أعرف كارني الداد من قراءة مقالاتها في صحيفة "هآرتس"، التي أجتهد جدا في ألا أتجاوزها. فان كارني وبكتابة فصيحة، ذاتية من جهة وعقائدية جدا من جهة اخرى تأتي قُراءها بصورة مخالفة شيئا ما لما نُسميه في تعميم ما "المستوطنين". فهي تعطينا نظرة الى حياة وأفكار امرأة شابة، بعيدة عني في الطيف السياسي المقبول، لكن ليس في كتابتها كراهية أو حماسة كما عند اليمين المتطرف، برغم أن تصورها العام في حالات كثيرة لا يخالف تصورهم. تتحدث الداد في مقالتها الاخيرة في يوم الاربعاء الماضي كيف قررت هي وزوجها تحديد مكان سكنهما الثابت. كان الذي وجههما الى الاختيار النهائي، بعد أن فحصا عن اماكن كثيرة، الرغبة في تعزيز الاستيطان في ارض اسرائيل من جهة، في ائتلاف مع بلدة جماهيرية فيها أناس لطفاء يهشون لرفاقهم. ووقع الاختيار على بلدة تقوع في غوش عصيون، لانها أجابت عن المعايير التي فصلتها، ولان نبيّ البيت هناك هو عاموس الذي قال من جملة ما قال: "وغرستهم فوق ارضهم فلا يتركون ارضهم بعدُ التي أعطيتهم إياها، هكذا قال الله إلهك". وجدت كارني الداد وزوجها مطلوبهما. فأقاما بيتهما في بلدة نامية زاهرة يجري في طرقها الضاجة اولاد سُعداء، وفيها حدائق جميلة تزين بيوتها، ومناظر ريفية حقا. هذا هو سر السحر الذي يؤثر في كثيرين أخيار يخرجون في أسفار منظمة لزيارة مدن الضفة وبلداتها. فكيف لا يمكن التحمس عندما نرى الجمال الذي يبرز من هذه البلدات المنمقة والتمسك بـ "ارض البلاد". بيد أنه على مبعدة غير بعيدة عن هذه البلدة، كما هي الحال مع كل بلدة اخرى أو مدينة اخرى في المناطق المحتلة تلك، تتغير القصة تماما. فان مليونا ونصف مليون رجل وامرأة، شيوخ واطفال، يقعون منذ 43 سنة تحت ظروف احتلال غير مستنير في الضفة، لان الاحتلال لا يمكن أن يكون مستنيرا. وهم لا يستطيعون أن يُنشئوا لانفسهم بلدات مثل تقوع الساحرة، ولا يجري أبناؤهم سُعداء في طرقات ممهدة، وبيوتهم غير مزينة بالحدائق، ولا يستطيعون في حالات كثيرة أن يقرروا أين يُنشئون بيوتهم ويُربون أبناءهم. توجد سلطة احتلال تقرر من اجلهم لسيء وسيء. وما تسويغ كل ذلك – كلام أحد الأنبياء، مهما يكن مهما آسِرا، قيل قبل آلاف السنين، وبطبيعة الامر لم يستطيع أن يأخذ في الحسبان زمن قوله شؤونا ضئيلة كالحاجة الى منح شعب آخر، يعيش ويوجد ويطلب لنفسه حقوقا قومية ككل شعب آخر، دولة. لا تذكر كارني في مقالتها ولو مرة واحدة هذه الاشكالية. أي وجود شعب آخر، والمعاناة الفظيعة التي تجري عليه، إزاء سعادتها الكبرى لانها وجدت قطعة ارضها الصغيرة التي هي لله. ولنفترض أنني التقيت ذات يوم مع كارني وحاولت بعضنا أن تقترب من مواقف الاخرى. ففيم نتحدث؟ هل في حقنا في كل الارض كما "قال الرب إلهك"؟ ليس هذا عندي ذا صلة. فمن المؤسف جدا أن ليس الله هو الذي يقرر علاقاتنا بالفلسطينيين، بل الخريطة الجديدة التي ستحد ذات يوم – ولا امكانية للهرب من ذلك – حدود دولة اسرائيل. ربما حتى لو عرف "الله" الواقع الذي نشأ هنا في عشرات السنين الاخيرة، لأرسل "عاموسه" لإتيان شعبه بنبوءة اخرى. فقد كان يدرك هو ايضا انه لا يمكن الاستمرار على هذا. وربما ما كان يشاء أن يظل شعبه شعبا مُحتلا، يصرف حقوق الانسان الأساسية عن مليون ونصف من البشر الآخرين، برغم أنهم لا يؤمنون لا به ولا بتوراته. لن نعرف أبدا هذه الامور، وكما قلت آنفا ليس ذلك ذا صلة. اوباما ذو صلة، ودول العالم ذات صلة، لكن وفي الأساس العدل المطلق، الذي لا مخالفة عنه، والذي لا تستطيع أي نبوءة لأي نبيّ أن تتحقق على ظهور مليون ونصف مليون من البشر الذين لا حقوق ولا حرية لهم. يصعب علي افتراض أن تقبل كارني الداد حتى شيئا ضئيلا من هذا التصور