من الصعب القول ان د. علاء الأسواني، كاتب الكتاب الرائج المفاجيء في عمق نظرته، وقع على رقبتي وغمرني بالعناق. رويت له (بانفعال) كيف أُسرت بسحر روايته الجريئة "عمارة يعقوبيان"، وكيف لم أتوقف عن قراءة الاحداث المسلية وكيف أُسرت بقدرته على الكتابة وحبكة الاحداث التي تمر على سكان العمارة متعددة الطوابق في القاهرة. هذه مصر بالعمق، الخفيّة والأليمة، قلت له. الأغنياء تحت، في الشقق الفاخرة، والفقراء متمردون على الاسطح، يتصدون للربط الفاسد بين المال والسلطة، تعذيبات شديدة في السجن، تحرشات جنسية ووحشية من قوات الامن ضد كل من يعتبر عدوا. وفوق الجميع، "الكبير"، الاسم السري الذي أعطاه الأسواني لرأس الهرم. وسيتسلى القراء باللعبة الوحشية التي تجري بين المسؤول ورعاياه: اذا لم تدفع فسيحرصون على معالجتك بالقبضات الحديدية وأنت ستعض شفتيك. الحديث مع الأسواني كان لطيفا ولكنه مصمما. فقد استجاب للثناء الا انه رفض اجراء مقابلة وأصر على الايضاح بأنه لن يعطي مباركته لترجمة "يعقوبيان" الى العبرية. اذا تبيّن أنني وافقت، فسيتهمونني بالتطبيع، كما شرح، الاتحاد المهني سيكتشفني فأُصفى ليس فقط في مصر بل وفي كل العالم العربي. تقرير حماسي نشرته عن "متلازمة يعقوبيان" في ملحق "سبعة ايام" حفّز الأسواني وناشريه الكبار عندنا. فقد اتخذ خطوة كبيرة الى الوراء وأنهى المكالمة. "يعقوبيان" من انتاجه تحول الى فيلم سينمائي (سيء) وتُرجم الى 29 لغة. وعندما اجترف وكلاؤه المردودات، غرق في كتابة القصة التالية "شيكاغو" واشتكى من أن النجاح لم يصنع منه مليونيرا. كما أن المستشرق موشيه حاخام أحب "يعقوبيان" وقرر ترجمتها. مستشارون في نشر الكتب عندنا أوصوا بنشر ترجمة حاخام دون إذن الكاتب مثلما يفعلون للكتب الرائجة الاسرائيلية في بيروت، في دمشق وفي دار نشر "الجليل" في عمان. ولكن عندنا قرروا ألا يخاطروا بالتورط. الصيغة العبرية بقيت في الجارور لاربع سنوات الى أن ملّ غرشون باسكين، نشيط السلام الذي لا يكل ولا يمل والذي هو صهر حاخام. قبل عشرة ايام بعث برسالة الكترونية الى خمسة آلاف من اعضاء الشبكة: خُذوا ترجمة مجانية لرواية هامة عن مصر، فقط لتقرأوا وتستمتعوا – رغم أنف الكاتب. تقرأوا وتستمتعوا؟ قبل كل شيء، الصيغة العبرية تحتاج الى ترميمات عاجلة. شيء آخر، أنف الكاتب اشتعل فورا وهو لا يهدد الان برفع دعوى بحق باسكين على اختلاس أدبي وسرقة حقه الفكري. الأسواني حرص ايضا على أن يشل فعالية رؤساء اتحاد الكُتاب المصريين: كل دولار سأحصل عليه من الدعوى، سأتبرع به فورا لحماس، كما أعلن. باسكين لم يُذعر. فليأت، فليتقدم بدعوى، وأنا أعد بأن أبسط أمامه بساطا احمر. من محق؟ ذاك الذي يعارض أم ذاك الذي يعاند؟ ذاك الذي يخاف خوف الموت من أن يعاقبوه أم ذاك الذي تسلق أسوار المعارضة؟ في هذه الاثناء يوجد تعادل، لا خاسر ولا رابح: وكما يبدو هذا، فان الأسواني لن يذهب الى المحكمة، وباسكين يتلقى هنا وهناك الضربات على رأسه. كلاهما تلقيا نشرا، كلاهما لا يكرهان اجراء المقابلات معهما. فما الضير؟. وسائل الاعلام الاعلامية لم تقرر بعد اذا كان الحديث يدور عن اختلاس أدبي أم عن مبادرة يجب مباركتها. ما هو مؤكد، مرة اخرى يتلقى السلام صفعة رنانة. لو ان "الكبير" من دولة الأسواني كان يتجند لعلاج جذري، لكان بوسعه ان يوفر ثلاثين سنة من الاهانات. في هذا الشأن قرأت أمس وصفا مؤثرا لمصري ما، استضاف عنده اسرائيلي وتجول معه متأثرا لايام وليال. ثلاثين سنة استغرقتهم للتغلب على المخاوف والآراء المسبقة. والان هذان الرجلان يقولان: كيف لم نعرف كم هذا بسيط، كم هذا سهل، كم هو باعث على اليأس.