في السنتين القريبتين سيحصر اوباما عنايته في الشؤون الداخلية فقط ولن يصرف انتباها الى الشؤون الخارجية (ولهذا لن يفرغ ايضا ليشغل نفسه بالقضية الاسرائيلية – الفلسطينية) – كما تقول احدى الروايات. والعكس هو الصحيح: لانه لما كانت احتمالات أن يُجيز مبادراته في المجال الداخلي في العمل مع مجلس النواب المتحدي الذي تم انتخابه، تؤول الى الصفر، فسيبذل كل جهد للتوصل الى انجازات في مجال السياسة الخارجية على الأقل ولا سيما في الشأن الاسرائيلي – الفلسطيني (ولهذا توقعوا ضغوطا على اسرائيل!) – تقول الرواية المقابلة. أيهما حق؟ الجواب مركّب. فمن جهة يعلم اوباما جيدا ان مستقبله السياسي معلّق بأن ينجح في السنتين القريبتين في تسيير الاقتصاد الامريكي في مسار نمو ووقف نزف العمل. لكن من الواضح له انه سيحتاج الى تعاون من القادة الجمهوريين في المجلسين. هل سيحظى بالتعاون؟ ليس مؤكدا. فكيف تكون الحال عندما يكون هؤلاء القادة تحت ضغط دائم من الجهات المتطرفة غير المُهادنة في حركة "حفل الشاي". وفي مقابلة ذلك، يصعب ادارة سياسة قوية في الشؤون الخارجية عندما تقوم على أرجل هشّة في المجال الداخلي. لكن عن أي القضايا الخارجية يُتحدَث أصلا؟ يبدو ان العراق أصبحت من ورائه – برغم انه ما لم ينشأ هناك وهم استقرار على الأقل (لا يبدو في الأفق)، ستظل امريكا ورئيسها يتلقيان الضربات. والوضع في افغانستان منسوب اليوم، بحق أو بغير حق، الى اوباما خاصة، وإن متفائلا لا يكّل فقط يُصدق أن يستطيع الامريكيون اعلان النصر هناك في السنتين القريبتين. فما الذي بقي؟ الشرق الاوسط بطبيعة الامر. وبخاصة ما ظل أناس اوباما يُعرّفونه، مُتجاهلين الحقائق، بأنه لب المشكلة وهو الشأن الفلسطيني. بعبارة اخرى: اذا لم يكن الاقتصاد، ولا الصين ولا افغانستان، فان الطريق الوحيد الذي يمكن أن يُخلص اوباما هو انشاء دولة فلسطينية وتسوية الصراع بين اليهود والعرب. يدرك الفلسطينيون هذا جيدا، ولهذا فان السلطة، كما أكد رئيس "أمان" المنصرف اللواء عاموس يدلين في الاسبوع الماضي، تُفسد على عمد المحادثات مع اسرائيل كي تنشيء أزمات ترمي الى تدخل امريكي ودولي. يؤمن الفلسطينيون بأن تدخلا خارجيا سيضمن أهدافهم بلا حاجة الى تنازلات ومصالحات من جهتهم. والادارة الامريكية نفسها ليست بريئة من المسؤولية عن الوضع الذي نشأ. وليس ذلك فقط لأنها كما كتبت صحيفة "واشنطن بوست" دفعت الطرفين الى بدء محادثات "من غير ان يكون معها خطة تتعلق بالوضع الذي سينشأ بعد انقضاء التجميد"، بل لأن انشغال الادارة المفرط في موضوع المستوطنات سبّب غلّو المواقف الفلسطينية. لكن – وهنا نعود الى المفتتح – يُسأل سؤال هل النجاح في الشأن الفلسطيني مضمون الى حد أن يريد الرئيس أن يربط به مصيره الانتخابي تمهيدا لسنة 2012؟ والى ذلك فان الضغط على اسرائيل في هذا الشأن قد لا يكون مُجديا، وفي الواقع السياسي الجديد في الولايات المتحدة قد يثير هذا ايضا مشكلات في شؤون اخرى. وبرغم أن الكونغرس لا يستطيع أن يُملي على الرئيس السياسة الخارجية فانه يستطيع بالتأكيد محاولة التعويق عليه. يوجد لاوباما ونتنياهو غير قليل من السِمات المتشابهة: فكلاهما غير عاطفي كثيرا، وكلاهما مهتم بوسائل الاعلام، وكلاهما مثقف وذو ذكاء أعلى من المتوسط، ولكليهما مشكلات مع معارضتيهما، وكلاهما براغماتي ولكليهما مصلحة مشتركة في ألا يفشلان. يريد نتنياهو حقا التقدم في المحادثات مع الفلسطينيين، لكن ما يشغله اليوم أكثر من كل شيء آخر، وبحق، المشهد الأمني المقلق الذي وصفه رئيس "أمان" – ايران وسوريا وحزب الله وحماس. وكذلك يريد اوباما النجاح أو ألا يظهر خاسرا على الأقل. ينبغي أن نفترض أن يكون رئيس الحكومة عالما بأنه ربما يحتاج الى حلول عقلانية تدريجية تتعلق بالبناء في يهودا والسامرة. لكن الشأن الأمني الشامل هو الذي سيقف في مقدمة أسبقياته في المحادثات الحالية مع نائب الرئيس بايدين ووزيرة الخارجية كلينتون. وكما يقول البروفيسور يحزقيل درور، إن انشاء دولة فلسطينية لا يضمن بالضرورة نهاية الصراع، ولهذا سيُبيّن نتنياهو لمُحادِثيه أنه لا داعي الى أن يُبحث الآن حدود الدولة الفلسطينية مثلا. قبل ذلك ينبغي ضمان حدود لاسرائيل قابلة للدفاع عنها وادراج ترتيبات عملية تمنع تلك الدولة الفلسطينية أن تصبح تهديدا أمنيا آخر ولا سيما إزاء نوايا ايران أن تتغلغل في منطقتنا مباشرة أو بوساطة مندوبيها.