منذ بدء المساعي لاستئناف المحادثات بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية، باتت عادية بضع جمل على لسان ناطقي الحكومة والمحللين المخولين. وقد اطلقت مرات عديدة لدرجة أن الاذن تسممت واغلقت في وجه نغمات اخرى. وها هي اللازمات الاساس المتكررة في الرواية الرسمية: "مذنب في كل شيء الامريكيون، هم الذين رفعوا الفلسطينيين الى شجرة عالية ويصعب عليهم الان انزالهم عنها"، "في الماضي لم يشترط الفلسطينيون عقد المفاوضات معنا بوقف البناء فلماذا إذن يصرون فجأة"، "نحن نأتي الى المفاوضات بلا شروط، اما هم فيطرحون شروطا مسبقة"، "ابو مازن ينتظر انتهاء انتخابات منتصف الولاية في الولايات المتحدة، بحيث تكون يدي الرئيس حرة في الضغط على اسرائيل"، "ابو مازن يفضل الاعلان عن دولة فلسطينية في حدود 67 ونيل تأييد الامم المتحدة، بمساعدة اعتراف الامم، يمكنه أن يدير المفاوضات من موقع أفضل". في كل هذه الجمل يكمن الافتراض بان رفض السلطة الفلسطينية الشروع في مفاوضات مع اسرائيل طالما استمر البناء في المناطق المحتلة هو مناورة ابتزازية لا تنبع من مبدأ أو من مشاعر شعبية. ولما كان هكذا هو الحال، فيمكن ايجاد صيغة ملتوية ترضي الفلسطينيين دون الاغضاب اكثر مما ينبغي للمستوطنين وللسياسيين المؤيدين لمواقفهم. ربما نبني فقط في القدس، وفي "الكتل الاستيطانية"، وربما لا نعود الى التجميد ولكن في نفس الوقت نغمز الفلسطينيين ونشرح لهم بان عمليا لن تصدر رخص للبناء. أنا أعرض فرضية: لسان وقلب الفلسطينيين متساويان. في أوساط الجماهير والزعماء نضج الاعتراف بانه لا يوجد أي معنى من ادارة محادثات في الوضع السخيف الذي يكونون هم فيه ممنوعين ن الاعتراض على تجذر اليهود في قطعة الارض المخصصة لدولتهم وعاصمتهم. الاحتجاج الاسرائيلي بشأن ""طرح شروط مسبقة" يشبه في نظرهم ما يقوله جار عنيف، يقتحم ساحتهم ولا يوافق على الخروج منها الا جزئيا شريطة أن يجري حول مساحة هذا الجزء مفاوضات في الوقت الذي يبني فيه في الساحة قسما آخر من منزله. لا حاجة للشرح بان المستوطنين يرون "الساحة" المشبه بها هذه من خلف عدسات الجانب الاخر من المنظار: هذه ساحتنا وهم يطالبوننا باخلاء جزء منها، يعود الينا. الاسرائيليون، مهما يكن رأيهم في معنى مصلحة بلادهم، لا يحق لهم التنكر لوعي الخصم. وبتبني للحظة وجهة نظره، سيكتشفون بانه بينما لسان القادة الاسرائيليين يلوك اعتراف بحق الفلسطينيين في اقامة دولة في جزء من وطنهم – نحو خمس مساحة بلاد اسرائيل الغربية مع خصم عدة نسب في المائة – تعرقل ايديهم الاحتمال لذلك. وهم يجبرون من محافل سياسية تعمل في جناحهم اليميني، مشلولون بسبب تربيتهم التي تلقوها في بيوت ابائهم واجدادهم، او يخافون عن حق وحقيق من المخاطر التي تحدق بنا من الدولة الفلسطينية. العملية مزدوجة المسار سبق أن تقررت في مؤتمر مدريد في 1991. في كتاب الدعوة الذي سمي "تفاهمات ونوايا الولايات المتحدة"، جاء أن غاية المحادثات هي انهاء الاحتلال وان الطرفين مطالبان بالامتناع عن كل فعل من شأنه أن يعرض للخطر نتائجها النهائية. المحادثات راوحت في المكان، وفي اثناء العقد التالي حتى العام 2000، حين عقد الرئيس كلينتون مؤتمر كامب ديفيد، رأى الفلسطينيون بان لا يقل عن 200 الف مستوطن ضاعفوا عدد الاسرائيليين الذين يوجدون في المناطق المحتلة. اضافة الى ذلك، صودرت اراضي واسعة واراض مخصصة للدولة الفلسطينية حرثت بمئات الكيلومترات من الطرق الرئيسة والطرق الالتفافية. في وقت لاحق اقيم جدار الفصل الذي سلب من الفلسطينيين مئات اخرى من الكيلومترات المربعة. حتى لو ابدى الطرفان رغبة طيبة، ستستمر المفاوضات على الحدود الدائمة عدة سنوات. ويعرف الزعماء الفلسطينيون جيدا ميزان القوى السياسي في اسرائيل وهم مضطرون للافتراض بان البناء، ومعه تقليص اراضي دولتهم، سيستمر حتى منتهى حدود قدرة المناورة للطرف الاسرائيلي. وسيكونون في غاية الغباء اذا تجاهلوا تجربتهم التاريخية ودخلوا في مفاوضات في ظل التنازل عما نسميه نحن "الشروط المسبقة".