسس تشرك التجمعات الفلسطينية المختلفة  (بشبابها وشيبها رجالا ونساء)  في النضال الوطني  والديمقراطي والاجتماعي وفق خصائص  وظروف كل تجمع.  وتؤشر الثورات والانتفاضات العربية، وما تقترحه تجربة العقدين الأخيرين، إلى الحاجة لهيكلة العلاقة بين منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وإلى إعادة صياغة مهام الأخيرة ليس لأنها على أعتاب التحول إلى دولة (وهي ليست كذلك)، بل إلى ضرورة تحريرها من ضغوط وقيود وإذلال  الدولة الاستعمارية  ومن انحياز سافر من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبية للدولة الاستعمارية العنصرية، و هذا لن يتم  دون حراك جماهيري واسع  ومتنامي  يأخذ الأشكال المناسبة في كل  تجمع فلسطيني  مستلهما قيم  التحرر والمساواة والعدالة الاجتماعية والحق في تقرير المصير. كاتب فلسطيني عن شبكة السياسات الفلسطينية