يا وطني البعيد جداً من موقعي ، القريب جداً من أعماقي ، لا أعلم ، هل تضخم بي الحزن فأصبحت أكبر من الوجود؟، أم ضاق بي الوجود ، فأصبح أصغر من حزني؟،النتيجة واحدة يا وطني، فبقعة الأرض هذه ، ما عادت تتسع لي ، فبقعة الأرض التي كنت أقف عليها ، أصبحت الآن تقف علي ، والحمل أكبر من الكتابة ، والحمل اثقل من التنفس، وحاجتي إلى التنفس جعلتني ابحث عن وطن يكتظ بالهواء ، وطن يمنحني الحياة بلا حدود، وطن يعيد الأرض إلى قدمي ، ويعيد قدمي إلى الأرض ، وطن يجعلني فوق الأرض ، ويجعل الأرض تحتي رحبة واسعة كأحلام طفولتي. فيا وطني ، من أين ابدأ؟، من البداية التي ما عدت اذكرها؟، أم من النهاية التي لا أريد أن أذكرها؟، فأحياناً ، تتشابه بدايتنا ونهايتنا حد الملل، فيا سيدي ، اجبني، من أنا ؟ وعلى أي المحطات أقف الآن؟، ولماذا أقف الآن في انتظار معجزة تعيدني إلى الحياة ، أو تعيد الحياة إلي ؟، لا تدهش لسخافة سؤالي ، فأنا أضعت ( أنا ) ، وجئتك أبحث عن ( انا ) ،عن ذاتي ، ليقيني أني لن أجد نفسي الحقيقية إلا لديك ، فأنت أصولي ، وجذوري، فأعماقك هي صندوقي الذي أخبئ فيه كل ما أخشى عليه من الأيام ، وذات يوم خبأت نفسي الحقيقية فيك ، نفسي التي تشبهك وتشبهني ، وغادرت بالنفس الأخرى ، التي تشبههم ولا تمت لك أو لي بصلة، كنت سعيدا بهذه النفس، لقدرتها الفائقة على التأقلم مع عالمهم التافه ، وأجدت دوري ببراعة ، وكثيراً ما صفقت لنفسي بيني وبين نفسي ، لكنني الآن ، أشتاق إلى نفسي الحقيقية، تلك النفس التي خبأتها فيك ، فجئتك وفي داخلي رعب الدنيا كله، أن تكون قد فتحت لها أعماقك ذات ليلة باردة و أطلقت سراحها منك ،ترى، هل ما زلت تحتفظ بي ؟ هل ما زلت تحتفظ بالنسخة الأصلية لملامحي ؟، أشتاق لملامحي القديمة … فهل سأراها في مرآتك ؟، خدعتني مراياهم كثيراً يا سيدي ، منحتني وجهاً ليس وجهي ، وجسدا ليس جسدي ، وأحلاما ليست أحلامي ، تضخمت في أعينهم في الوقت الذي كنت أتضاءل فيه في عيني ، وسافرت ، سافرت في كل القلوب ، وكنت أترك في كل قلب حلماً ناقص النمو ، وأرحل ، أغادر أعماقهم متسللا كاللصوص ، وأحرص حرصاً تاماً على أن لا يبقى اثر خلفي كي لا يعيدهم إلى عالمي الذي لا يتسع إلا لك. أرحل بحثاً عن حكاية جديدة … حكاية مختلفة في فصولها وطقوسها وتضاريسها … لكنني اكتشفت أن الحكايات تتشابه … وان الفصول تتشابه … والتضاريس تتشابه … إلا الإحساس … وحده الإحساس يا سيدي يبقى مختلفاً كبصمات الأصابع ... فعشت سنوات أبحث عن ذلك الإحساس المختلف … لكن ذلك الإحساس لم يأت بعد … وربما لن يأتي أبدا … وهنا تكمن مرارة اليقين … اليقين بأن القادم لن يكون أفضل ولن يكون اجمل ولن يكون مختلفاً … وان وحدك الشيء المختلف الذي لا يشبهه في قلبي أو حلمي أو خيالي شئ … فيا سيدي الوطن … ويا وطني السيد … نمت عميقا … نمت طويلاً … واستيقظت بالأمس … ولا أعلم لماذا استيقظت … وأي صرخة قاسية للواقع أيقظتني وزلزلت أحلامي … وإذا بالوجوه ليست الوجوه … وإذا الأصوات ليست هي الأصوات … وإذا الأماكن ليست هي الأماكن … ولا الأحلام ليست هي أحلامي … ولا الزمان هو زماني … ولا أنا الذي يعرفونه … هو انا الذي اعرفه انا … وتعرفه أنت؟ فجأة … شعرت يا سيدي بأنني خارج نطاق الزمان والمكان والأحلام … وبأن أحلامي كانت ضرباً من الوهم والجنون والشقاء والغباء ... فذات يوم يا سيدي كنت سيد الحلم في عالم بنفسجي اللون … مخملي الملمس … ذات يوم … كانت لدي قدرة الحلم بالمستحيل الجميل … فحلمت بما لم يحلم به رجل قبلي ... ما رست كل أنواع الأحلام المستحيلة يا سيدي … تضخمت بالأحلام قد استطاعتي … ولم أدرك إلا بعد فوات الأوان … إن للأحلام عملة تدفع من رصيد العمر … فما ابهظ ثمن الأحلام يا سيدي فيا سيدي الحلم … هل تعلم انك الحلم الذي دفعت ثمنه من رصيد سنواتي … و أعلنت إفلاسي من الألم والأحلام بعدك … وكل الأحلام التي عشتها بعد رحيلك كانت بلا ثمن … فهل أدركت الآن من أنت ؟؟ من تكون ؟؟ وأين موقعك فوق خارطة قلبي ؟؟ وما حجم وجودك فوق خارطة أحلامي ؟؟..........