استوقفني خبر نشر منذ ثلاثة أيام يفيد بان السلطات المصرية ألقت القبض على خمسين سوداني حاولوا التسلل عبر الحدود المصرية الفلسطينية إلى إسرائيل، الملفت للانتباه برغم تكرار هذه الحوادث هو العدد الكبير الأخذ بالتزايد يوما بعد يوم، مما يعكس إصرارا كبيرا لهجرة هؤلاء إلى إسرائيل برغم ما يتعرضون له من مشاق التنقل وصولا لإمكانية الموت .. إصرار يعكس قناعة راسخة لديهم بأنهم يعودون إلى " الوطن الأم "، كما يعكس إدراكهم العميق بان تحقيق مصالحهم يأتي من خلال هذا العبور، ليصبحوا جزء من إسرائيل "وطن وشعب وحقوق"، ولا يثنيهم عن ذلك التمييز الذي قد يلحق بهم في بلد "الديمقراطية والحضارة والمساواة"، لأنهم يدركون بان اقل القليل في إسرائيل هو أفضل بكثير مما في البلدان التي نشأوا وترعرعوا فيها، مفارقة يعيشها واقعنا العربي بأنظمته المختلفة ! وهذه المرة دولة تصنف نفسها في محور " الممانعة"، والتي بسبب أزماتها وبؤس الحكم فيها أصبحت تشكل طاردا لأبنائها ليفكروا في الهجرة إلى إسرائيل، وليضيف هؤلاء مسمارا جديدا في نعش حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجروا منها عام 1948م، نعش بنته إسرائيل ويستكمل بأيدي عربية في محاولة للإجهاز نهائيا على هذا الحق التاريخي لأبناء شعبنا . هم يهاجرون من بلدانهم الأصلية إلى إسرائيل، ونحن أصحاب الأرض الأصليين نهاجر منها، فقد بات الانتماء للأرض والوطن "لا يُسمن ولا يُغني من جوع" في نظر الكثيرين، ليس بسبب ضعف الانتماء لفلسطين - وأنا لا أزايد على احد - وإنما بسبب هذا الواقع الرديء الذي أوصل حالنا إلى مستوياته السفلى، واقع طارد لأبنائه ومبدد لوحدتهم، واقع لم يبقى للمواطنة معنا حقيقيا، ولا للأمن مكانا في نفوس الناس .. أصبحنا شعب فاقد البوصلة والاتجاه، محبط مبدد الآمال مشتت الهدف، والشباب من بيننا هائمين على وجوههم على كافة المستويات . فإذا كان هذا عنوان حالنا، كيف نريد للمواطن الفلسطيني أن يستشعر انتماءا حقيقيا للوطن؟ كيف نريد له الصمود فوق الأرض والدفاع عن قضية عادلة ساهمنا - للأسف- بحرف اتجاهها تماهيا مع ما خططت له دوائر الحكم في إسرائيل؟ كيف نريد للشباب الصمود والموت فوق الأرض وهم يستشعرون الانتهاكات تغزو حياتهم وهذه المرة بأيدي أبناء جلدتهم ؟ وكيف لهم الاقتناع بأنهم سينجحون في التصدي للمحتل بكل بطشه وجبروته وهم المجردون من إرادتهم المقاومة بسبب سياسات فلسطينية داخلية تخضع لأجندات خارجية، أو حفاظا على المكاسب والكراسي؟ كيف وكيف ؟؟ أسئلة كثيرة لا يجد المواطن إجابة شافية عليها، لاسيما وهم يتابعون مسلسل المصالحة لإنهاء حالة الانقسام الكارثي .. مسلسل لا ينتهي، وكلما اقترب الأمل في تحقيق ذلك تبعده الأيادي العابثة أكثر فأكثر . لقد بات يراود الكثير من شابنا حلم الهجرة خارج الوطن بعد أن تركة الآلاف، حتى أننا بتنا نخشى أن نرفع قريبا شعارا مركزيا " لا للهجرة خارج الوطن" بدل شعارنا التاريخي "نعم لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم فلسطين" . أعجبني مقال للرفيق تيسير محيسن نشر قبل أسبوع بعنوان " بين الحقوق والحقائق " الذي يجتهد فيه ليميز بين الحق الفلسطيني المتعارف عليه، والذي بات عنوان خطابنا الفلسطيني السياسي، وبين الحقائق التي تبنى على الأرض، والتي تؤثر في الفعل العالمي ومواقفه تجاه الصراع القائم مع الإسرائيليين، فقد نجحت إسرائيل بخلق الحقائق على الأرض تماشيا مع إستراتيجيتها الصهيونية، ونحن لم نستطع بالقدر الكافي تجاوز الواقع القائم لخلق حقائق على الأرض من شانها مزاحمة سياسة الأمر الواقع التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي في كل مناحي الحياة الفلسطينية نحو تحقيق مشروعنا الوطني، ، برغم إدراكنا للفارق في الإمكانيات . فان كنا لا نستطيع هدم مستوطنة أو نعيد لأجيء إلى أرضه التي طرد منها، فبالإمكان على الأقل تعزيز صمود الناس فوق أرضهم كي لا تسهل عملية اقتلاعهم، أو لنحافظ على ما تبقى من وجود لشعبنا داخل الوطن كي لا يهاجر الكثير منهم خارج حدوده، وأولى متطلبات ذلك أن لا نبدد داخل دواتنا الاستعداد اللامحدود للصمود والتضحية رغم ألام وقسوة الاحتلال الغاشم، أن نزرع الأمل في كل بيت وداخل كل نفس، أن نُشعر أبناء شعبنا بأننا قيادة حريصة حقا على حياته ومصالحه وأهدافه وطموحاته وصون حقوقه وكرامته، أن نعيد روح المحبة والوحدة والتآخي بين الجميع بعد أن مزقهم سياط الكراهية والحقد الأسود والرغبة الدائمة بالانتقام من بعضنا البعض . هل فعلنا ذلك كي لا يهجر أبناؤنا وطنهم وقضيتهم، وكي يبقي لشعار الصمود معنى نترجمه على ارض الواقع كي يزهر مقاومة شعبية حقيقية لا مقاومة إعلامية أو عبثية، ولكي نقول بأننا باقون هنا فلتشربوا البحر، وليصدق شعار صامدون ولن نركع . لنتخذ العبرة من نتائج أفعالنا، ولتكن أفعال الآخرين حتى ولو كانوا من أعداؤنا عبرة لنا، ففي ذلك عبرة يا الو الألباب، وارحموا شعب قلبت كل معاييره وبددت قناعاته، وأصبح الانتماء للوطن والتضحية من اجله في أخر سلم أولويات غالبية أبنائه . عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني Nafez_gaza2000@yahoo.com