"بلغ الاستيطان على التقريب نهايته"، كتب البروفيسور يهوشبط هركبي في 1981، بعد سنين قليلة من انشاء المستوطنات الاولى في يهودا والسامرة. "ولد الجبل فأرا. تبين ان الاستيطان غير ممكن، لانه لا توجد ارض ولا مال ولا ناس. اليوم ليس من السهل على انصار الاستيطان الاعتراف بافلاس نهجهم". "الموجة الطاغية لغوش ايمونيم ستُنسى، وستخبو حماسة الطلائعيين"، وعد في تلك الفترة ايضا عضو الكنيست الواعد الغني اللغة ابراهام بورغ. وبيّن يعقوب حزان قائد حركة العمل بعد ثلاث سنين قائلا: "في التاريخ تعمل الحقائق لا الأهواء أو الهذيانات الخلاصية. اليوم يعيش هناك اكثر من 700 ألف عربي هذا وطنهم، وبعد الجهود الكبيرة لحكومات الليكود مدة سبع سني حكمها، وُجد 28 – 30 ألف يهودي فقط. يعيش كثيرون هناك دون ان يضربوا جذورا داخل هذه الارض. ليس هذا استيطانا بل سكنا". يحسن أن نتذكر هذا التأبين وأشباهه، الذي يتم اقتباسه كثيرا في كتاب حجاي سيغال واوري اورباخ، "واليوم يلفون الاسماك بهذا" (1992)، على خلفية احداث قطف الزيتون – واليسار المحرض – التي تجري في هذه الايام في يهودا والسامرة كما في كل سنة في الخريف. من المحزن من جهة ان نقرأ في الكتاب كلام اريئيل شارون في نقاش في الكنيست في 1977 اذ قال: "أُرسل من هنا تحية حارة للمستوطنين. تذكروا، 500 ولد يهودي في جبال السامرة، وزنهم اكبر وقوتهم اقوى من كل تصريح سياسي في أي مكان في العالم". دحض شارون نفسه هذا الكلام بعد 28 سنة، عندما طرد أبناء غوش قطيف وشمالي السامرة من بيوتهم، برغم كل وزنهم وقوتهم، من اجل أن يصرح بتصريح سياسي فقط. من جهة ثانية، من المُسلي أن نتذكر ان معارضي انشاء المستوطنات اليهودية في يهودا والسامرة سموها، في السنين الاولى "مستوطنات وهمية". "وعد الليكود ناخبيه باستيطان الضفة"، قالت صحيفة "عل همشمار" موجهة الكلام الى حكومة بيغن في 1984، "هذا إيهام". وقال يوسي سريد، في بداية الانتفاضة الاولى: "منذ نشب العصيان المدني العنيف تبين ان اسهام المستوطنات في الامن حكاية جدة خائفة. فقد اغرقت الاحداث، بايقاعها وعظمها، المستوطنين الـ 50 ألفا واصبحت نقاطهم الشاحبة المئة كأنها لم تكن". يناضل الفلسطينيون ومنظمات اليسار اليوم كل شجرة زيتون "يهودية" شرقي الخط الاخضر، لانهم يدركون – اكثر من اكثر الاسرائيليين – ان معنى كروم الزيتون اليهودية هو ان نقط التثبت نجحت في التثبت حقا. ان غراس "إحييه" مثلا التي تنتشر فوق نحو من 350 دونما في منطقة شيله، ويتعرض لها نشطاء اليسار على نحو خاص، واحدة من المعاصر الكبرى ومنتجات زيت الزيتون الفاخر من الافضل في اسرائيل. "إثر الحوادث الاخيرة اصيب غوش ايمونيم والمستوطنون في المناطق بالذعر والدهشة"، قال في 1988 نيسيم زفيلي عندما كان رئيسا لقسم الاستيطان في الوكالة اليهودية في ارض اسرائيل. لكن يئير هيرش المدير العام لغراس "إحييه" بعد ان اصيب، في نطاق احداث قطف الزيتون في 2009، باطلاق النار عليه، ما زال يدير المعصرة العصرية في شيله بنجاح – وهو مصاب اليد منذ وقعت الحادثة – ويفوز بأوسمة ذهبية في مباريات الزيت القطرية والدولية. ان الجرائم الشديدة لفتيان "تاغ محير" (التسعير) تضر بطبيعة الامر بالاستيطان اليهودي اكثر مما تفسد الممتلكات العربية. لكن الناس الذين لا يحبون المستوطنون، لا يحبونهم دونما صلة باعمال الفتيان. لقد تم اقتباس حتى من كلام الرئيس شمعون بيرس، والد المستوطنة الاولى في كدوم في السامرة ("هآرتس"، نيسان 1988) الجملة التالية: "المستوطنون، وهم مجموعة مع قبعات دينية ولحى وبنادق، يثير مظهرها استهزاء كثيرا". الامر المهم ان الاستيطان في يهودا والسامرة قد نجح في ان ينغرس ويثبت حتى إن نشاطه الزراعي البريء يحث اسرائيليين من اليسار على تحريض الفلسطينيين على اظهار ملكيتهم للارض باحراق اشجار وافساد اراض ومعدات زراعية. من المؤكد ان كل نشيط يسار، يعتقد انه لا يجوز لليهود ان يغرسوا انفسهم وزيتونهم في قلب البلاد والدولة، يجب ان يفعل كل ما يستطيع لمحاولة منع ذلك. لكن من يلتزم الغرس، يحسن ان يتذكر انهم يلفون بالأهواء في نهاية الامر الاسماك فقط. أما التاريخ فتعمل فيه الحقائق كما قال أحد الحكماء القدماء في قوله الصحيح.