القدس المحتلة / سما / أقرت الكنيست الإسرائيلي بعد نقاش صاخب استمر حتى ساعات الليل المتأخر قانون النكبة الذي ينص على صلاحية وزير المالية تقليص ميزانية كل مؤسسة يتم دعمها من قبل الحكومة، تقوم بإحياء ذكرى النكبة، بحجة أن ذلك يمس بأمن الدولة وبمبادئها. وقد صوت الى جانب مشروع القانون 37 عضوا مقابل 25 عارضوه. وخلال نقاشها قالت النائبة زعبي:" نحن بصدد قانون يشرع التدخل في مشاعر وأفكار ومعتقدات المواطنين، وتساءلت فيما إذا ما كانت اسرائيل ستقوم بتأهيل طواقم من "المتعاونين" يقومون بمراقبة الجامعات والأكاديميات والمدارس والمجالس المحلية للوشاية بالمؤسسة وبنشاطاتها المختلفة. وأضافت أن القانون يظهر أن اسرائيل ترى أن التاريخ، تاريخها هي، بحد ذاته هو خطر استراتيجي ضدها. القانون إضافة إلى أنه يعاقب المشاعر، يظهر مدى خوف الكنيست من الحقيقة، ومن ذاكرة الفلسطينيين، إذ أن الخوف الحقيقي من النكبة يكمن في أنها حقيقة تاريخية، وليست مجرد رواية الفلسطينيين. وأكدت النائبة زعبي على أن كل ديمقراطي حقيقي عليه أن يواجه الخوف من ذاكرة الضحية، وليس فقط أن يؤكد على عدم ديمقراطية القانون. فالقانون رغم أنه ينكر إحياء النكبة، إلا أن في ذلك اعترافا بالحقيقة التاريخية للنكبة، إذ لا تخاف الدول من أشباح، بل هي تخاف من حقائق تاريخية. وأضافت بأن الحل الوحيد أمام من يرتكب جرائم النكبة هو مواجهتها والإعتراف بها، والتنازل عن الامتيازات التي أعطيت له على أساس نتائج النكبة. وشددت على أن إحياء ذكرى النكبة هو عملية مصالحة تاريخية وأخلاقية مع التاريخ، ودونها لن يكون هنالك أي إمكانية لبناء مستقبل عادل ومستقر. ونوهت النائبة بأن القانون السياسي لا يعكس قرارا سياسيا في محو الماضي فقط، بل هو قرار سياسي بالسيطرة على إمكانيات الحلول السياسية المستقبلية العادلة. في النهاية أكدت النائبة زعبي أن الفلسطينيين داخل إسرائيل لن ينصاعوا للقانون المهين والغبي والفاشي، وأن المؤسسات الوطنية والتمثيلية سيستمرون في إحياء ذكرى النكبة، وأن كل القوانين الإسرائيلية لن تستطيع محاربة التاريخ والذاكرة الجمعية للفلسطينيين. وأكدت أن ما هو أهم من ذلك هو أن الفلسطينيين لن يحافظوا على ذاكرتهم فقط، بل سيحافظون أيضا على الذاكرة الجمعية لليهود على هذه الأرض، إذ أن النكبة تحتاج لإثنين، ذاكرة النكبة هي أيضا ذاكرة اليهود في اسرائيل. سنحيي النكبة، لأنه فقط عن طريق الإعتراف الإسرائيلي بالغبن التاريخي لشعبنا الفلسطيني، وفقط عن طريق تنازل الإسرائيليين عن الامتيازات التي ترتبت من النكبة نستطيع التقدم. وفي ذات السياق أكد النائب محمد بركة، رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، في كلمته أمام الهيئة العامة للكنيست الليلة الماضية، أن لا قانون حظر إحياء النكبة ولا كل قوانين إسرائيل بإمكانها أن تمحو جريمة النكبة، "التي أنا أحد ضحاياها"، لأن ما جرى في العام 1948، كان جريمة سلب ونهب وتهجير شعب من وطنه، وأكثر من خمسمائة قرية وبلدة كانت تعج بالحياة أزيلت عن وجه الأرض. وجاء هذا في كلمة النائب بركة، لدى مناقشة واحد من ثلاثة قوانين أقرت في الليلة ذاتها في الهيئة العامة للكنيست، وهو الذي ما عرف بقانون "النكبة"، ويحظر على مؤسسات رسمية، مثل سلطات محلية (مجالس قروية وبلدية) تتلقى ميزانياتها من الخزينة العامة، بتمويل برامج لإحياء النكبة في نفس اليوم الذي تحيي فيه إسرائيل استقلالها، وهو القانون الذي كان في صيغته الأصلية يدعو إلى منع تام لإحياء النكبة. وشهدت الهيئة العامة جلسة عاصفة، حول هذا القانون العنصري، تخللتها مشادات كلامية وشتائم عنصرية من نواب اليمين العنصري المتطرف. وافتتح النائب بركة كلمته، معلقا عن صياغة التورية التي جرى تغليف القانون العنصري بها، وكأن الأمر متعلق فقط بالميزانيات وسير عمل المجالس البلدية والقروية، وقال إن كل الصياغات لا يمكن أن تخفي الطابع السياسي العنصري لهذا