خُصصت العناوين الصحفية الرئيسة في هذه الصحيفة منذ ايام لقضية حدثت قبل أكثر من ثلاث سنين وهي قصف المفاعل الذري في سوريا في ايلول 2007. يُلقي كتابا مذكرات الرئيس بوش وأليوت أبرامز الذي كان نائب مستشار الأمن القومي في تلك الايام، ضوءا جزئيا على الاتصالات بين اسرائيل والولايات المتحدة قبل تدمير المفاعل الذري في دير الزور، بحسب كلام بوش، بعملية قام بها رئيس الحكومة اهود اولمرت. "ما آمن أنه سيكون صوابا من اجل أمن اسرائيل". الفقرة السابقة مصوغة في حذر: فالحقائق جيء بها باقتباس عن بوش فقط، على انه مصدر ثقة وعلى أن كلامه قد نُشر في الولايات المتحدة وهنا. وكذلك التعبير الرائج "بحسب مصادر اجنبية"، الذي يُلصق على الدوام بكل تصريح عن شؤون اسرائيل والقنبلة الذرية، ويعفي قائله من كل مسؤولية عن المضمون: فقد قالوا لكنني لم أقل، ويتم الحفاظ على الغموض الشهير. واذا كان الامر كذلك فاليكم مصدرا اجنبيا آخر وهو مايكل هايدن، الذي كان في الماضي رئيس جهاز الاستخبارات المركزية والذي أوضح السرية فيما يتعلق بالهجوم على المفاعل الذري في سوريا بالحاجة الى مضاءلة حرج الرئيس بشار الاسد بعد الهجوم الى أدنى حد، وأن يُزاد بذلك الى أعلى حد امكانية أن ينتهي كل شيء دون رد سوري ومواجهة واسعة كما حدث حقا. اذا كان هذا ما حدث فان اسرائيل اهود اولمرت والولايات المتحدة – لكن اسرائيل في الأساس لان بوش نفسه يقول ان اولمرت لم يطلب اليه ولم يحصل منه على ضوء اخضر للعملية – قد أدارتا وضع أزمة غير سهلة بحكمة كبيرة، وحذر وبرودة أعصاب. وهذا يُلقي ضوءا مثيرا على ولاية اولمرت التي تُصبغ كل يوم دونما صلة بورطاته القضائية بألوان أكثر بريقا قياسا بأيام نتنياهو – باراك الراهنة. ويثير هذا مرة اخرى السؤال المهم الذي يفضل أكثر الجمهور اعتقاد انه في أيدٍ حسنة (مثل كل مسألة أمنية): كم نعلم ولماذا لا نعلم بأشياء كهذه. انني اتجرأ على قول انه لو أُزيل الغطاء الثقيل الذي يقتضينا أن نتمسك بالضئيل من مذكرات رئيس الولايات المتحدة، لما أحدثت قضية المفاعل الذري عناوين صحفية رئيسة منذ زمن. فتناول القضية بسبب السر، لان الغطاء الذي لا يُرفع في وقته (واذا كان التقدير ما يزعم هايدن انه كان فان الغطاء كان مُسوّغا على نحو لا مثيل له في زمانه) يثير اهتماما مبالغا فيه احيانا، ويُعظّم ما هو في الحقيقة أمر بسيط جدا. وعندما يُلقى هذا الغطاء واسعا على كل شيء – العملياتي كالسياسي، والسياسي كالدسائسي – يصبح كل شيء مُهِّما ويخرج كل شيء في نهاية الامر الى الخارج أكثر انتفاخا وضجيجا بأضعاف. لو لم يوجد غطاء، لكان جوهر كلام اولمرت على باراك عن "شؤون أمنية مُهمّة" قد أصبح من نصيب الجميع منذ زمن: كان يمكن أن يُشتق منه رأي عن هذا وعن ذاك، وألا يُخاض فيه مع كل شيء ضئيل مما يُنشر. ولو لم يوجد غطاء لما جرى تعظيم الامر الى درجة يبدو معها أنه يختفي وراء كل ذلك أسرار عظيمة، "قصة هيّجت العالم"، كما قال العنوان الصحفي في "معاريف" أمس. كانت هذه قصة اخرى يجب أن نعلمها، بنظرة شخصية الى القادة في الماضي وفي الحاضر ايضا وأكثر من ذلك بنظرة لا مثيل لها في أهميتها الى طريق تصريف الامور في قيادتنا وادارتنا مع العالم. ليست عندي أي دعوى على المحافظين على الغطاء أنفسهم. فهم يقومون بعملهم وينفذون توجيهات فيها منطق احيانا، ويتم الحفاظ عليها احيانا عندما يزول المنطق أو لاسباب ليست من جنس القضية. يحسُن أن نفكر احيانا لماذا تصبح القصص كبيرة طويلة الحياة عاصفة: بسبب السر. مثل الحظر على التربية الجنسية، لكن عندما نرفع الغطاء يصبح كل شيء أكثر طبيعية وأكثر صحة وأكثر سلامة.