"نحن، الاوروبيين، نمتاز بالتصريحات"، قال في بداية الاسبوع ميغال موراتينوس. "هذا تعويض عن ضحالة الفعل لدينا". وقد جاءت هذه الاقوال قبل يوم من نشر بيان وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي، كاترين اشتون، في انها "قلقة" من الخطة لاقامة 1.300 وحدة سكن جديدة في هار حوما وان الامر يتعارض ومساعي استئناف المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين. اعتراف موراتينوس، وزير الخارجية الاسباني المنصرف والرجل الذي راكم ساعات في الشرق الاوسط اكثر من أي سياسي في اوروبا، أثار لدي الاحساس بالمشهد المتكرر. بحث سريع في أرشيف "هآرتس" زاد لي هذا الاحساس. عنوان رئيس أفاد بالازمة في المحادثات مع الفلسطينيين وبالتوتر بين اسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي عقب رفض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وقف البناء في هار حوما. وروى الخبر عن أن مبعوث الاتحاد الاوروبي الى الشرق الاوسط قال، في مقابلة مع صحيفة "الاهرام" المصرية، ان نتنياهو اقترح "نوعا من التجميد" للمستوطنات في المناطق، للسماح باستئناف المباحثات مع الفلسطينيين. التاريخ، 8 حزيران 1997. اسم المبعوث الاوروبي – ميغال أنخيل موراتينوس. مبعوث اوروبي يذهب ومبعوث يأتي، رؤساء امريكيون يتغيرون، نتنياهو سقط ونهض، والبناء في هار حوما لا يزال يثير الاضطرابات. "نعم، اما اعرف جيدا القول المأثور لـ أبان ايبان بان الفلسطينيين لا يفوتون فرصة لتفويت الفرص"، قال موراتينوس. معروف لي ايضا بانه في آخر أيامه اضاف أبا ايبان ان لاسفه ينطبق هذا التشخيص على الاسرائيليين ايضا. "أخشى انه اذا لم يطرأ قريبا تغيير على الوضع في الشرق الاوسط"، واصل الدبلوماسي الاسباني، "فسيكون ممكنا القول ان الاسرة الدولية لا تفوت الفرصة لتفويت الفرص لانهاء النزاع الاسرائيلي – العربي". المقابلة مع موراتينوس جرت في المنزل الرسمي لوزير الخارجية، قرب ميدان مايور في مدريد. بعد عدة اسابيع سيودع موراتينوس ابن 59، المنزل الذي سكنه اكثر من ست سنوات. ابتسامته السخية لم تزل عن شفتيه حين روى بان هذه هي مقابلته الاولى "منذئذ". بمعنى، منذ أعلن رئيس وزراء اسبانيا، خوسيه لويس رودريغس سباترو، الذي قرر نقل حقيبة الخارجية الى وزيرة الصحة ترينيدار خيمانوس. وقد حصل هذا قبل ثلاثة اسابيع، بعد عدة ايام من عودة موراتينوس من زيارة الى الشرق الاوسط، هذه المرة بصحبة نظيره الفرنسي برنار كوشنير. الزيارة صنعت عناوين رئيسة بفضل وزير الخارجية، افيغدور ليبرمان الذي ركض ليروي للصحافة كيف لقن هذين الغيرين درسا. ليبرمان، كما يروي موراتينوس كان بين وزراء الخارجية الكثيرين الذين عمدوا على مواساته. نتنياهو ايضا. عُين موراتينوس مبعوثا خاصا للاتحاد الاوروبي الى الشرق الاوسط في 1996. وحتى بعد ان عين وزيرا للخارجية في اسبانيا، عاد المرة تلو الاخرى الى ساحته المعروفة والمحببة. زعماء اوروبيون، وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ممن لا يرتاحون من الادارة الامريكية للمسيرة السياسية، طلبوا تعيين موراتينوس وزيرا لخارجية الاتحاد الاوروبي. ولشدة المفارقة، فان رئيس وزراء اسبانيا سباترو بالذات رفض التخلي عنه. ونالت المنصب اشتون البريطانية. المسؤولية منذ زمن قلت، في مؤتمر في باريس انك خائب الامل من أداء قيادة الاسرة الدولية في النزاع في الشرق الاوسط. "نعم، أنا خائب الامل جدا من عدم نجاحنا، نحن الاوروبيين، وكذا عدم نجاح باقي زعماء العالم في جلب بشائر طيبة من مكان ما في العالم. منذ هزم نظام الابرتهايد في جنوب افريقيا لم ينجح السياسيون في وضع حد لاي نزاع في العالم. في المؤتمر قلت اني أنا أيضا، كوزير خارجية اسبانيا التي كانت في حينه رئيسة الاتحاد الاوروبي، أتحمل المسؤولية عن الفشل. السياسيون يرتزقون من النزاعات الدولية. اذا سارعوا الى حلها جميعها، فانهم سيبقون بلا عمل". في هذا الفشل تدرج عدم قدرتكم على منع توسع المستوطنات. وبالفعل