القانون، واليوم نعلم أكثر أن الديمقراطية الإسرائيلية تعني عدم السماح للآخرين بتبني روايتهم، وهذا هو مبدأ القانون. وقال بركة، إن هذا المبدأ يذكّرنا بقانون المواطنة العنصري في إسرائيل، مشيرا بشكل واضح إلى أن التاريخ ما زال يذكر قانون المواطنة الألماني في فترة النازية، والذي كان يقضي بأن المواطنة في ألمانيا هي حق لمن فيه جسده دم ألماني. وتابع بركة قائلا، إن هذا القانون دليل آخر على عنصريتكم وعنصرية المؤسسة، وبالفعل فإن هذا يسهّل علينا المهمة أكثر، حينما نخرج إلى العالم لنشرح له عن عنصرية إسرائيل، فهذا قانون سينضم إلى قوانين الملاحقة السياسية وقوانين الاعتداء على حرية التعبير، وهنا بدأت مقاطعة نواب اليمين العنصري، التي تصاعدت أكثر خلال الخطاب. وقال بركة، بداية في العام 48، جرى هنا نهب، وتهجير شعب من وطنه وأرضه، وأكثر من خمسمائة قرية وبلدة عربية تعج بالحياة، اختفت من على الخارطة، فهل تعتقدون أن قانونا كهذا سيخفي هذه الجريمة؟، وحتى إن قلتم أنكم ستعاقبون المؤسسات التي تحيي النكبة، وحتى لو افترضتا أننا لم نحيي النكبة، فهل تتوهمون أن كل هذا سيمحو صفحات هذه الجريمة، في أي عالم تعيشون أنتم؟. وتابع بركة قائلا، إن مأساة العام 1948 ليست أمرا بالإمكان محوه، فالناس لم تتبخر، إن هذه المأساة ما تزال تجول في كل هذه البلاد وخارجها، في كل البيوت، وفي هذا المبنى أيضا (الكنيست)، فانا الواقف هنا على هذه المنصة، الشاهد كألف شاهد، عائلتي ووالديّ وجدي، شهود على القرية (صفورية) التي هدمت، وعلى القرية التي سُلبت ونُهبت، وعلى زراعتها التي سُرقت، وعلى الذاكرة المدفونة في ترابها وحجارتها، إنني اقف هنا أمامكم حاملا كل هذه الذاكرة. وهنا قاطعه الوزير المتطرف عوزي لنداو من حزب "يسرائيل بيتينو"، منبها رئيس الجلسة إلى النائب بركة يستعمل كلمة نهب وسلب وسرقة، وقال إن هذا لا يمكن ان يكون في الكنيست، فرد عليه النائب بركة قائلا، أنت جبان، أنت جبان، ومن حزب جبناء، هل تعتقد أنكم تستطيعون سن قوانين قادرة على إخفاء عورتكم القبيحة، أنت ابتزازي فظ. وتابع بركة موجها كلامه للنداو قائلا، هل تعتد أنك تستطيع أن ترسم التاريخ، وأن تكتبونه كما يهوى لكم، كن شجاعا وتعال معي لتشاهد بأم عينيك الحقيقة على الأرض، ولكن أنت لست بحاجة لجولة كهذه، لأنك تعرف الحقيقة في داخلك، أنت تعرف من نهب ومن المنهوب، وبعد هذا لديك الوقاحة كي تصرخ وتفتح فمك هنا. وأضاف بركة، إن الضحية ليست بحاجة للسارق كي تقول كلمتها، وأن يمول ذكرى النهب، نحن لسنا بحاجة لكم، وعدا ذلك، عليكم أن تعرفوا حقيقة أن هذا التمويل هو من الخزينة، وهذه الخزينة تدخل إليها ضرائب من جيوبنا نحن وليس فقط من جيوبكم، ولنا حق فيها، نحن هنا لا نجلس بمنّة من أحد، وعلى هذه الدولة ديْن كبير للجماهير العربية، وأجيال كثيرة لا تكفي لتسديده، ديْن من المعاناة والسلب وسياسة التمييز العنصري، وسياسة الاضطهاد والملاحقة. ثم تثور عاصفة جديدة، يبرز فيها عضو الكنيست نيسيم زئيف من حزب "شاس"، فأسكته النائب بركة بكلمات تليق به، لتستمر العاصفة أكثر. وقال بركة، قبل 63 جرى هنا حدث مؤسس لأناس يجلسون هنا، وحدث هدّام وتدمير حياة لأناس يجلسون هنا أيضا، إن الواجب الوطني والأخلاقي والتاريخي والإنساني والشخصي، يلزمنا بأن نحيي هذه الذكرى، وفقط دولة غبية وقوانين غبية بإمكانها أن تحاول فرض روايتها على حساب الرواية الأخرى. إننا نجلس هنا مواطنين، ونناضل من أجل المساواة، ونناضل أيضا من اجل شعبنا الفلسطيني، وهاتان الدائرتان تقودنا إلى ذات المطلب، وهو مطلب المساواة في الحقوق، فنحن لم نهاجر إلى هنا، ولن نهاجر من هنا، نحن جزء لا يتجزأ من طبيعة هذه الأرض وهذا الوطن، من جباله وسهوله وشواطئه وصحرائه، نحن لسنا غرباء عنه ولا هو غريب هنا، وعلى هذه الدولة أن تعترف بهذه الحقيقة، وبحقوقنا القومية والمدنية، وأحد هذه الحقوق هو الاعتراف بجود رواية أخرى للتاريخ.