تحقيق/ إياد الحسني / "انتظرنا موسم الشتاء هذا بفارغ الصبر حتى تتساقط الأمطار، ولكن من الواضح أننا سننتظر أطول من ذلك بكثير من أجل رؤية ما استطعنا زراعته بشق الأنفس من بذور حقلية كالقمح والشعير والبازيلاء والفول وغير ذلك على الحدود الشرقية لقطاع غزة، بمحاذاة السلك الفاصل بين القطاع وإسرائيل، والتي لا نستطيع نقل أو إيصال المياه إليها كباقي المناطق الأخرى". وأضافت المواطنة أمل العطار "أم أسامة"، إن تأخر سقوط الأمطار هذا الموسم عن موعده أحياناً، وانحباسها في أحيان كثيرة هذا العام، يُنذر بكارثة غير طبيعية، خاصة على صغار الملاك من المزارعين الذين يعتمدون بالأساس على مياه الأمطار في ري مزروعاتهم، ولا يقدرون على حفر برك إسمنتية لتجميع المياه، أو نقل المياه بالصهاريج إلى مثل هذه المناطق الخطرة والذي يكلفهم مبالغ طائلة هم في غنى عنها، أو حتى تمديد شبكات ري كونهم يزرعون في مناطق تعتبر محظورة لوقوعها في منطقة ما يُسمى بـ"الحزام الأمني" التي فرضته سلطات الاحتلال. وقالت العطار من سكان وادي السلقا: "إن أرضنا التي تبلغ مساحتها نحو 10 دونمات، لا تبعد عن السياج الأمني الفاصل بين شرق القطاع وداخل الخط الأخضر سوى 1000 متر تقريباً، ولذلك فنحن محرومين من نقل المياه إلى هناك في أوقات كثيرة، وبالتالي فإن هذا الأمر بالتأكيد ينعكس سلباً على مجمل حياتنا كباقي المواطنين في قطاع غزة الذين يعيش معظمهم تحت خط الفقر، والذين يعتمدون بالأساس على مثل هذه الأنواع من البقوليات كمصدر غذاء أساسي، وكذلك حيواناتهم كالأبقار والماشية والماعز التي تعيش على مخلفات هذه الزراعة أيضاً. البكري: ما ينتظر السكان هو وضع كارثي رئيس إتحاد لجان العمل الزراعي في غزة محمد البكري وصف الوضع الذي ينتظر سكان قطاع غزة نتيجة استمرار انحباس الأمطار معظم موسم الشتاء بأنه كارثي، وسيخلِّف حالة شديدة من الجفاف، ناهيك عن الأمراض التي ربما قد تصيب الإنسان جراء زيادة نسبة الملوحة والتلوث في ما هو متوفر من هذه المياه في الخزان الجوفي الذي يُعاني أصلاً من عجز كبير جداً وصل في الكثير من الأحيان إلى أكثر من 70 إلى 100 مليون متر مكعب. وبيَّن، البكري أن قطاع الزراعة في غزة يعتمد بالأساس إما على مياه الأمطار، أو على الخزان الجوفي، ولكن في مثل هذه الحالة، التي قليلاً ما مرت على السكان، وهو انحباس الأمطار من جهة، وعجز الخزان الجوفي من جهة أخرى الذي يزداد يوماً بعد يوم، يُنذر بكارثة لا تُحمد عقباها، خاصة وأن إسرائيل التي تتعمد من خلال إقامتها مصائد مائية على الحدود الشرقية للقطاع، استنزفت هذا الخزان وسرقت مياهه وقامت بضخها إلى داخل إسرائيل لري مزروعاتها على حساب أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني محاصر في غزة. وأشار إلى أنه وللتغلب على هذه الأزمة، والاستغلال الأمثل لمياه الأمطار في حال تساقطها على القطاع، نفذ اتحاد لجان العمل الزراعي مشاريع عدة في هذا الجانب، خاصة حفر برك إسمنتية كبيرة، جزء منها هو عبارة عن مصائد لمياه الأمطار كونها تُحفر بجوار الدفيئات الزراعية التي يُوضع على أسطحها قنوات بلاستيكية "مزاريب" تصب في هذه البرك، والجزء الآخر هو لمساعدة المزارعين في شفط المياه من الآبار وضخها فيها، ومن ثم ري المزروعات من