الأجواء ملبدة بغيوم الحرب، الحديث في المجالس، كما في أروقة وسائل الإعلام، كما في تصريحات المسؤولين من هنا وهناك، والتحضيرات التي تخرج من السرية إلى العلن، لغة التهديد والوعيد تسود، والوفود المتنقلة من هذه العاصمة إلى تلك، واجتماعات مجالس الوزراء التي لا يعقبها أي تعقيب أو تصريح، حملت الغيوم بأنباء عن الحرب وكأنها وقعت بالفعل، عدة ساحات مرشحة لهذه الحرب معاً، أو منفردةً رغم ارتباط هذه الساحات ببعضها... الساحة الفلسطينية مرشحة، بطبيعة الحال، وهي مؤهلة وفقاً للظروف المحيطة لأن تكون ميداناً لمثل هذه الحرب التي باتت ــ كما يقولون ــ على الأبواب.في ظل هذه الأجواء تتسرب عبر وسائل الإعلام المختلفة ــ وبشكل مكثف، يوازي حجماً وأهميةً الحديث عن الحرب المتوقعة ــ سيناريوهات لحل بات قريباً للملف الفلسطيني الإسرائيلي، هذه السيناريوهات تتصدى لكل ما يقال ويحدث حول استعصاء العملية التفاوضية، وتصاغ بطريقة بالغة الذكاء لتؤكد من خلال سياقاتها أنها هي التي ستشكل الخارطة السياسية المستقبلية في ضوء الصراع العربي الإسرائيلي، وتحديداً الملف الفلسطيني.وينطلق أحد هذه السيناريوهات من حقيقة أن إسرائيل تشير دائماً، وكلما استعصت العملية التفاوضية، إلى أنه ليس هناك شريك فلسطيني، ومن حقيقة أن الدولة العبرية سبق أن انسحبت من جانب واحد من جنوب لبنان ومن قطاع غزة، ومن حقيقة أن هناك بدائل فلسطينية في حال تعذر عملية تفاوضية جادة تؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية، وهو هدف هذه العملية المعلن، ومن هذه البدائل التوجه إلى مجلس الأمن.في ظل هذه الحقائق، يشير هذا السيناريو إلى أن إسرائيل، ستفاجئ الجميع بانسحابها من مناطق واسعة في الضفة الغربية، والإبقاء على الكتل الاستيطانية وكافة المناطق الفلسطينية التي تعتقد أنها ذات طابع يحمي أمنها، هذا يوفر لها القول بأنها نفذت قرار مجلس الأمن حسب تفسيرها والقاضي بالانسحاب الإسرائيلي من "مناطقِ" احتلت في حرب حزيران 1967، والتصدي لأية محاولة فلسطينية لعرض القضية على مجلس الأمن.ويعترف أصحاب هذا السيناريو، بأن رئيس الحكومة الإسرائيلي سبق أن أشار في الجلسة الافتتاحية للمفاوضات المباشرة في واشنطن، ثم في شرم الشيخ، إلى أنه لا يريد تكرار ما حدث بعد الانسحاب من جنوب لبنان ليتحول إلى ثكنة عسكرية تهدد أمن إسرائيل، وكما حدث في غزة، بعدما باتت منصة لإطلاق الصواريخ على إسرائيل بعد انسحاب هذه الأخيرة منها، إلا أن هؤلاء يقولون لتبرير هذا السيناريو: إن الخريطة التي وضعتها إسرائيل للانسحاب من جانب واحد، لا تقيد حريتها في العمل أينما كان ذلك ضرورياً لأمنها كما أنها ستحتفظ بمستوطناتها وقواتها على طول نهر الأردن، ما يشكل غلافاً أمنياً لها، وستكون حريصة على ألاّ تملأ الفراغ الناجم عن مثل هذا الانسحاب، لأن هذا السيناريو يقضي بانسحاب جغرافي وديمغرافي، وليس انسحاباً أمنياً.ويعتمد بناء هذا السيناريو على محاولة إسرائيلية للتصدي لأية إمكانية للجوء الجانب الفلسطيني إلى مجلس الأمن، ففي ظل الخلاف الحاد بين الإدارتين، الأميركية والإسرائيلية، فإن إمكانية استخدام واشنطن حق النقض لم يعد مضموناً كما جرت العادة، وفي هذا السياق، تقول السفيرة السابقة في الأمم المتحدة، والتي استقالت مؤخراً، وبعد أن أشارت إلى متانة العلاقة الأميركية الإسرائيلية: "إن استمرار الحماية الأميركية لإسرائيل في مجلس الأمن لم يعد مضموناً، كان الأمر كذلك في السابق (!) وهو قائم الآن، ذلك أن المصالح القومية الأميركية، خاصة في ظل إدارة أوباما، تقضي بإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي. وبالتالي فإن حق النقض الذي تمتلكه الولايات المتحدة في مجلس الأمن يجب أن يخدم المصالح القومية الأميركية العليا قبل كل شيء"، هذه الأقوال للسفيرة جبرائيلا شليف، أخذته إسرائيل بعين الاعتبار وهي ترسم السيناريو المشار إليه.لكن أصحاب هذا السيناريو، يعتمدون على حقائق افتراضية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالولايات المتحدة في ظل إدارة ضعيفة، تحاول أن تنجح في الفوز بولاية ثانية، وفي ظل كونغرس قد لا تتمكن من السيطرة عليه، دون أن تتجاهل أن الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان وقطاع غزة، تم في ظروف مغايرة تماماً بحيث لا يمكن البناء عليها في الظروف الراهنة، إضافة إلى أن إسرائيل تعتبر أن الضفة الغربية هي (يهودا والسامرة) وجزء من الأرض التوراتية للدولة العبرية، الأمر الذي يهدد حكومة نتنياهو بالانهيار في حال الإقدام على هذا السيناريو.أما السيناريو الآخر، فيتقاطع في بعض تفاصيله مع الأول، غير أنه يتمحور حول اعتراف بالدولة الفلسطينية في حدود 1967، مع تأجير الكتل الاستيطانية وتخوم غور الأردن لإسرائيل، لمدة 40 أو 90 عاماً، هذا السيناريو ينهي مسألة الخلاف حول الحدود، مقابل منح الدولة الفلسطينية المناطق "الفائضة" عن حاجتها لإسرائيل، ويتغافل هذا السيناريو عن مسألة القدس، ويعجز أصحابه عن الإجابة عن السؤال، لماذا تقدم إسرائيل على مثل هذا الحل؟وفي محاولة للرد على هذا التساؤل، يشير أصحاب هذا السيناريو إلى أن الأمر يتعلق بصفقة بين إسرائيل والولايات المتحدة، لتجنب المسائل الحساسة التي هي موضع خلاف بينهما، ويرضي الجانبين، بقاء الاستيطان، وتحقيق هدف أميركي بقيام الدولة الفلسطينية التي ستتخلى عن أراضيها قبل أن يسمح بقيامها! والحال أن السؤال يبقى قائماً دون إجابة شافية.وربما يكون لهذين السيناريوهين أساس في مباحثات ومفاوضات عابرة وهامشية وخطط تطرح، غير أنهما لا يتوفران على أرضية كافية لوضعهما في إطار النقاش الجدي، غير أنهما يسهمان في ملء الفراغ التفاوضي في ظل انشغال الإدارة الأميركية بالانتخابات الجزئية للكونغرس.. وتوقيت طرحهما في وسائل الإعلام المختلفة يؤيد نظرية ملء الفراغ هذه!!.