اسرائيل تقرر الان توسيع هار حوما والمفاوضات تبتعد. "أجد صعوبة في أن أفهم لماذا ترفض اسرائيل تجميد المستوطنات وآمل جدا بأن في الايام القريبة القادمة سيتوفر حل ابداعي يسمح باستئناف المفاوضات. خسارة على كل يوم ينقضي. في المدرسة تعلمنا عن حرب المائة عام، التي جعلت اوروبا بائسة. أنتم والعرب تتقاتلون من أكثر من ستين سنة. اذا واصلتم هذا الطريق فانكم ستحطمون لا سمح الله رقمنا القياسي". كل السنين، اوروبا تكيف سياستها في الشرق الاوسط مع مواقف الولايات المتحدة. ماذا سيحصل اذا ما يئس الرئيس براك اوباما من المسيرة السلمية بعد الهزيمة في الكونغرس؟ هل أنتم ايضا ستتركوننا لحالنا؟ "الولايات المتحدة كانت وستبقى دوما الجهة المتصدرة، ولكن ثمة حاجة الى لاعبين اضافيين. يجب اعادة تعريف دور الرباعية وكذا الاتحاد الاوروبي ملزم بان يعمق دوره في المنطقة. لم يكن هذا بسيطا عندما كنا 15 دولة، فما بالك وان الاتحاد يضم 27 عضوا. ولكن في السنوات الاخيرة حتى اسرائيل – التي لم تكن مستعدة لان تسمع عن وجود قوات اوروبية في المناطق – تستقبلهم ببشاشة. الفلسطينيون أبلغونا بانه مع اقامة دولة مستقلة وخروج الجيش الاسرائيلي من المناطق فانهم سيستقبلون بالترحاب مرابطة قوات الناتو في اراضيهم". في وجبة العشاء العاصفة التي كانت لكما مع ليبرمان، قال اننا بوسعنا ان نعيش لعدة أجيال اخرى دون تسوية وبعثكما لان تفرضا النظام في اماكن اخرى في العالم. "انا لا افهم لماذا روى بانه كان بيننا تراشقا لحديث صعب. صحيح أنه كانت خلافات جوهرية بالنسبة لحل النزاع، ولكن الحديث دار بروح موضوعية وجدية. كوشنير وأنا على حد سواء اختلفنا تماما مع موقفه في أنه يمكن تأجيل حل الدولتين الى الاجيال القادمة. الزمن لا يعمل في صالح القوى المعتدلة في المنطقة. اذا لم نصل الى تسوية في السنة القريبة القادمة، فان الوضع من شأنه ان يتدهور". سياسة رسمية هل تؤيد اعلان مجلس الامن عن دولة فلسطينية؟ "خلافا لرأي صديقي الطيب، البروفيسور شلومو بن عامي، لا أعتقد بحل تفرضه الامم المتحدة او أي جهة اخرى. الاسرة الدولية يمكنها أن تعرض على الطرفين اقتراحات جسر، ولكن في نهاية المطاف يتعين عليكم أنتم والفلسطينيين ان تطبقوا التسوية. في اللقاء الاخير الذي كان لي مع نتنياهو في القدس، الى جانب كوشنير، اقتنعت بانه بالفعل معني بالوصول الى تسوية دائمة في غضون سنة – سنتين". "اعتقد أنه مع سوريا ايضا يمكن الوصول الى تسوية في غضون وقت قصير للغاية، على اساس وثيقة شيبردستاون التي عرضها الامريكيون على الطرفين قبل عقد من السنين. الرئيس بشار الاسد قال لي، قبل بضعة اشهر انه حان الوقت للانتقال من الدبلوماسية الى السياسة الرسمية. وحسب أقواله، بعد أن وقعت اسرائيل على اتفاق سلام مع الاردن وتبنت حل الدولة الفلسطينية، حان الوقت لقرارات حاسمة في القناة السورية ايضا". هل لاسرائيل، برأيك، خيار عسكري ضد ايران؟ "بشكل لا لبس فيه – لا يوجد خيار كهذا. الاسرة الدولية تواصل ادارة الاتصالات مع ايران، في محاولة للوصول الى تسوية. لدينا وسائل اخرى لاقناع الايرانيين باطاعة القرارات الدولية. "منذ وقت غير بعيد التقيت بوزير الخارجية الايراني، منوشهر متقي، وانتقدت على مسمعه بشدة العدوانية الايرانية تجاه اسرائيل. اعتقد بان التسوية مع الفلسطينيين واتفاق السلام مع سوريا سيساهمان كثيرا في تسوية الازمة مع ايران". حتى بعد أن ودع وزارة الخارجية، يرفض موراتينوس أن يودعنا. فقد استجاب لطلب سباترو لتنسيق مسيرة برشلونة، التي غايتها خلق شراكة اوروبية مع دول الشرق الاوسط. عصر يوم الاثنين قال موراتينوس انه بعد اسبوع سيعود الى اسرائيل للتحضير للقاء برشلونة القريب. في ذات المساء علم أن الزعماء العرب قرروا تجميد مشاركتهم في المسيرة حتى نهاية التمديد الاضافي الذي قررت الجامعة العربية منحه للامريكيين، لغرض معالجة أزمة البناء في المستوطنات. وهو لا بعد سيعود. فالسياسيون، كما أسلفنا، يحبون النزاعات.