خلال ماتورات شفط صغيرة تُركب خصيصاً على حافة هذه البرك، للتغلب على انقطاع التيار الكهربائي. وذكر البكري أن اجتماعات وورش عمل وندوات عدة عقدتها المؤسسات ذات العلاقة لإيجاد حل لهذه الأزمة التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من تهديد حياة البشر، ولكن تبين أن الحل هو سياسي بالدرجة الأولى، ويحتاج إلى جهود صناع القرار للضغط على إسرائيل لمنعها من سرقة مياه القطاع واستنزاف الخزان الجوفي، مضيفاً أما ما يتعلق بالشق السكاني، فكان هناك توصيات تؤكد على ضرورة ترشيد استخدام المياه في المنازل، والبحث عن المياه المعالجة لري الأشجار الحرجية والمثمرة. شبلاق: تم الشروع بتنفيذ مشاريع لتحسين خدمات المياه من جهته أوضح المدير العام لمصلحة مياه بلديات الساحل المهندس منذر شبلاق أن مصلحة مياه بلديات الساحل شرعت مؤخراً بتنفيذ مجموعة من المشاريع التي تهدف إلى تحسين خدمات المياه والصرف الصحي في مناطق مختلفة من قطاع غزة حيث تم التعاقد مع مجموعة من المقاولين المحليين لتنفيذ هذه المشاريع، وذلك بتمويل من وكالة التنمية والتطوير التركية "تيكا" بقيمة 5 ملايين دولار أميركي. وقال شبلاق "إن البدء في تنفيذ هذه المشاريع، يأتي في سياق العمل المتواصل من أجل دعم وتطوير خدمات المياه في قطاع غزة، سواء على صعيد مياه الشرب أو الصرف الصحي"، مشيراً إلى أن هذه المشاريع الثمانية تطال مناطق مختلفة من قطاع غزة، حيث سيتم ضمن هذه السلسلة من المشاريع تطوير عشرة آبار المياه بأحدث الوسائل التقنية، وتركيب نظام تحكم عن بعد خاص بتشغيلها ومراقبتها، بالإضافة إلى تركيب شبكات كهرباء ضغط عالي ومنخفض خاص لهذه الآبار ومحطات التحلية". وأشار إلى أنه تم البدء في مشروع إنشاء خزان تجميع مياه أرضي بسعة 3000 متر مكعب في منطقة جباليا في شمال قطاع غزة، بهدف تحسين توزيع المياه في المنطقة الغربية من مدينة جباليا، بالإضافة إلى حفر وإنشاء ثلاثة آبار مياه وخط ناقل في خان يونس، لخدمة سكان مدينة خان يونس والمدن الشرقية لهذه المحافظة، كما سيتم أيضاً إعادة تأهيل شبكات المياه في كل من النصيرات وخان يونس ورفح. جنينه: القطاع دخل الآن مرحلة الخطر الشديد في نقص المياه بدوره أكد رئيس مجموعة الهيدرولوجيين في قطاع غزة المهندس رياض جنينه، أن قطاع غزة الذي استنفذ ما يتراوح بين 70 إلى 100 مليون متر مكعب من مياه الخزان الجوفي الذي يفتقر إلى أي تغذية له خلال فترة الصيف الفائت بسبب شدة الحرارة من جهة، وبسبب تأخر هطول الأمطار عن معدلها السنوي من كل عام من جهة أخرى، كان دخل مرحلة الخطر الشديد بعد أن تعدى مرحلة الخطر. وأضاف جنينه إن جفاف موسم الشتاء الحالي، وعدم اختلاف معدلات استهلاك المياه فيه عن معدلات استهلاك المياه خلال فترة الصيف الماضي سواء للمنازل أو للري، وعدم وجود مصادر متجددة أو مصادر بديلة باستثناء الخزان الجوفي الذي تعرض لتغيرات مناخية بفعل قلة وتذبذب معدلات هطول الأمطار التي تعتبر المصدر الوحيد لتغذيته، سيتسبب بالتأكيد خلال الصيف القادم في وجود أزمة حادة في المياه طالما أن معدلات سقوط الأمطار خلال فصل الشتاء الحالي لم تزد عن أي معدلات سنوية أخرى. وتابع، وبالتالي سيزيد ذلك في حجم معاناة المواطنين خلال الصيف القادم على غرار ما عانوه