خبر : روليـت ... بقلم: د. إياد السراج

الثلاثاء 02 نوفمبر 2010 01:34 ص / بتوقيت القدس +2GMT
روليـت ... بقلم: د. إياد السراج



 -          سألته بلهفة: أين كنت طيلة اليوم؟ لقد أقلقتني عليك؟ ولماذا أقفلت تليفونك؟ لقد شغلتني!  -          فرد بصوت خفيض "لقد كان يوماً متعباً، اجتماعات طويلة حول الاستراتيجية ومناقشة قضايا المال والإدارة بكل تفاصيلها وليس هذا كل شيء، فعلي أن أذهب إلى اجتماع في المساء مع "الكبار".  -  "ماذا؟ الكبار؟"  -  "إنهم جماعة الرئيس جيمي كارتر ونيلسون مانديلا، وديزموند توتو وغيرهم من الشخصيات العالمية تكونت لتقول كلمة الحق في قضايا العالم". -            "وما هي الفائدة من الاجتماع معهم؟" - "إنهم شخصيات اعتبارية لها وزنها، ومن المهم أن نحكي لهم ماذا فعل بنا الزمان وإسرائيل"، ثم متوسلاً: "أريد الآن أن أرتاح قليلاً حتى أستطيع الذهاب للاجتماع".   وفي عمق المساء عاد بعد الاجتماع ودخل متهالكاً، وطلب كأساً من الشاي وحين جاءت إليه بالشاي كان قد استغرق في النوم، فأشفقت عليه وتركته بعد أن وضعت عليه غطاءً خفيفاً. وفي الصباح، على فنجان قهوة قالت: "لقد نمت طويلاً وعميقاً"، وضاحكةً: "وشخيراً!". -           رد: "لقد نمت متعباً"، بعيون مشفقة سألته: "وماذا عن الكبار؟". -          قال: "حضر الاجتماع ماري روبنسون رئيسة جمهورية ايرلندا والسيدة تيلا من الهند التي أقامت مشاريع تساعد بها أكثر من مليون امراة، وابتدأ الاجتماع بالأخضر الإبراهيمي - وهو وزير خارجية الجزائر سابقاً ومساعد الأمين العام للجامعة العربية وموفد الأمم المتحدة إلى أفغانستان - يوجه سؤالاً صعباًً: " لماذا يصر قيادي حماس وفتح على الصراع والانقسام؟ ألا يدركون ما يفعلونه بشعبهم وقضيتهم؟ أريد أن أفهم!". وخيم علينا صمت ثقيل، ونحن نحاول إيجاد جواب لسؤال أرَّقنا ومزَّقنا طيلة سنوات الانقسام وتعددت الإجابات من الحاضرين في أسباب الانقسام واستمراره. - وحاولت بدوري المساهمة فقلت "أن التفسيرات السياسية والخلافات الأيديولوجية معروفة ولكني أظن أن الصراع بين حماس وفتح قد اشتد وتعمق لأنه قد أخذ الطابع القبلي والشخصي فأصبح مشحوناً بعصبية قبلية ورغبة جامحة بالثأر والانتقام فحين تعتقل الحكومة في رام الله أعضاء من حماس فإن الحكومة في غزة تعتقل أعضاء من فتح، وحين تغلق الحكومة في رام الله جمعية خيرية تابعة لحماس تغلق الحكومة في غزة جمعية خيرية تابعة لفتح وحتى على المستوى العائلي الضيق حيث تأثرت العلاقات بين الأخوة وأولاد العم".  أطرق الابراهيمي وهو يستمع وبدا على وجهه التأثر والألم، فاستطردت بالقول: "لم يجرؤ الإسرائيليون على دخول المستشفى لقتل جريح، ولكنا فعلنا ولم يجرؤ الإسرائيليون على إلقاء فلسطيني من الدور الخامس عشر ففعلنا ولم يدخلوا المساجد بالسلاح فدخلناها .. إلى هذه الدرجة وصلت بنا حالة الاحتقان العصبي القبلي في الصراع الداخلي حتى وصل بنا الحال جميعاً للأسف على حالنا وأعطينا لعدونا مبرراً لمزيد من القتل والدمار وانتهاك الحرمات والمقدسات، وردد الإبراهيمي: "أنه الثأر وأنها القبيلة" وسأل مجدداً: "وما هو المستقبل وأنتم على هذه الحال؟". وكان هناك توافقاً على أن المستقبل مظلم وحالك الظلمة لأن حماس وفتح لن يتصالحا وسيتعمق الانقسام مما يسهل على إسرائيل أن تدفع بأهل غزة في اتجاه مصر وستستمر في استيطان الضفة وستهود القدس وتمضي غير عابئة بالعالم أو بالقانون فهي تحتمي بقوتها وقوة أمريكا وهي لا تعمل حساباً لأحد .. حتى أوروبا لا تستطيع أن تحصل على إذن لوزراء خارجيتها بزيارة لغزة!.  -          فقالت: "لقد كان اجتماعاً حزيناً ومؤلماً وأنتم تؤكدون على مصيرنا المحتوم". -          فاستدرك: "لكني قلت للإبراهيمي والحاضرين أن الإدارة الأمريكية على ما يبدو قد أعطت الضوء الاخضر للمصالحة الفلسطينية لأنني أعتقد أن أوباما يدرك أنه بدون حماس لن تكون هناك حلولاً سلمية ولا دولة فلسطينية، وفي نفس الوقت قدم أوباما لإسرائيل وعوداً كبيرة من أجل الضغط عليها لتقبل بقيام الدولة الفلسطينية".   - وقلت "إن لقاء عمر سليمان بخالد مشعل في مكة قبل أسابيع لم يكن صدفة وإيفاد عزام الأحمد إلى دمشق كان سريعاً وبدا من تصريحاته التفاؤل عكس ما كان في الماضي، وها هي الأخبار تتوارد حول قرب الوصول إلى اتفاق وزيارات وزراء الخارجية الأوروبية للمنطقة بشكل مكثف، للضغط على إسرائيل للقبول بعروض أوباما السخية، كل هذه إشارات بالإضافة إلى إعادة بعث قصة شاليت والأسرى وخاصة مروان البرغوثي الذي يحتاجه الجميع في حالة الوصول إلى اتفاق سلام، إذن هناك شيء ما يتحرك تحت السطح". -  فقالت متشككة: "وما هو دافع أوباما وراء ذلك؟"  -          فقال: " إن أوباما يريد أن تبدأ علاقة جيدة وطبيعية مع العالم الإسلامي كما قال في القاهرة وهو يعلم أن في العمق تقع القضية الفلسطينية، وإنه لابد من قيام دولة فلسطينية قبل أن يستطيع أن يقنع المسلمين بجدية أمريكا".  -           قالت: "لكنه فشل في إقناع نتنياهو في وقف الاستيطان".  -          فرد بهدوء: "فلننتظر قليلاً..إن هناك ارتباكاً في الحكومة الإسرائيلية وضغوط هائلة عليها من كل الاتجاهات والقرار على ما أظن في المطبخ الإسرائيلي والمطابخ الأخرى قد أصبح وشيكاً".  -          فسألت: "وماذا سيكسب الفلسطينيون؟".  -           فقال: "أولاً المصالحة الوطنية، وثانياً دولة فلسطينية على حدود 67 والقدس العربية".  -          فسألت: "هل من المعقول أن يحدث كل هذا؟ وهل يتحقق حلم سلام فياض بإعلان الدولة في نهاية 2011؟".  -          فأجاب: "لقد راهن سلام فياض ومحمود عباس بكل ما لديهما في لعبة شديدة الخطر إذا تحقق هدف الدولة فقد تحقق النصر وإذا لم يتحقق فالخسارة للجميع، إنهم مثل من يضع كل راسماله على رقم وحيد في لعبة الروليت فإذا دار القرص واستقرت الكرة على ذلك الرقم أصبح من الأغنياء".  -           فقالت: "وما الذي جعل فياض وعباس يفعلون ذلك، أليس من الخطر أن تضع كل البيض في سلة واحدة".  -           فقال: "أبو مازن وفياض فهموا اللعبة الإسرائيلية التي تقوم على أنه بحجة الدفاع عن الأمن تخوض إسرائيل الحرب، بينما في الحقيقة انها تسعي للاستيلاء علي مزيد من الأرض. وأدركوا أن الفلسطينيين وقعوا دائماً ضحية لهذه اللعبة، فهم لا يستطيعون الاستكانة والخنوع للاحتلال وعليهم واجب المقاومة مع أن فعل المقاومة المسلحة يتم توظيفه إسرائيلياً في لعبة استمرار العنف لسرقة الأرض".  -          واستمر يقول: "إصرار أبو مازن علي عدم الانجرار الي المقاومة المسلحة وحتى بقبول التنسيق الأمني، وتمسك سلام فياض بخيار الأرض والبقاء عليها وبناء المؤسسة، يؤكد الوعي باللعبة الاسرائيلية ولم يكن ذلك سهلا بل مكلفا جداً بتحمل الاستفزاز الإسرائيلي والتشكيك والمزايدات الفلسطينية، وهو يبدو رهان بكل رأس المال علي رقم وحيد في لعبة الروليت السياسية أو وضع البيض في سلة واحدة لكنه رهان محسوب لتجريد إسرائيل من أسلحة المماطلة والتهرب من استحقاق السلام وهو إنهاء الاحتلال وقيام الدولة".  -          سألت متخوفة: "وماذا لو فشل أوباما؟".  -           فقال بثقة "الخطر الأكبر أن تسبق إسرائيل الجميع بحرب جديدة فيسهل عليها أن تبدأها كالعادة باستعمال السلاح الفلسطيني مبرراً وذلك لمنع المصالحة الفلسطينية ومنع قيام الدولة وإفشال أوباما ولكن سيذهب إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة وتكون المقاومة دخلت مرحلة جديدة بالمقاطعة الدولية ضد إسرائيل التي أصبحت تكرس نظام الفصل العنصري والاحتلال، ليصبح تدريجياً العالم كله ضدها، وسينتصر الحق..ولو بعد حين بإقامة الدولة الواحدة"