من الصعب ان نطلب من نيفا لنير ("محتضرون وهائجون"، "هآرتس"، 2/11) أن تحلل سقوط حزب العمل في مقال قصير، ولكن يبدو أن هذه اليراع القصيرة كانت كافية لاتخاذ تعبير مغلوط والوصول الى استنتاجات غير دقيقة. حزب العمل لم يكن "يسارا"، بل وسطا وطنيا حازما بادر الى معظم حروب اسرائيل وكان في الحكم عندما وقعت ثلاثة أحداث هي الاخطر ضد المواطنين العرب: المذبحة في كفر قاسم (1956)، يوم الارض (1976) وقتل 13 مواطنا عربيا في العام 2000. الحزب هجر الاشتراكية الديمقراطية، هدم بنية مبيّتة هستدروت العمال، تعاون بشكل وثيق مع جنوب افريقيا في فترة الابرتهايد ومع الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وبادر الى الضم الزاحف للمناطق المحتلة بعد حرب حزيران 1967. كما انه أقام المفاعل النووي في ديمونة ووقف خلف الاستخدام العسكري الذي أُجري فيه، حسب مصادر اجنبية. يمكن الموافقة أو المعارضة لكل المواقف والخطوات هذه، يمكن أن نرى فيها جزءا لا يتجزأ من "الصهيونية"، ولكن لا يمكن وصفها بأنها يسار. حزب العمل تبنى الليبرالية الجديدة كايديولوجيا، رغم الصورة الاشتراكية – الديمقراطية التي كلف نفسه عناء عرضها في العالم. ممثلوه في الاشتراكية الدولية، مثل شمعون بيرس، أُعجبوا علنا بمارغريت تاتشر وبالتدريج بدأوا يؤيدون ايضا اليمين المحافظ في الولايات المتحدة. اسحق رابين، الذي تُقسم لنير باسمه، كان معجبا فكريا وسياسيا متحمسا بريتشارد نيكسون. يوسي بيلين كان اول من رأى الى اين تؤدي هذه السياسة. وعليه، فقد خفف من حدة تأييد اسرائيل للعنصرية البيضاء في جنوب افريقيا وحاول التساوم بقدر ما مع الفلسطينيين، رغم الحقيقة المؤسفة بأنهم لم يوافقوا على أمنياته الغريبة في أن يروا في أبوديس القدس. كل هذه كانت معركة أخيرة: بيلين ايضا خاف من استغلال الشلل الذي ألّم باليمين بعد اغتيال رابين في 1995 كي يُغير حقائق ناجزة على الارض في الضفة الغربية. مواقفه لم تكن يسارية بل ليبرالية معتدلة. اذا كان التعبير مغلوطا فان لرياضيات لنير لا يوجد أمل في النجاح. رجال حزب العمل وأنسالهم انتقلوا الى كديما بل والى الليكود في أعقاب شمعون بيرس، حاييم رامون وآخرين. اليسار الصغير، الذي يوجد في الجبهة الديمقراطية للتغيير وربما ايضا في ميرتس، يعنى أساسا بالنشاط الاحتجاجي والفكري، وفي الجبهة الديمقراطية يحاولون ايضا ان يرأبوا قليلا الصدع الذي خلقه اهود باراك مع المواطنين العرب. رجال الوسط المؤيدين للسلام (بثمن غير حقيقي) يخافون الصدع مع العالم ومن ثمنه الذي لا يطاق من ناحية اقتصادية، ثقافية واجتماعية. وعلى طريقة الاشخاص الشبعى فانهم ليسوا نشطاء على نحو خاص في الشارع السياسي حيث ينشط، ولكن لا ينازع الموت، رجال اليمين ومهندسو الحلف غير المقدس بين افيغدور ليبرمان وناخبيه وبين الجمهور الديني – الوطني.