خلال الصيف الماضي، وستعود الكَّرة من جديد كما هي في كل عام إذا لم تكن أسوأ، وهي نقص في تغذية الخزان، واستنزاف ما فيه من مياه، الأمر الذي سيؤدي إلى الزيادة من معدلات نسبة التلوث الكيميائي للمياه، وأيضاً زيادة الملوحة فيها في جميع مناطق القطاع، سيما المناطق التي تعاني أصلاً من الملوحة، كمدينة غزة وضواحيها، والنصيرات، وخان يونس. وشدد جنينه على ضرورة بذل المزيد من الجهود الإضافية في البحث وإيجاد مصادر بديلة، سواء بالاعتماد على مشاريع تحلية مياه البحر القائمة، أو الاعتماد على مياه الصرف الصحي بعد إعادة معالجتها ضمن المعايير التي تضعها منظمة الصحة العالمية في ري بعض المزروعات. تخوف من فشل الموسم الزراعي وأمام هذا الخطر الشديد الذي يتهدد حياة المواطنين، أبدى كثير من الناس خشية كبيرة من انحباس الأمطار في أوقات كثيرة خلال فصل الشتاء الحالي، وظهرت مخاوف حقيقية على أرض الواقع لاسيما وأن الموسم الزراعي الشتوي كان ومازال مهدداً بالفشل لاستمرار الوضع على ما هو عليه، وعدم إدخال أي تحسينات جديدة عليه، سيما وأنه كان هناك تحذيرات من مغبة تغيرات مناخية محتملة ستؤثر على مجمل المنطقة بأسرها. وفي هذا السياق، أشارت تقديرات بعض الخبراء إلى أن فصل الشتاء كان أكثر دفئاً، واشتدت فيه موجات الحر في الكثير من الأحيان، ما يعني قلة هطول الأمطار وبالتالي انخفاض منسوب الخزان المائي الجوفي وزيادة ملوحة المياه، وهذا ما فسره المهندس حسن السردي مستشار سلطة المياه الفلسطينية في ندوة علمية عُقدت مؤخراً بهذا الصدد، حيث قال إن عملية نزول المطر هي العملية التي يتحول بها بخار الماء بعد التشبع إلى الحالة السائلة بشكل جسيمات دقيقة ويتبعها الهطول وهو عبارة عن المظهر النهائي للتكاثف على سطح الأرض. وأضاف إنه ولحدوث هطول الأمطار يجب أن تتوفر أربعة عوامل، وهي وجود الهواء الرطب، وتبريد الهواء من خلال التقاء كتلتين هوائيتين مختلفتي الحرارة ونوبات التكاثف هنا عبارة عن الشوائب الموجودة في الهواء مثل الغبار وقطرات الماء العذبة الدائمة في الجو، إضافة إلى الغيوم أو السحب وهي عبارة عن تجمعات مختلفة الأشكال والأحجام لبخار الماء المتكاثف بشكل قطرات مائية أو ثلجية سابحة في الجو، وتعتمد كميات السحب ومدى انتشارها على قوة ونشاط تيارات الحمل الصاعدة ودرجة الاستقرار في الجو وكمية الرطوبة اللازمة للتكاثف. وأشار السردي إلى التغُير الملحوظ في العوامل الجوية في جميع أنحاء العالم الناتج من الزيادة المضطردة في عدد السكان والتوسع العمراني، إضافة إلى الإشعاعات الحرارية والنووية من المصانع وعوادم السيارات والمفاعلات الذرية كما أن ظاهرة قطع أشجار الغابات لعبت دوراً كبيراً في هذا التغير. عاشور: الحرب فاقمت الأزمة من جهته أشار الخبير في الشئون المائية المهندس بشار عاشور إلى الخطورة الناجمة عن الاستخدام الواسع للمياه الجوفية خلال الحرب على غزة وما بعدها، سيما بعد النقص الحاد في المياه العادية وبخاصة في المناطق الشمالية، مما أثر على منسوب المياه في باطن الأرض وعدم سد هذا العجز خلال موسم الشتاء الحالي، موضحاً أن ضرب بعض محطات المعالجة في قطاع غزة، خاصة الواقعة شرق مدينة غزة، ومحطة معالجة الشيخ عجلين، وبالتالي حدوث فيضانات وتلوث المناطق