الان السؤال هو من يتراجع أولا. اذا حافظت حماس على الهدوء، وأخرجت المواطنين الاسرائيليين من معادلة النار و "اكتفت" بالعمليات حول الجدار – فان الجيش الاسرائيلي أيضا سيوقف اطلاق النار، وجولة المواجهة الحالية تنتهي. في هذه الاثناء، صحيح حتى اليوم الثالث من تبادل الضربات، يوجد الطرفان في ورطة. مكانة حماس تضررت، وتشديد الضغط العسكري على غزة جبى 20 ضحية في الجانب الفلسطيني، معظمهم مسلحون بل وبينهم أيضا ضباط كبار، بما في ذلك قائد كتيبة لحماس في القاطع الجنوبي. وبالاجمال فقدت حماس وباقي المنظمات في الشهر الاخير 35 نشيطا. معنى الامر جنازات جماعية يومية في القطاع. في مثل هذا الوضع، حين تكون مكانة حماس العسكرية تحت الاختبار، لا يمكنها أن توقف النار وتعلن عن التراجع، وعليه فمن المعقول جدا الافتراض بان النار ستستمر في الايام القريبة القادمة.نحن أيضا في ورطة: اسرائيل لا يمكنها أن تبقى غير مبالية أمام التهديد على 700 الف من سكان الجنوب. من جهة اخرى، تريد أن تحقق الهدوء من ناحية القطاع دون أن تضطر الى تصعيد النشاط العسكري والوصول الى مستوى نشاط يقترب من حجم ونوع "رصاص مصبوب" بكل الاثار الاقليمية والدولية التي من شأنها أن تكون لنشاط كهذا في فترة على هذا القدر الكبير من الحساسية. المنطق السياسي الاسرائيلي يقول انه اذا اضطررنا مع ذلك الى تصعيد النشاط – فهذا لن يحصل الا على خلفية خطوة متطرفة من العدو، وليس كنتيجة لخطوة اسرائيلية مغلوطة او موضع خلاف. في هذا الوسط، الذي بين حاجة حماس للحفاظ على مكانتها وبين حاجة اسرائيل للسير على البيض، نحن نوجد اليوم. كما أن هذا هو المكان لان نقول انه حتى الان التداول والتفاهم بين قرارات القيادة السياسية واداء الجيش جديرين بالثناء، ولا سيما بالقياس الى الايام العكرة من الماضي غير السحيق. من أجل النجاح في السير على البيض ومع ذلك الضرب بشكل ناجع مطلوب نشاط يستدعي مستوى اعلامي ومهني عال جدا للجيش والمخابرات. هذا ليس أمرا مسلما به. يمكن ببساطة التزحلق، والدخول بقدم فظة والحاق خسائر فادحة في أوساط المدنيين وفقدان السيطرة. حتى مساء يوم امس هاجم الجيش الاسرائيلي نحو خمسين هدفا فقط. ليس فقط من الجو بل ومن البحر أيضا، الى جانب نار الدبابات والصواريخ. لغرض المقارنة: في يوم قتالي واحد في حملة "رصاص مصبوب" هوجم 150 – 200 هدف. فضلا عن ذلك، تمتنع اسرائيل في هذه الاثناء عن الهجوم على اهداف للبنية التحتية وتهاجم اساسا انفاق، خلايا اطلاق الصواريخ، نشطاء، مواقع رقابة ومواقع اطلاق الصواريخ، التي بعضها محفورة داخل الارض على النمط اللبناني. اهداف البنى التحتية الثقيلة محفوظة على ما يبدو للمرحلة التالية، اذا ما وصلنا اليها بالفعل. في هذه الاثناء لا تتم ايضا احباطات مركزة لنشطاء كبار، باستثناء حالة حدودية واحدة. قيادة المنطقة الجنوبية توجد، في افضل الاحوال، في المرحلة الثانية من سلم يتدرج الى عشر درجات، الاعلى فيها هي احتلال القطاع. محمد ضيف واحمد الجعبري، اللذان يقودان اليوم الذراع العسكري لحماس، يقرآن جيدا النشاط العسكري للجيش الاسرائيلي ويعرفان كيف يترجماه الى نوايا اسرائيلية. وعليه ففي اسرائيل يتابعون لرؤية حتى أين، في سلمها، سترتفع حماس. في هذه الاثناء حماس هي الاخرى لا تخرج عن المقاييس المعروفة للنار الصاروخية. في الايام الثلاثة الاخيرة سقط داخل الاراضي الاسرائيلية ما مجموعه نحو 130 صاروخ. عدد الغراد التي اطلقت لم يتجاوز العشرين، مع أن حماس يمكنها أن تطلق صليات من 30 – 40 غراد في اليوم. كما اطلق اكثر من 50 قسام آخر، وكل الباقي هي قذائف هاون. أقل من 10 صواريخ وقذائف هاون سقطت داخل البلدات، وبالاساس على خط الحدود، وذلك لان في الجولة الحالية دخلت المعادلة منظومة سلاح محطمة للتوازن، مع آثار استراتيجية ونفسية لا يمكن بعد تقدير قوتها. "قبة حديدية"، التي لا تزال منظومة فجة، نجحت في الاعتراض المؤكد لسبع صواريخ اوشكت على السقوط بين السكان المدنيين والحاق اضرار وخسائر لا يتخيلها أحد. انتقاد الثمن لكل صاروخ اعتراضي كهذا يبدو اليوم مدحوضا. يكفي لنا ان نرى السلوك المنضبط للسكان الذين يتواجدون في المناطق التي تتعرض للهجمات – بالقياس الى جولات العنف السابقة – كي نفهم مساهمة "قبة حديدية" في الاحساس بالامن لدى المواطنين. دولة اسرائيل تعمل كـ "صورة مرآة" لحماس: حماس تصعد النار – والجيش الاسرائيلي يصعد الضغط. حماس تتوقف – الجيش الاسرائيلي يتوقف. المنطق الاسرائيلي يتحدث اليوم عن المثابرة: محظور الانكسار أولا. في هذه الاثناء نقلت حماس السياسية لاسرائيل بواسطة المصريين، الامم المتحدة ودول اوروبية رسائل تطلب وقف القتال. هذا ليس جديا، يقولون في اسرائيل. محمد ضيف، رئيس الاركان الاعلى لحماس، لا يحصي رئيس الوزراء اسماعيل هنية. وعندما كان هو، محمد ضيف، قائد الذراع العسكري الى جانب الشيخ احمد ياسين، كان هنية يقدم لهما الشاي. ليس لهنية أي صلاحية في الذراع العسكري لحماس، وهذه وحدها هي التي تقرر اذا كانت ستوقف النار.