خمسون دقيقة كاملة صمد موشيه قصاب أمام تلاوة النطق بالحكم الى أن انكسر وانفجر. في هذه المرحلة من الضروري الكتابة بأنه كان واضحا بأنه في النهاية سينفجر، ولكن الحقيقة هي انه لا يمكن لأي شيء أن يكون واضحا في ملف قصاب. رغم ان وضع التراكم الكيماوي لدى الرئيس السابق كان يجب ان يصل الى مستوى الانفجار. لا شيء في هذا الملف لم يكن متوقعا. مفاجأة تتلو مفاجأة، تحول يلحق بتحول. لا تقدير مر دون ان يدحض، أربع سنوات ونصف من تلبد الاحاسيس والدوخان: رئيس الدولة، مستشار قانوني للحكومة، سلسلة مشتكيات مصممات، محامون رفيعو المستوى، رجال علاقات عامة دهاة، وسائل اعلام كاسحة، منظمات نسائية كفاحية، جلبة جماهيرية – اعلامية غير مسبوقة واندلاع شديد للنوازع. في نهاية هذه الجلبة تحول رئيس دولة قائم الى مجرم جنس مواظب. من اعتاد على السيارة الفاخرة، السائق، الحاشية والبدلات باهظة الثمن، سيجد نفسه في 8 أيار (اذا لم يطرأ تغيير في اللحظةالاخيرة) في الزنزانة، يلبس ملابس السجناء البرتقالية. من كان يمنح العفو حتى وقت قصير مضى، سيستجدي العفو. الرئيس الثامن سيدخل لسبع سنوات في السجن، بالضبط كمدى الولاية في مقر رؤساء اسرائيل. الواقع، في هذه الحالة، يفوق الخيال. الخيال ومرة اخرى لم أنجح في أن اجند في داخلي، صباح أمس، شماتة بقصاب. ربما بسبب العائلة وبالاساس الابناء الشباب، الذين يواصلون الثقة بابيهم يترتبون حوله كالحراس، يحاولون يائسين الدفاع باجسادهم على ما تبقى من كرامته، يواصلون التعلق به باعجاب، تقبيل يده، النظر حولهم نظرة اتهام قبل لحظة من القفز الى الهاوية. وربما بسبب قصاب نفسه، الذي يواصل صراع الجبابرة البطولي ضد الواقع، والتنكر للوضع، والانقضاض المرة تلو الاخرى على طواحين العدل، متطيا جوادا عليلا من الخشب. وأنا مقتنع بانه اذا ما وقف قصاب امام آلة فحص الكذب فسيتبين انه يقول الحقيقة. ليس لانه يقول الحقيقة، فهو لا يقولها. ولكنه يصدق كذبته نفسه، يعيش في الخيال. في عالمه، عالم مقبلي الايدي بهذه الصفة، الحقيقة هي ما تقررها أنت، وقصاب قرر بانه بريء. هذا مثير للشفقة ولكنه أيضا مثير لبعض من الرأفة. حقيقة أنه حتى هذه اللحظة يواصل الانكار في أنه كان له اتصال جنسي مع المشتكيات تجعل كل الامر عابثا على نحو خاص. ورغم ان كل العالم سبق أن سمع محاميه، في الاستماع، يعترفون بقصص الغرام التي خاضها وأننا جميعنا سمعنا الاشرطة عن محادثاته مع "أ" (الاصلية) والتي يمكن ان يفهم منها بالضبط كم حميمية ومريضة كانت علاقاته معهن ورغم كل شيء فان قصاب على موقفه. ينكر نكرانا تاما. من المفزع التفكير بان هذا الرجال كان رئيسنا، ولكنه كان. مفزع، ولكنه محزن أيضا. التنفيس بعد خمسين دقيقة، انكسر، بالذات في أثناء تلاوة رأي الاقلية الشجاع والهام للقاضية يهوديت شيفح، توجه اليه ابنه، همس له بشيء، فانفجر الرئيس بالدموع والتي اصبحت صراخات يائسة، مستجدية، بصوت أجش، امام القضاة، أمام القاعة المليئة، امام العالم. كان هذا يفطر القلب ويثير الغضب في آن معا. متهم آخر كان سيبعد من هناك، ولكن جورج قارة رئيس الهيئة القضائية، حافظ على رباطة الجأش. القاضية شيفح عادة لتتلو اقوالها، قصاب