المجاورة، وتسريها إلى الخزان الجوفي، ما زال يحتاج من الجميع رغم مرور عامين على الحرب، لدراسة آثار الكارثة ونتائجها على جميع القطاعات و لاسيما قطاع المياه وتقييم الوضع. وقال عاشور إن ارتفاع منسوب البحر أحياناً، يؤدي إلى تدهور الخزان الجوفي، ويؤثر على نوعية المياه من حيث زيادة نسبة الملوحة والتلوث، وعملية نزول المطر حتى وإن كانت بكميات كبيرة، لا يعني أنها ستغذي الخزان الجوفي، وذلك لعدم انسياب كامل الكمية أو حتى نصفها إلى باطن الأرض، بل سيكون انسيابها إلى الوديان والمنخفضات ومن ثم ضخها في البحر وعدم الاستفادة منها، مشيراً إلى أنه كان من الضروري استغلال أي كمية من الأمطار التي هطلت على القطاع خلال هذا الموسم، وعدم هدرها دون الاستفادة منها، سواء من خلال المصائد المائية، أو البرك الإسمنتية، أو تجويف محيط الأشجار لتغذيتها بأكبر كمية من المياه والتي قد تتسرب إلى الخزان الجوفي أيضاً. مكي: مدينة غزة تستهلك شهرياً ما يقارب 3 ملايين متر مكعب وفي سياق متصل، قال رئيس بلدية غزة رفيق مكي، إن مستقبل قطاع مياه الشرب في مدينة غزة يشكل هماً كبيراً للبلدية، لأن حجم الاستنزاف المستمر للخزان الجوفي كبير جداً دون تعويض مناسب للمياه لجوفية، مبيَناً أن مدينة غزة لوحدها تستهلك شهرياً ما يقارب ثلاثة ملايين متر مكعب من المياه، مما أدى إلى طغيان مياه البحر على مياه الخزان الجوفي. ولفت إلى أنه وبالرغم من عدم صلاحية معظم مياه مدينة غزة للشرب، حالها كحال مياه جميع مدن ومخيمات وقرى القطاع، فإن المدينة تعاني أيضاً من قلة كمية تلك المياه، وهي بحاجة لمزيد من الآبار، وبالتالي هناك بعض الحلول المرحلية للتغلب على هذه الأزمة، منها حفر آبار عميقة في الأراضي المحررة في منطقة ما كان يُعرف بمستوطن "نتساريم"، والتي أضيفت إلى حدود مدينة غزة، وتمديد خطوط ناقلة لتغذية المنطقة الجنوبية من المدينة، مستعرضاً في الوقت نفسه عدداً من المشاريع المرحلية والإستراتيجية بعيدة المدى، لإنقاذ الوضع المائي في المدينة. ورجح مكي أن تكون جودة المياه في تلك المنطقة أكثر من المناطق الأخرى في المدينة، حيث أنه ضمن الحلول المرحلية الأخرى مشاريع لإنشاء محطات تحلية للآبار ذات الملوحة العالية، وأيضاً الاتجاه نحو مياه البحر، عبر مشروع لإنشاء محطة لتحلية مياه البحر، وهذا من المشاريع الإستراتيجية بعيدة المدى، والأكثر جدوى، مؤكداً أن البلدية بدأت في تفعيل مشروع الاستفادة من مياه الأمطار الذي ظل حبيس الأدراج في البلدية منذ عام 1986م، وأنها أيضاً بدأت بتجميع المياه في عدة برك في مدينة غزة أهمها، بركة الشيخ رضوان، بالإضافة إلى ترشيح مياه الأمطار لتغذية الخزان الجوفي، بدلاً من ضخ تلك المياه إلى البحر. وكشف مكي، عن أن البلدية تمكنت من الحصول على مساحة أرض كبيرة تقدر بعشرات الدونمات من الحكومة لاستخدامها لتجميع مياه الأمطار وترشيحها إلى الخزان الجوفي، وذلك لتعويض الفاقد من مياه الخزان الجوفي قدر الإمكان، موضحاً أنه وبخصوص مشاريع إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة، فقد تم البدء بتنفيذ عدة مشاريع لاستغلال مياه الصرف الصحي في ري الأشجار، بالإضافة إلى مشروع لزراعة أشجار النخيل على شاطئ البحر، واستخدام المياه المعالجة في ري تلك الأشجار، من أجل توفير لمياه الخزان الجوفي. ولفت إلى مشروع آخر عملت البلدية على تنفيذه وهو حقن المياه المعالجة في منطقتين بالمدينة، ومن ثم سحب المياه التي تدخل الخزان الجوفي، واستخدامها في ري الأشجار وفقاً للمواصفات العالمية، موضحاً أن ذلك من شأنه تحسين وضع الخزان الجوفي. أبو طواحينه: انحباس الأمطار ونفاذ المخزون الجوفي له تأثير نفسي على المزارعين وأسرهم من جهته قال د.