رام الله / زياد ابو الهيجا / العلاقات الفلسطينية الرومانية، والتي ارتبط نشؤها وتطورها باسمي ياسر عرفات ونيكولاي تشاوتشسكو، شغلت أكثر من ربع الكتاب ذي الخمسمائة وأربعين صفحة، متوسط الحجم، أنيق الطباعة، للسفير الروماني المتقاعد أوريل تورباتشيانو، الذي كان سفيرا لرومانيا في معظم الدول العربية على مدار ربع قرن من العمل الدبلوماسي. وكان السفير بدأ حياته العملية مترجما للغة العربية في وزارة الخارجية الرومانية، بعد تخرجه من كلية اللغة العربية في جامعة بغداد في ستينيات القرن الماضي، ثم تولى مهام الترجمة في عدة سفارات لرومانيا في الدول العربية، قبل أن يصبح سفيرا لبلاده في عشرين عاصمة عربية. الكتاب بعنوان ’العلاقات الرومانية العربية’، وهو مزيج من التحليل السياسي والتاريخي والمذكرات الشخصية، التي منحت الكتاب دفئا خاصا، وبينت مشاعر المحبة والاحترام التي يكنهما المؤلف للعرب وللإسلام، حتى أن عضوا مشهورا في الأكاديمية الرومانية عقب على الكتاب في ندوة علمية أقيمت لمناقشته قبل شهرين بالقول: ’بعد أن قرأت هذا الكتاب أصبحت أكثر حبا وتقديرا للعرب وللمسلمين’. يفرد المؤلف أكثر من ربع صفحات كتابه للحديث عن العلاقات الفلسطينية الرومانية، ويروي قصة أول لقاء جمع ياسر عرفات بنيكولاي تشاوتشسكو في نيسان من عام 1972، في قصر القبة في القاهرة، وتولى فيه السفير تورباتشيونا مهمة الترجمة بين الزعيمين، ويقول المؤلف أن اللقاء تم بطلب من تشاوتشيسكو وبترتيب من الرئيس أنور السادات، وأنه كان بهدف التعارف وحددت مدته بنصف ساعة، ويضيف: ’دخل ياسر عرفات ووجه فورا كلمات قاسية لتشاوتشيسكو: يا سيادة الرئيس أنتم لم تنطقوا بكلمة إدانة واحدة ضد العدوان الإسرائيلي عام 1967، بل كنتم الدولة الاشتراكية الوحيدة التي لم تقطع علاقاتها بإسرائيل، مواقفكم أقرب إلى مواقف الامبريالية’. ويضيف المؤلف: ’لقد شعرت بالحرج وأنا أترجم هذه العبارات القاسية الموجهة لرئيسي، ولكنني كنت أعزي نفسي بأن الدقائق تمضي وسينتهي هذا اللقاء بنصف ساعة كما هو محدد سلفا، ولكن ما أذهلني حقا هو أن اللقاء استمر لمدة ثلاث ساعات كاملة، وكان الزعيمان كلما مر الوقت يقتربان من بعضهما أكثر’. كان تشاوتشيسكو بالغ الهدوء وهو يستمع لياسر عرفات، الثائر المتمرد، ثم رد بهدوء: ’يا رفيق عرفات يجب التفكير بإقامة دولة للشعب الفلسطيني والاعتراف بدولة إسرائيل والبحث عن حل عادل لمشكلة اللاجئين، ولن تحل الأمور أبدا عن طريق العنف المسلح’، وما كاد تشاوتشيسكو ينهي كلامه حتى انفجر عرفات مجددا: ’الأرض سنحررها بنفس الطريقة التي احتلت بها، بالقوة، هل تظن يا سيادة الرئيس أن العرب بلا كرامة؟ العرب والثورة الفلسطينية سيحررون بلادهم ويستعيدون حقوقهم’ . ويقول المؤلف: مجددا، رد تشاوتشيسكو بنفس الهدوء، ’يجب استعادة حقوق العرب والفلسطينيين ولكن ليس بالعنف، بل بالتفاوض وبالتفاهم’، وهنا انتقل ياسر عرفات إلى تكتيك آخر في محاولة لتغيير قناعة الرئيس الروماني، راح يتحدث بإسهاب عن معاناة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وفي قطاع غزة وفي المخيمات، تحدث بتفاصيل تستثير العطف عن الحياة اليومية للشعب الفلسطيني، ولكن الرئيس الروماني عاد مرة أخرى إلى فكرته المركزية، الاعتراف بإسرائيل والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في دولة هما متلازمتا الحل والسلام، ولم يرق تكرار مثل هذه العبارات لياسر عرفات، ولكنني – يقول المؤلف- كنت أشعر بمضي الدقائق أن علاقة خاصة، فيها الكثير من الاحترام، بدأت تنشأ بين الرجلين. وفي نهاية اللقاء سأل عرفات تشاوتشيسكو: ولكن هل تظن أن الإسرائيليين يقبلون بذلك؟ فرد الرئيس الروماني: دعنا نحاول.. كان سؤال عرفات هو، باعتقاد المؤلف، بداية ولوجه لدبلوماسية الحل السلمي. ويضيف السفير المتقاعد: ’بعد شهور قليلة، وتحديدا في أكتوبر 1972 كان ياسر عرفات يترأس وفدا من منظمة التحرير الفلسطينية، في أول زيارة لبوخارست، ومنذ ذلك التاريخ وحتى رحيل تشاوتشيسكو عام 1989، زار ياسر عرفات بوخارست خمسة وثلاثين مرة، واستقبل عشرات المرات مبعوثين من تشاوتشيسكو، وكان مكتب منظمة التحرير الذي افتتح في آذار 1972 في العاصمة الرومانية، قبل أن يتحول إلى سفارة دولة فلسطين، بعد يوم واحد من إعلان الاستقلال الفلسطيني، دائم الانشغال بالوفود الفلسطينية التي تزور بوخارست. وينهي المؤلف حديثه عن العلاقات الفلسطينية الرومانية بتفصيل عن زيارتي الرئيس محمود عباس لبوخارست، وزيارة الرئيس الروماني ترايان باسيسكو لرام الله، والاتفاقيات التي تم توقيعها بين الجانبين، ويؤكد في الختام: ’كل شيء تقريبا تغير في رومانيا باستثناء العلاقات مع فلسطين، لقد ظلت ثابتة ومتطورة’. المصدر / وفا