صمت، كي ينفجر مرة اخرى بعد ذلك، ومرة ثالثة لاحقا، وكل هذه الدراما تزينت في نهاية المطاف بمشادة صغيرة بين المقربين والابناء وبين الحراس وهكذا تدحرجت العدوى الانسانية المعذبة والمضنية هذه التي في مركزها شخصية ذي الشعر الابيض لمن كان حتى وقت اخير مضى المواطن رقم 1 عندنا، من قاعة المحكمة نحو المصعد، ومن هناك الى الجلبة المتجددة امام الكاميرات في الخارج في الطريق الى السيارة الفاخرة التي ستؤخذ من المغتصب موشيه قصاب اليوم أو غدا الى الابد. وسائل الاعلام خلافا للموقف السابق، عند اصدار الحكم بالادانة هذا الصباح لم يبشر بأي امل لقصاب. وكان موقف سيارات المحكمة مليئا بسيارات الدورية وطواقم وسائل الاعلام بكامية محفوظة للاقلاعات التاريخية او التحطمات الفاخرة على نحو خاص. في كل حياته السياسية، بما في ذلك كرئيس، لم يحظَ قصاب بمثل هذه التغطية. وهو ارادها جدا، ومل كثيرا وثارت أعصابه عندما فهم في كل مرة من جديد بانه وسائل الاعلام ببساطة لا تهتم به. فهو مثير للسأم جدا، وها هم الجميع يأتون اليه راكضين. وكم هو يتوق لذاك السأم اياه. قصاب وصل بالضبط في الوقت المحدد، في الساعة التاسعة، تحيطه حاشية مثلما في المرة السابقة ليدخل القاعة المليئة ولكنه رفض الدخول الى قفص الاتهام حتى خرج المصورون وذلك كي لا يلتقطوا له صورا كمتهم.. المشكلة هي أنه الان لم يعد متهما، بل مجرما، وقريبا جدا ستلتقط له الصور كسجين. ولكن لننتظر حتى تحين اللحظة. التلاوة عندما صرح جورج قارة في البداية بان النطق تحقق برأي الاغلبية ووجود رأي أقلية بات ممكنا الفهم بان خيرا لن يأتي لقصاب من هذه التلاوة. وبدأ القاضي يتلو النطق وبمرور كل دقيقة تراكمت المؤشرات السيئة. القاضي قارة ذو الهيئة والصلاحية، لم يترك حجرا على حجر. وانطلاقا من الاعتراف بشدة العقاب أصر على أن يبرر، يشرح، ويوضح كل زاوية ممكنة. أما قصاب نفسه فاستند الى الحائط بوجه مكفهر. وبين الحين والاخر نهض وعندما ظن الجميع بانه سيفعل شيئا ما فظيعا ورهيبا، توجه الى المحامي تسيون أمير همس له قليلا، وعاد الى مكانه. عندما تطرق القاضي الى الزمن الطويل الذي مر بين الصفقة القضائية وبين رفع لائحة الاتهام وبداية المحاكمة هتف فجأة قصاب "لست أنا من التمست الى المحكمة العليا". كانت هذه الصرخة الاولى التي ألمحت بما ينتظرنا لاحقا. وفي هذه الاثناء واصل القاضي قارة يحفر ويحفر ولا سيما قبر المتهم، وفهم قصاب بان هذا سينتهي به لان يقضي زمنا طويلا جدا خلف القضبان. اخ، لماذا لا يمكن العودة الى الصفقة اياها. فهو الذي لم يتمسك بها وتراجع عنها ومن الان فصاعدا فان احدا لن ينسى بانه كان هنا. القضاة شيء آخر: هيئة القضاة، برئاسة القاضي جورج قارة اضافت احتراما للجهاز القضائي في اسرائيل. بفضل قيادة رئيس المحكمة الحريصة وكذا بفضل شجاعة قاضية الاقلية. من المعقول الافتراض بان محكمة العدل العليا ستعدل قليلا العقاب وتضعه بين 4 و 7 سنوات، الامر الذي لم يغير قليلا. ما تبقى هو الاسف على أن فرض القانون والعقاب في باقي مجالات القضاء الجنائي لا يذكر في شيء بحالة قصاب. لو كنا عالجنا حوادث الطرق مثلا بذات التصميم لكانت طرقاتنا أكثر امانا بكثير.