أحمد أبو طواحينه مدير عام برنامج غزة للصحة النفسية إن لانحباس الأمطار ونفاذ المخزون الجوفي تأثيرات نفسية كبيرة على المجتمع الفلسطيني بشكل عام، والمزارعين وأسرهم بشكل خاص، موضحاً أنه كان لوجود الاحتلال الإسرائيلي ولا يزال آثاراً كارثية ليس فقط على الإنسان الفلسطيني الذي أصبح لاجئاً مشرداً في شتى بقاع الأرض فحسب، بل امتدت به الآثار إلى شتى مناحي الحياة، خاصة مصادر المياه. وأضاف أبو طواحينه إنه ومنذ احتلال عام 1967، عمدت إسرائيل إلى إنشاء مستوطنات في قطاع غزة جميعها أنشأت في مناطق تحتوي على آبار جوفية للمياه الحلوة، لذلك عمدت كلُ المستوطنات إلى إنشاء دفيئات ومزارع عديدة لإنتاج الخضراوات والورود, ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل لجأت إسرائيل إلى ضخ كميات كبيرة من مياه المخزون الجوفي إلى مدن إسرائيلية في بئر السبع ومناطق أخرى في صحراء النقب، وكان ذلك بالطبع على حساب المزارع الفلسطيني في القطاع الذي اضطر إلى تجفيف مزارع الحمضيات بسبب تضييق سلطات الاحتلال الإسرائيلي عليه من خلال تقليل كميات المياه المخصصة لكل دونم، والتي لم تكن تكفي بالحد الأدنى مما هو مطلوب، فاقتلعت الأشجار وحل محلها العديد من الدفيئات لإنتاج الخضروات، وما لبثت سلطات الاحتلال إلى اللجوء إلى حيلة جديدة بإغلاق المعابر ومنع تصدير منتجات المزارع الفلسطيني بالخارج برغم أنها كانت تصدر باسم شركة جرسكو الإسرائيلية. وتابع، الزراعة لم تكن الضحية الوحيدة، بل إن الإنسان الفلسطيني يعتبر الضحية المباشرة للتعديات الإسرائيلية على المصادر الجوفية في قطاع غزة، حيث يكاد يخلو قطاع غزة اليوم من أية مصادر جوفية للمياه الصالحة للاستخدام الآدمي، فالمجتمع الغزي بأكمله يعتمد الآن على محطات التحلية والتي لها الكثير من المشاكل، الأمر الذي نتج عنه العديد من المشاكل البيئية والصحية، فنجد أطفال في عمر 10 إلى 15 عاماً مصابون بالفشل الكلوي نتيجة لمياه الشرب، وكذلك مشاكل الأسنان والعظام عند فئة معينة من الأطفال في مناطق محددة، نتيجة لاعتمادهم على مصادر مياه غير صالحة للاستخدام الآدمي. وقال أبو طواحينه إنه إضافةً إلى ذلك، موضوع التوسع العمراني في القطاع نتيجة لزيادة عدد السكان، والذي يعتبر على حساب المناطق المزروعة، الأمر الذي أدى إلى صرف 100% من مياه الأمطار في المجاري وعدم استغلالها لا في الزراعة ولا في الصناعة، مع العلم بأن الأودية الموسمية في قطاع غزة تمتد من جنوبه إلى شماله، وذلك بالرغم من إقامة إسرائيل للعديد من مصائد المياه على هذه الأودية، إلا أن بعضها يفيض في المواسم الشتوية أحياناً. وأشار أبو طواحينه إلى أنه في ضوء ذلك، فالعملية الإنتاجية عملية مهمة جداً لتحقيق الذات الإنسانية، وبالتالي فالمزارع الفلسطيني شأنه شأن غيره من أصحاب المهن، يحتاج