مقاطعة لجنة غولدستون كانت خطأ. وقد طلب المقاطعة ايهود باراك وغابي اشكنازي، بدعوى أنهما غير مستعدين لكشف الجيش الاسرائيلي امام تحقيق مصدر خارجي، وبالتأكيد ليس لجنة مكلفة من هيئة معادية تابعة للامم المتحدة. وفي المداولات على الموقف من اللجنة تبنى رئيس الوزراء ايهود اولمرت رأيهما. خليفته نتنياهو أمر نهائيا بالمقاطعة بقرار من المجلس الوزاري. لا سبيل الى معرفة ماذا كانت ستكون عليه استنتاجات اللجنة لو لم تقاطعها اسرائيل ولكن المقال الذي نشرته غولدستون في "واشنطن بوست" يوم الجمعة يلمح بان الاستنتاجات كان يمكنها أن تكون مغايرة. ولعل غولدستون يتعلق الان بالمقاطعة الاسرائيلية كعذر يغطي على الاخطاء التي ارتكبها، وربما يشير الى اخفاق حقيقي في رد الحكومة الاسرائيلية. وقد يكون الامران صحيحين. لا أكتب ذلك بحكمة تأتي بعد انقضاء الفعل. الاشكالية في القرار بمقاطعة اللجنة طرحت على النقاش الجماهيري في الزمن الحقيقي. ولشدة الاسف، فضلت قيادة الحكومة الاعتبار الداخلي على الاعتبار الخارجي. زعماؤنا لم يرغبوا في ان يتهمهم الاخرون بالمس بالسمعة الطيبة لجنودنا. غولدستون، خلافا لكل الاتهامات التي وجهت له، ليس وحشا. فهو رجل قانون اختار تكريس حياته من أجل الكفاح في سبيل حقوق الانسان. ولا تضارب بين أصله اليهودي وعطفه الاساس على اسرائيل وكفاحه من أجل حقوق الانسان. الويل لمن يعتقد بانه يجب أن يكون تضارب بين اسرائيل وحقوق الانسان. ولكن التقرير الذي رفعه كان وثيقة منحازة ومضللة، وثيقة لا تستحق الورق الذي طبعت عليه. وقد ألحق باسرائيل ضررا هائلا، ضررا لا تستحقه.الثناء الذي يغدقه الان على التحقيقات التي قام بها الجيش الاسرائيلي والخطوات الهامة التي اتخذت تجاه الضباط لن يصلح الضرر. 15 دقيقة مجد لغولدستون انتهت. الاراء ترسخت. العالم يعنى الان بمواضيع اخرى، اكثر اشتعالا بكثير. قد يكون هذا وهما ساذجا. ولكن ينبغي التعلل بالامل في أن تستخلص مؤسسات الامم المتحدة الدرس من فشل لجنة غولدستون. في المرة القادمة قد يسارعوا بقدر أقل الى استخلاص الاستنتاجات – ولا سيما حين يدور الحديث عن دولة قانون مثل اسرائيل، دولة لا تكف عن التحقيق مع نفسها. اما بالنسبة لحكومات اسرائيل، فالدرس هو عدم المسارعة الى المقاطعة. الولايات المتحدة، الصين او روسيا يمكنها أن تسمح لنفسها بفرض مقاطعات على تحقيقات دولية. وعندما ترفض التعاون، لا يكون تحقيق. اما اسرائيل فلا تتمتع بمثل هذه المكانة. المقاطعة من جهتها لا تمس بهذه الصفة بشرعية لجان التحقيق الدولية، بل انها تفاقم الوضع. اما بالنسبة لموقف اليهود والاسرائيليين من ريتشارد غولدستون، وان كان ندمه جاء متأخرا، ومغلفا بالمعاذير أيضا، فانه لا يزال جديرا بالاحترام. اباؤنا وأجدادنا لا يقولون ان من يعترف ويغادر يقاطع. قالوا من يعترف ويغادر يُرحم.