لا يوجد من يساعدهم. بقي قليلون فقط ليصرخوا صرخة جندي الجيش الاسرائيلي جلعاد شليط طلبا للمساعدة. وصرخة جده تسفي، ووالديه أفيفا ونوعام وشقيقيه يوئيل وهداس. يوما بعد يوم وليلة بعد اخرى في البرد المقدسي، في داخل خيمة احتجاج لم تعد منذ زمن مقصدا للحجاج، ينتظروننا نحن الجمهور الاسرائيلي ولا نأتي، لان الحال كذلك. يريد الجميع جدا ان يعود جلعاد من البئر المظلمة لحياته في سنيه الاربع والنصف الاخيرة. لكن قليلين فقط مستعدون لفعل شيء ما من اجل ذلك. انهم يعلمون ما نعلمه جميعا. ان رئيس حكومة اسرائيل يبني جدول عمله بحسب استطلاعات الرأي. وبحسب الضغط العام. ان دولة تتمنى زعيما ذا رؤيا وذا طريق يقودها انسان ليس له حتى شيء ضئيل من هذه الاشياء. وهو يبني لنفسه كأصغر الممثلين زينة "جليلة"، ويتزين ويُشغل آلات التصوير ويُرسل الى الشبكة أفلاما قصيرة تجعله يبدو مثل رئيس حكومة. إن مريانو ايضا من برنامج "ايريتس نهديرت" يستطيع فعل هذا فلسنا نحتاج الى نتنياهو. وعلى نحو ما مع ذلك تُدبر الدولة امورها. برغم نتنياهو وحكومته المنفوخة. وبرغم عدم وجود سياسة وطريق. فقد تعلم الجمهور مع السنين كيف يُدبر اموره من غير الاشخاص الذين يفترض أن يُدبروا الامور هنا. فهم فيما يخصهم ونحن فيما يخصنا. ومما يفرحنا في هذه الاثناء أننا أقوى. بيد ان اعادة جندي ارسلته الدولة في مهمة عسكرية وتُرك نازفا وحيدا يرجو انقاذ الجمهور الاسرائيلي، لا يمكن تدبيرها. يستطيع نتنياهو وحده أن يحل هذه المأساة. ربما يسود التشاؤم بسبب ذلك. لا يحل نتنياهو شيئا. فهو يؤجل ويؤخر ويتلوى ويتعوج ويعد هذا بشيء والآخر بشيء آخر ويأمل أن يحدث شيء ما من غير أن يضطر الى اتخاذ قرار قد لا يعجب جزءا من ائتلافه أو جمهور ناخبيه. ينجح هذا احيانا لكن لا في شأن جلعاد. في هذه الحال يجب اتخاذ قرار حاسم من أصعب ما قد يتخذه رئيس حكومة لكنه لا يوجد امكان آخر. يجب علينا لاعادة هذا الجندي الى بيته الافراج عن مخربين، الكثير من المخربين وبعضهم ذو دم على يديه. حتى لو انتظروا ثلاث سنين اخرى، ولو تم تصويرهم في أكثر المشاهد إطراءا، ورفعوا الأعلام الأكثر توترا ودهنوا طبقة اخرى من الماكياج – فلن يتغير الوضع. وللحقيقة سيتغير ويتغير. فربما لن يوجد من نعيده. لكن يبدو ان هذا أقل أهمية من الحاجة الى اتخاذ قرار واحد شجاع صحيح في نهاية الامر.يأتي لمساعدة نتنياهو، بحسب أنباء منشورة في وسائل الاعلام على الأقل، أصوات من قبل رئيس "الشباك" يوفال ديسكين الذي يعارض في شدة الافراج عن مخربين مع دم على أيديهم، لان هذا سيفضي في تقديره الى زيادة الارهاب. وهنا يحسن أن نذكر انه بحسب ما نُشر في موقع "ويكيليكس" قدّر ديسكين ذاك في 2007 ان حماس ستسيطر على غزة لكنها ليست قوية بقدر كاف وأن فتح تستطيع أن تُسبب لها ضررا كبيرا. كذلك قدّر ديسكين ان أبا مازن "غير قادر على صنع شيء" ولهذا فهو مشكلة بالنسبة لاسرائيل. وكان الواقع بالفعل مختلفا تماما. فقد هربت فتح من غزة ولم تُحدث أي ضرر لحماس التي كانت وما تزال قوية بقدر كاف، وتبين أن أبا مازن يسيطر على الضفة سيطرة قوية وقضى على جميع جيوب الارهاب التي كانت فيها وهو يقود الفلسطينيين الى نماء اقتصادي لم تعرف الضفة له مثيلا من قبل. ومن هنا فان التقديرات هي تقديرات فقط ويجب أن يتخذ المستوى السياسي في نهاية الامر القرارات الحاسمة بحسب سياسة وقرارات قيمية. تجاهل اهود اولمرت وبنيامين نتنياهو ايضا قيم دولة اسرائيل الأساسية. فقد تخليا عن جندي من الجيش، وتخليا عن عائلته وانشآ نظام "قيم" جديدا ينص على ان دولة اسرائيل لا تفعل كل شيء لاعادة جنودها الى البيت. فهي لا تفعل سوى ما يقع الاجماع عليه: وهي تتلهى بقيم وبمقالة انه "لا يمر يوم دون أن يفكروا في جلعاد". وما يزال جلعاد في جحيم حماس، وعائلته في جحيمها، ونحن جميعا مستمرون في حياتنا كالعادة.