للعملية الإنتاجية ليس فقط لكسب الرزق، وإنما لتحقيق الذات أيضاً، الأمر الذي لم يعد معاشاً على أرض الواقع، مؤكداً أن الكثير من المزارعين هجروا أرضهم ومزارعهم نتيجة لأسباب عديدة، سواء مرتبطة بعدم تصدير منتجاتهم، أو بعدم توفر مصادر المياه الحلوة التي تلزم لعملية الزراعة، مما خلق فئة جديدة من العاطلين عن العمل. وختم أبو طواحينه حديثه بالقول: "إنه في ضوء ذلك فإن القارئ لا يستغرب الإحصائيات التي تشير إلى أن 75% من الأسر في قطاع غزة، تعتمد على المساعدات الإنسانية التي تقدمها المؤسسات المختلفة، فالسواد الأعظم من سكان القطاع يتحول إلى متسولين بغض النظر عن المسميات الأخرى التي قد تستخدمها هذه المؤسسة أو تلك، مما سيكون له آثار سلبية على البناء السيكولوجي للأجيال القادمة في مجتمع قطاع غزة. المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان: الحصار فاقم من مشكلة المياه بدوره قال المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في تقرير له إنه مع استمرار الحصار المشدد على غزة لا يزال قطاعا المياه والصرف الصحي يعانيان نتيجة عدم التمكن من إدخال المعدات والأجهزة اللازمة للإصلاح والتطوير، وأن سكان القطاع يعانون نقصاً شديداً في إمدادات المياه، حيث يقتصر إنتاجها على ما بين 30 و40% فقط من إجمالي الكمية الاعتيادية للإنتاج اليومي. وأكد المركز أن ذلك يتطلب قطع مياه الشرب لساعات متواصلة عن مناطق عديدة منها شرق مدينة رفح التي لا تصلها المياه إلا لمدة لا تزيد على ثلاث ساعات كل يوم، وكذا منطقة خزاعة شرقي مدينة خان يونس، وتقطع المياه أيضاً عن مناطق شرق جباليا وبيت حانون والفخاري والشوكة شرقي رفح، لأنها مناطق مرتفعة ولا تسهل فيها عملية الضخ بصورة مستمرة ومنتظمة، مشيراً إلى أن العمليات الإسرائيلية المستمرة أدت إلى تدمير شامل في قطاعي المياه والصرف الصحي، وألحقت أضراراً بالعديد من المشاريع قدرت بنحو ستة ملايين دولار أميركي. وأوضح التقرير أنه في بلدة بيت حانون كان قد دمر خط بقطر 16 بوصة يصل بين محطة الضخ ومحطة المعالجة، كما أنه توقفت عمليات التطوير والإعمار في محطات المعالجة القائمة، وبصفة خاصة محطة بيت لاهيا، حيث منعت السلطات الإسرائيلية الموظفين الفنيين أكثر من مرة من الوصول إلى أماكن عملهم، كذلك أعاقت عملية تشغيل المحطة الرئيسة في المنطقة الشرقية شمال قطاع غزة، مشيراً إلى أن هذا جميعه وغيره وأمام تقاعس المجتمع الدولي وعلى رأسه الدول المانحة، وعدم اتخاذ "أية تدابير حقيقية لإجبار سلطات الاحتلال على رفع الحصار عن قطاع غزة وفتح المعابر، يزيد من حدة التحذيرات الصحية والبيئية التي تدعو سكان قطاع غزة إلى عدم النزول إلى البحر خشية تعرض حياتهم للخطر بفعل تلوث الشواطئ بمياه الصرف الصحي المضخة إلى شواطئ القطاع بعد توقف مشاريع معالجتها جراء تواصل الحصار. وأمام كل ما ذكر على لسان أصحاب الاختصاص، لا يبقى أمام المواطن المغلوب على أمره، والمزارع الذي طالما خسر كده وعرقه، إلا أن يعملوا على ترشيد استهلاك المياه قدر الإمكان حتى يستطيع الخزان الجوفي الذي يعاني من نقص حاد في المياه المحافظة على ما فيه مدة أطول تضمن للإنسان والحيوان والنبات على حد سواء الاستمرار في الحياة. برنامج غزة للصحة النفسية