اصبحت قضية التعويض الامريكي عن استعداد اسرائيل لتمديد فترة التجميد تسعين يوما آخر مركز نقاش جماهيري لاذع في الاسبوع الاخير. فمؤيدو الاجراء يؤكدون سعة شبكة الامن السياسية والعسكرية التي تشملها رزمة الافضالات التي تعرضها واشنطن، اما معارضو الصفقة فيستخرجون من هاوية النسيان الحالات التي وقعت فيها مذكرات تفاهم او وعود وضمانات بذلت ولم تحقق او كان تحقيقها جزئيا جدا. يشير الفحص الاساسي عن التاريخ الى أنه ينبغي في الحقيقة ان نتنياول في حذر شديد هذه الجملة من الحوافز والاغراءات التي كانت غايتها المباشرة ان تحلي لاسرائيل حبة مرة طلب اليها ابتلاعها في الصعيد الاقليمي او الاستراتيجي. لكن لا ينبغي في الوقت نفسه الاستهانة بها استهانة كاسحة أو ان تعرف بانها خدعة. على نحو عام كلما كان الالتزام الذي التزمه البيت الابيض اكثر صراحة وتحديدا، زادت احتمالات الا يتحلل منه في المستقبل. وبعد كل شيء، لا تستطيع القوة العظمى أن تسمح لنفسها بالمس بالثقة بها. في مقابلة ذلك، الامر المحقق ان وثيقة التفاهمات يلفها غموض يمنح الولايات المتحدة مسار هرب وتملص مريحا. يمكن أن نرى مثلا من الالتزام الواضح في بعض مواد مذكرة التفاهم (وان لم يكن فيها جميعا) التي وقعها الرئيس فورد مع حكومة رابين الاولى في الاول من ايلول 1975. من الوعود الاشد مركزية وبروزا التي منحتها اسرائيل في هذه المذكرة، التي صاغها وزير الخارجية هنري كيسنجر لتكون تعويضا لاسرائيل عن استعدادها للانسحاب الى ممر المتلة والجدي في سيناء، اشتملت عليها المادة التي حظرت على "جميع اناس الرئيس" الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية واجراء تفاوض معها قبل أن تعترف باسرائيل (كما ورد في لغة قرار مجلس الامن 242 في تشرين الثاني 1967). وهكذا، برغم أن ادارة كارتر رأت الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية شرطا حيويا لتقديم تسويتها، امتنعت عن الاخلال بالتزام سابقتها في هذا الصعيد. قدر كارتر ان تحللا واضحا من قيود مذكرة التفاهم كان يسحق الثقة به في نظر من أتى بعد رابين في رئاسة الحكومة وهو مناحيم بيغن. وعلى ذلك اكتفت الادارة بانشاء قنوات اتصال غير مباشرة وغير رسمية بمنظمة التحرير الفلسطينية، لم تؤتِ ثمارا. وفي النهاية مر نحو من 13 سنة منذ التوقيع على المذكرة حتى الحفل الصحفي الذي عقده عرفات في جنيف في كانون الاول 1988، حيث أعلن اعترافه بالقرار 242، كي يعلن وزير الخارجية في ادارة ريغن، جورج شولتس الحوار مع المنظمة. ويمكن أن نجد مثلا لطراز غامض من الالتزام الامريكي لاسرائيل في "ضمانات" حرية الملاحة في مضايق تيران، التي منحها آيزنهاور رئيس الحكومة بن غوريون في شباط 1957 عوض استعداده للموافقة على الانسحاب الاسرائيلي من سيناء ومن قطاع غزة بعد عملية "كديش". بخلاف التقدير السائد الذي قال ان موظفي ادارة الرئيس جونسون لم ينجحوا في العثور على هذه الضمانات بعد مرور عقد (بعد أن اغلق عبدالناصر مضايق تيران في وجه الملاحة الاسرائيلية)، الحقيقة ان الضمانات في صورة وثيقة رسمية صريحة لم تعطَ اسرائيل قط. كل ما نجح سفير اسرائيل في الولايات المتحدة أبا ايبن في احرازه من ادارة آيزنهاور هو الموافقة على ان تشتمل خطبة السفير الامريكي في الامم المتحدة على فقرة تتناول تأييد الادارة مبدأ حرية الملاحة. وتم الاتفاق على ان تعرف الولايات المتحدة هذه الفقرة بانها "مساوية في قيمتها" لالتزامها هذا المبدأ. لكن السفير تناول في خطبته ايضا في واقع الامر حرية الملاحة على نحو مستسلم عام. ولهذا لا عجب أن جونسون لم يجهد نفسه قط في أن ينزل عن الرف "ملف عملية كديش" وملحقاته عندما صاغ سياسته لمواجهة التحدي الذي اقامه عبدالناصر امام اسرائيل في ايار 1967. بعد ان فشلت جميع المحاولات تسوية الازمة بطرق دبلوماسية، منحت واشنطن حكومة اشكول الضوء الاخضر – وان يكن ذلك تعريضا – للبدء باطلاق النار لمواجهة التهديد الوجودي الذي تعرضت له. وذلك دونما صلة ما بقضية الضمانات وعلى خلفية رؤية الرئيس جونسون (الذي كانت علاقته باسرائيل مشبعة بالعطف والتفهم) مصر دولة تابعة للسوفييت ومعتدية وخطرة. في الختام، ينبغي الفحص عن مسألة الضمانات في سياق تاريخي محدد معطى وصلة بمبلغ وضوحها. وكما في علاقات اخرى في الساحة الدولية، فان لها نفاذا نسبيا لا مطلقا، لان المصالح التي تقف من ورائها بعد كل شيء ليست خالدة. لهذا ينبغي النظر اليها في كثير من الشك وان نطمح الى وضعها على اساس صلب واضح قدر المستطاع.